هذا الحبيب « ٦٨ »
السيرة النبوية العطرة (( إنتهاء المفاوضات والهجرة الأولى للحبشة )) ..
___________________________
انتهت المفاوضات ولم تفض الى أي اتفاق ،
ولما رأت قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستجيب لهم على الإطلاق ، وفى نفس الوقت أنهم لن يؤمنوا به أبداً .. وأن أتباع النبى يزدادون يوماً بعد يوم ، حتى دخل في دينه بعض أبناء أشراف قريش .. بدأوا فى وضع خطة جديدة ، لمواجهة الموقف ..
___________________________
عادت قريش مرة أخرى للغة القسوة والتعذيب ، فاجتمعوا واتفقوا في اجتماعهم على أسلوب جديد هو :
▪لا يكفي تعذيب العبيد والمستضعفين ،
واتفقوا فيما بينهم ، على أن يتولى كل منهم تعذيب من آمن بدين محمد من أهله وأقاربه ، بنفس أسلوب تعذيب العبيد والخدم ..
فوقع العذاب على العبيد وعلى أشراف قريش على حد سواء ، على يد أهلهم .. وتحدثت قريش مع بني هاشم فقالوا : ها نحن نعذب أبناءنا ، فلماذا لا تلحقوا العذاب بابن أخيكم محمداً ..
فقام أبو طالب وهو كبير بني هاشم ، ورفض هذا المقترح .. وتحدث حديثا ، استنفر فيه ضمير بني هاشم ، فلم يقرب أحد على النبي صلى الله عليه وسلم ،
بل أعلن أبناء قبيلة بني هاشم في مكة كلها .. أننا درع نحمي محمد ، ولن يناله سوء ما دامت عين هاشمي واحد تطرف في هذه الحياة ..
___________________________
فلما رأى صلى الله عليه وسلم أنه في منعة في أهله وغيره معذبون ، لم يرض بالتعذيب لمن دخلوا فى الإسلام ، وفى نفس الوقت ، هو لا يستطيع الدفاع عنهم ولا يملك لهم من الأمر شيئا .. وكان ذلك فى شهر رجب من العام الخامس بعد البعثة ..
فقال لهم : أرى أن تتفرقوا في البلاد ، حتى يأذن الله بجمعكم ..
قالوا : أين نذهب يا رسول الله ؟؟
قال : هاجروا إلى الحبشة ، فإن فيها ملك لا يظلم عنده أحد .. [[ الرسول لم يغادر مكة إلا في تجارته لبلاد الشام .. فمن علّمَهُ أن في الحبشة ملك لا يظلم عنده أحد؟ ]] سبحان من علمه ..
___________________________
خرج أصحابه من كان يقدر على الخروج .. فكان أول المهاجرين هو {{عثمان بن عفان رضي الله عنه بصحبة زوجته رقية بنت الرسول صلى الله عليه وسلم }} ..
فلما استأذن عثمان الرسول في الخروج وودعه ، قال صلى الله عليه وسلم : إن عثمان أول من هاجر بأهله بعد لوط عليه السلام ..
فلما خرج عثمان مع زوجته رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم ، تشجع باقي الصحابة للهجرة إلى الحبشة ..
▪المهاجرون في الهجرة الأولى كانوا خمسة عشر فردا : { ١٠ } رجال و { ٥ } نسوة .. أى { ٥ } رجال خرجوا متزوجين وبصحبتهم زوجاتهم ،
و { ٥ } رجال لم يكونوا قد تزوجوا بعد .. وكانوا جميعا من أشراف قريش ، ليس منهم من هو من عامة الناس إلا {{ عامر بن ربيعة وزوجته ليلى }} .. وفى رواية أخرى ، قيل إحدى عشر رجلا وأربعة نسوة ، وقيل غير ذلك .. لكن كان هناك شبه إجماع على أن العدد الكلى لمن هاجروا فى الهجرة الأولى إلى الحبشة ، كان خمسة عشر فردا ...
___________________________
عامر وزوجته ، كانوا ممن عذبوا في قريش ..
وكان عمر بن الخطاب يعذب من يدخل بهذا الدين الجديد ، وبرغم ذلك كان يعيش في صراع داخلي مع نفسه ، حيث تأثر عمر بصلابة ضعفاء المسلمين في مواجهة بطش قريش ..
تأثر {{عمر بن الخطاب}} أولاً بلبيبة الجارية .. وكانت جارية في بني عدي ، وعمر من سادة بني عدي ، فكان عمر يضربها بنفسه بيده وبالسوط ، حتى يتعب من كثرة الضرب ..
ثم يقول لها : والله ما تركتُكِ إلا كلالاً [[ أى ما تركتك إلا لأني تعبت من كثرة الضرب ]] ..
فترد عليه بثبات مذهل وتقول : أنظر ما فعل الله بك !!
___________________________
وعندما شرع عامر وزوجته ليلى رضي الله عنهما فى الهجرة إلى الحبشة ، وكانا كما ذكرنا ممن يعذبا في قريش .. جهزوا متاعهم للسفر وكانت الهجرة في الليل ..
تقول ليلى : ذهب زوجي عامر يتفقد الطريق قبل خروجنا ووقفت أنا عند المتاع ،
فإذا بعمر بن الخطاب يمر بدارنا وكان أشد قريش لنا إيذاءا .. فلما رأيته يقترب قلت : اللهم سلم [[ دعوة امرأة مؤمنة ]] ..
قالت : فلما رآني ونظر إلى المتاع ، وقف وسلم قائلا : عمتم مساء .. [[ ولم يكن من عادة عمر أن يسلم ، بل من عادته أن يضرب فقط ]] ..
قال : عمتم مساء ،
قلت : وأنت يا ابن الخطاب !!
قال : ما الخبر [[ ما هذا المتاع .. ماذا أنتم فاعلون ]] ..
قلت : آذيتمونا في الله وفي ديننا ، فنحن نريد أن نضرب فى الأرض .. [[ أي نهاجر ]] .. هل رأيتم عزة الإيمان؟ .. امرأة ضعيفة تقف بوجه عمر بن الخطاب ، أشد رجل بطشا في قريش ، تقول له من غير كذب ولف ودوران.. آذيتمونا في الله وفي ديننا فنحن نريد أن نضرب فى الأرض حتى نعبد الله ولا يأذينا أحد ..
تقول ليلى : رقّ قلب عمر رقة ، لم نعهدها عليه من قبل [[ فاض قلبه بالحزن والحنان وظهر على وجهه ]]
ورد قائلا : صحبكمُ اللهُ يا ليلى ..
قالت : فلما رأيته بهذه الطيبة ، تمنيت أن يدخل فى الإسلام على الفور .. ثم جاء زوجي عامر ..
قلت له: لقد مر بنا عمر بن الخطاب ،
تقول : فجفل زوجي [[ أي خاف وتوقف عن الحركة من الخوف ]] ..
فقلت له : لا عليك ، لا تخف .. لقد رأيت منه طيبة لم أرها عليه من قبل .. لو رأيت عمر يا عامر ورِقَّته وحزنه علينا ، لن تصدق ..
قال : أطمعتِى فى إسلامه؟
قلت : نعم
قال : فلا يُسلم الذي رأيتى ، حتى يُسلم حِمَارُ الخطاب .. [[ كناية عن استحالة أن يسلم عمر ، فتخيلوا كيف كان عمر شديد البطش بهم ]] !!!
___________________________
ثم انطلقوا مهاجرين .. فوصلوا إلى ساحل البحر الأحمر ، وركبوا سفينتين وأبحروا متجهين إلى الحبشة ..
[[ كل من خرجوا للهجرة كانوا أصحاب أموال وثروة ، تركوها وتركوا ديارهم وأعمالهم لله ورسوله ]] ..
وعلمت قريش ، فأسرعت فى تعقبهم إلى الساحل فى محاولة للحاق بمن هاجر ، لكنهم كانوا قد أبحروا فلم يقدروا على اللحاق بهم .. ورجعوا إلى مكة خائبين .. ووصل الخبر للنبي صلى الله عليه وسلم ، فشكر الله على سلامة قومه .. ولم يمكث المهاجرون فى الحبشة طويلا ، حتى بلغهم أخبار أن أهل مكة قد أسلموا .. فقرروا العودة إلى مكة فى شهر شوال من نفس السنة ( أى بعد ثلاثة أشهر من رحيلهم ) ، ثم اكتشفوا بعد أن دنوا من مكة ، أن أخبار إسلام أهل مكة التى جاءتهم باطلة .. فمنهم من رجع إلى الحبشة ، ومنهم من دخل مكة مستخفيا أو فى جوار رجل من قريش ...
___________________________
الجدير بالذكر أن هذه الرحلة ، كانت هى الهجرة الأولى .. ولم تحدث خلالها مناظرة مع النجاشي ملك الحبشة .. المناظرة حدثت خلال فترة الهجرة الثانية إلى الحبشة ، وكان عدد من هاجروا فيها يفوق ال ٨٠ صحابيا ، وسوف يأتى ذكرها فيما بعد ..
___________________________
وهنا .. نقف عند حدث جلل تحقق فى هذا التوقيت ، مررنا عليه سريعا من قبل فى الحلقة رقم ( ٥٩ ) الخاصة بتعذيب الصحابى خباب بن الأرت ، لأنه كان طرفا فيما حدث .... هذا الحدث هو إسلام {{ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه }} .. الذى حدث فى شهر رجب من السنة الخامسة بعد البعثة ، وذلك فى أعقاب الهجرة الأولى إلى الحبشة ، وقيل فى السنة السادسة بعد البعثة لكن القول الأول أقرب إلى الصواب .. سوف نتناوله الآن بكل تفاصيله
الأنوار المحمدية
صلى الله عليه وسلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق