الخميس، 14 سبتمبر 2023

 الحبيب المصطفى  «  ٧٨  »

السيرة النبوية العطرة 

( اشتداد إيذاء قريش للرسول صلى الله عليه وسلم ) .

__________________________

كما ذكرنا من قبل ، أنه بعد وفاة {{ أبي طالب }} .. تجرأت قريش على النبي صلى الله عليه وسلم ، كما لم تتجرأ من قبل !.. فبالرغم من وفاة عمه أبي طالب ، وزوجته خديجة ، وما شاهده الجميع من حزنه العميق عليهما .

إلا أن  هذه المصائب ، لم تهزَّ مشاعر قريش قطُّ ، إنَّما على النقيض من ذلك ، فقد فَقَدوا كلَّ نخوتهم التى لا وجود لها أصلا ، وزادوا من إيذائهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليزيدوه حزنًا على حزنه!. ولقد كان إيذاؤهم له في هذه الفترة مختلفًا عن كلِّ المرحلة المكيَّة السابقة ، فعلى الرغم من تعرُّض رسول الله صلى الله عليه وسلم للأذى من أوَّل يومٍ جَهَرَ فيه بالدعوة ، وحتى يوم موت أبي طالب ، إلا أنَّه لم يرَ مثل هذا الإيذاء قط من قبل ..

ولم تكن وفاة أبي طالب ، سببا فى أن يتخلى بنو هاشم عن حماية النبي .. فقد ظل الرسول صلى الله عليه وسلم  بالرغم من وفاة {أبي طالب } ، في حماية بقية أعمامه وبني عمومته ، وكل بني هاشم وبنى عبد مناف .. وبرغم من ذلك تأثر النبي صلى الله عليه وسلم بشدة بسبب وفاة عمه ، لأن أبا طالب كان شخصية شديدة القوة والصلابة .. فكانت درجة حمايته للنبى ودفاعه عنه ، أقوى وأشد ... لذا ، فقد قال النبي  صلى الله عليه وسلم : {ما نالت مني قريش شيئا أكرهه ، حتى مات أبو طالب }!!.

___________________________

والسؤال هنا :

أين حمزة ، وأين عمر اللذان يهابهما كل سادة قريش ؟!

هنا يجب أن نعرف طبيعة العهد المكي .

حمزة وعمر دخلا تحت جناح الإسلام ، فهم مسلمان ، وجند من جنود الرسول صلى الله عليه وسلم .. ويجب عليهما أن يأتمروا بأمره .. وهناك نهي من الله أن يكفوا أيديهم .. بمعنى ، لو رأيت أخاك المسلم يُعذب ، لا يوجد تشريع ، أو إذن لك من الله أن تدافع عنه بالقوة .. هكذا هى إرادة الله عزوجل ، التى كانت في العهد المكي .. 

وأول إذن بذلك ، نزل بعد الهجرة إلى المدينة المنورة .. { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } صدق الله العظيم ، والحكمة فيما ذكر هى : 

أولاً : أن الله أراد أن يربي الصحابة في مكة التربية الروحية ، قبل التربية الجهادية .

ثانياً : السابقون إلى الإسلام ، هم حجر الأساس الذي سيبنى عليه {{ خير أمة أخرجت للناس }} ..

والمفروض ألا يكون بينهم منافق واحد .

وبما أن الأذى واقع على كل من قال : { لا إله إلا الله } .. ولم يصدر الإذن بالقتال بعد ، فما الذي يجبر المنافق ، على أن يدخل هذا الدين ويتحمل الصعاب والتعذيب والأذى ؟

 [ والنفاق هو أن تظهر إسلامك وتخفي كفرك ] ؛ لذلك لم يدخل دين الإسلام فى العهد المكي ، إلا كل صادق إيمان مستعد للموت فى سبيل نشر الدعوة .. 

هؤلاء الصحابة كانوا هم حجر الأساس للدين ، حيث يجب أن يكون الأساس قويا صلبا ، ليس به خلل ..


ولقد بدأ النفاق يظهر جليا في المدينة بعد الهجرة ، لما أصبح للمسلمين قوة ودولة .. صار المنافق يدٌَعي الإسلام ، من أجل أن يأمن على نفسه ، ويضمن حقوقه تحت ظل الدولة الإسلامية .. 

[[ لذلك .. فكل آيات النفاق فى القرآن نزلت بالمدينة ]] ..

حمزة وعمر رضي الله عنهما ، يجب أن يتبعا أمر الله ، ويقفا عند حدوده ويلتزما بها .. 

___________________________

والآن سأعرض عليكم بعض الصور ، لجرأة وأذى قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم ..

[ لكم أن تتخيلوا ، كم عانى النبي صلى الله عليه وسلم ، وصبر من أجل نشر الدعوة ومن أجلنا ].

وهنا يجدر بى ، أن أهمس في أذن أهل البلاء .. يا أهل البلاء : [ لكم في رسول الله أسوة حسنة ].

___________________________

كان صلى الله عليه وسلم  يسير يوما في طرقات مكة ، فاعترضه سفيه من سفهاء قريش ، وقذف في وجهه التراب والرمال ..

فرجع صلى الله عليه وسلم إلى بيته معفراً مغبرا ، فلما دخل وكان في البيت  بناته ، قاموا إليه مسرعات ينفضن التراب عن شعره ووجهه وهن يبكين .. 

[لك أن تتخيل هذا الموقف ، الأب وبناته والعاطفة التى تجمعهم ].

 فلم يحتمل النبى صلى الله عليه وسلم بكائهن ، وأخذ يصبرهن، لا عليكن ، لا تبكين فان الله مانع أباكن ..

___________________________

موقف آخر .. وقف صلى الله عليه وسلم  يوماً ، يصلي عند الكعبة .. فأتى إليه ذلك الشقي {{ عقبة بن أبي معيط }} ، ولف عباءته حول رقبة النبي صلى الله عليه وسلم ، وخنقه بها .. حتى سقط صلى الله عليه وسلم على ركبته ، وكاد أن يلفظ أنفاسه ، ولم ينقذه إلا أبو بكر الذي جاء مسرعا ، ودفع عقبة وهو يقول : أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله ، وقد جاءكم بالبينات من ربكم ..

___________________________

صورة أخرى عن هذا الشقي {{ عقبة بن أبى معيط }} .. جلس أبو جهل في نادي قريش

ونظر ، فإذا بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة .. فقال لقريش : أليس فيكم رجل ، يقوم إلى فرث جزور بني فلان ، فيلقيه على ظهر محمد إذا سجد .. [[معنى فرث جزور : أنّ بيت من البيوت في مكة ، ذبح جملا صغيرا .. ولم يكن فيهم إذا ذبحوا من يهتم بالكرشة ، ففرث جزور .. هى المخلفات التي تستخرج من بطن ومعدة الجمل ]] ..

 فاستجاب لرأي الشقي من هو أشقى منه ، فقام عقبة بن أبي معيط ،

(( وكان جارا للنبي صلى الله عليه وسلم فى البيت )) .. فأحضر الكرشة وما فيها من أوساخ ، وظل ينتظر ، 

حتى إذا سجد صلى الله عليه وسلم ، قلبها على ظهره وهو ساجد ،  فلم يستطع أن يرفع رأسه .. وسادة قريش يضحكون في مجلسهم ، يميلون على بعضهم البعض من شدة الضحك !.


ولقد ذكر الله عزَّ وجلَّ أمر هؤلاء حين قال : ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ صدق الله العظيم


[هذه الرواية جاءت في البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، وهو راوي الحديث].

يقول بن مسعود : ما استطاع أحد منا أن يميط هذه الأوساخ ، عن رسول الله خشية بطش قريش [[ كانوا جميعا فى العهد المكى ، ضعفاء أمام بطش الجبابرة في قريش ]] ..

فانطلق رجل قد أخفى إسلامه ، وأخبر فاطمة بنت النبى ، فجاءت مسرعة رضي الله عنها وهى أصغر بناته ، وأماطت الأذى عن ظهر أبيها ، ثم رفع صلى الله عليه وسلم رأسه ، وأتم صلاته .. يقول عبد الله بن مسعود : فلما فرغ من صلاته صلى الله عليه وسلم ، سمعته يقول : {{اللهم عليك بالملأ من قريش وذكر أسماءهم }} .. فو الذي بعثه بالحق ، ما ذكر اسم رجل منهم ، إلا قتل بأيدينا يوم بدر 

.. دعوة خير الخلق ، خاتم الأنبياء والمرسلين ، حبيب رب العالمين ، في موقف هو أشد ما يؤذى به إنسان بلا ذنب أو سبب ، فكانت دعوته هذه على الكفار في العهد المكي ، في أطهر بقعة على الأرض ، عند الكعبة ..

فيمهلهم الله سنين عديدة ، ثم يستجيب  لدعوته ، بعد الهجرة يوم بدر .. 

__________________________

وفى هذا المثل ، أحد دروس السيرة .. [[ كثير من الناس اليوم يقولون ، ندعو وندعو ولا يستجاب لنا ، ألم يقل الله إدعوني أستجب لكم ؟؟ ]] ..


والجواب بسؤال لهؤلاء : من أكرم على الله أنتم أم الأنبياء ؟؟.. 

موسى عليه السلام وهارون دعوا

 على فرعون .. فقال الله لهم : {{ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ }} ..

 وحدث أن كان بين الدعوة والاستجابة بضع سنين .. 

العبرة هنا : أن الله يستجيب كما وعد ، ولكن كما يريد هو لا كما تريد أنت ، لأن الله لا يُعجٌل بعجلة أحدكم .

ألا تؤمن بكلام الله : 

 {{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}} ..

___________________________

هل تتخيل أن هذا الشقي ، [[ عقبة بن أبي معيط ]] .. كان على وشك الدخول فى الإسلام ، وكان سيصبح من الصحابة ، والذي منعه هو صداقته لأبي جهل .. القصة أن أبا جهل سافر ذات مرة ، وعاد ليجد [[عقبة بن أبي معيط]] ، قد تأثر بالنبي صلى الله عليه وسلم وكاد أن يسلم ، فذهب إليه أبو جهل 

وقال له : وجهي من وجهك حرام ، وكلامي من كلامك حرام ، حتى تذهب فتبصق على وجه محمد !!..

فذهب عقبة بن أبي معيط ، وبصق على وجه النبي صلى الله عليه وسلم .. فنزل قول الله تعالى : 

{{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا }} صدق الله العظيم ،، 


هذه القصة أعتبرها أبلغ مثال ، لمدى خطورة أصدقاء السوء ..  [[عقبة بن أبي معيط]] ، كاد فعلا أن يدخل في الاسلام ، لولا صديق السوء ، شيطان الأمة أبي جهل ..

___________________________

وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم يوما وطاف بالكعبة ، فجاء إليه رجال من قريش والتفوا حوله ، وتهجموا عليه وأخذوا يدفعونه ويتجاذبونه من ملابسه ، ويقولون : 

أنت الذي جعلت الآلهة إلها واحدا ؟؟.. أنت الذي تقول كذا ؟؟.. ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لهم : نعم ، حتى جاء أبو بكر مسرعا ، ليدفع المشركين بعيدا عن النبي صلى الله عليه وسلم  .. فدفعوه فسقط على الأرض ، وخلعوا نعالهم وأخذوا يضربونه على وجهه رضي الله عنه ، حتى انتفخ وجهه وأغمي عليه .. وحُمِل إلى بيته وهو مغشى عليه ، ولم يفق إلا في الليل .. فكان أول ما فعله بعد أن أفاق ، أن سأل : ماذا فعلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا له : هو بخير .. فقال : والله لا آكل ولا أشرب حتى تحملاني فأنظر اليه بعيني ، فلما ذهبوا به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، ونظر في وجهه واطمأن عليه.

 قال : الحمد لله .. فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، واحتضنه وهو حزين ، فقال له أبو بكر : يا رسول الله ، ليس بي شيء إلا ما أصابني في وجهي!!..

___________________________

كان الله عز وجل يحمي نبيه من الإهانة الشديدة ، أو المواقف التى يمكن أن تفقده صلى الله عليه وسلم حياته ..


والآن : يا أمة الحبيب محمد .. نحن في بلاء شديد ، ونحن نقرع أبواب الساعة الكبرى ..

 فلكم في رسول الله أسوة حسنة ، هذا حبيب الله ذكرت لكم بعض مما ناله من الأذى ، إيذاء بدني وإيذاء نفسي ، كان يتعرض له يومياً  وبصفة مستمرة .. من جيرانه ، وفي الطريق ، وفي السوق ، وعند الكعبة .. في كل مكان وفي كل وقت ، ذكرنا بعض من الإيذاء الشديد الذى تحمله هو وصحابته الكرام ، حتى يعلم الجميع ضريبة الثبات على الحق ، فطالما أنك على الحق ، لابد أن تبتلى .. وهذه الدنيا فانية ، وموعدكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة .. 

لذلك يقول تعالى في سورة العصر :

 {{والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر* }} صدق الله العظيم،، .. جاء الأمر بالصبر بعد أن أمر بالثبات على الحق ، وطالما أنك على الحق ، فلابد أن تبتلى ، وإذا ابتليت فعليك بالصبر ..

___________________________

فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمور تفاقمت في مكة ، وأن تربة مكة لم تعد صالحة لرمي بذور الدعوة فيها .. أراد أن يدعو إلى الله في مكان آخر ... فاختار الطائف ،،،


يتبع ..

الأنوار المحمدية 


صلى الله عليه وسلم

ليست هناك تعليقات:

المتابعون

أرشيف المدونة الإلكترونية