هذا الحبيب « ٧٩ »
السيرة المحمدية العطرة
( الطائف ، الجزء الأول - مقدمة ).
___________________________
نحن الآن في السنة العاشرة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد قلنا أن هذا العام أطلق عليه النبى عليه الصلاة والسلام {{عام الحزن }} ..
وهو العام الذى توفى فيه عم النبي أبو طالب ، وزوجته خديجة رضي الله عنهما ..
___________________________
تكالبت الأحزان على النبي صلى الله عليه وسلم وزادت عليه همومه وتضاعفت بوفاة أم المؤمنين
خديجة رضي الله عنها ، وعمه أبي طالب ، فـخديجة كانت خير ناصر ومعين له - بعد الله تعالى - وعمه كان يحوطه ويحميه ، ويحبه أشد الحب ، وضاعف من حزنه صلى الله عليه وسلم أنه مات كافراً !.
وتستغل قريش غياب أبي طالب
فتزيد من إيذائها للنبي صلى الله عليه وسلم ، وتضيَّق عليه ، فضاقت مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد به الحال ، حتى فكر في أن يتخذ أسلوبا آخر في دعوته ، لعله أن يجد قبولا ... وذلك بعد أن تأكد له ، أن تربة مكة لم تعد صالحة لرمي بذور الدعوة فيها ، فأراد أن يدعو إلى الله في مكان آخر .. فاختار الطائف ،،
___________________________
لماذا اختار النبي صلى الله عليه وسلم الطائف ؟.
لأن الطائف هي المدينة الثانية في الجزيرة العربية بعد مكة ، وتعتبر مركز تجاري ، ومركز كثافة سكانية ، ولها مكانة في قلوب العرب ، وقبيلة ثقيف التي تحكم الطائف هي أكبر قبيلة في الجزيرة بعد قريش .. وأيضا لأن أخواله من جهة أمه من الرضاعة ، كانوا من بنى ثقيف ، فكان متأملا منهم الاستجابة والحماية والنصرة ..
وسنرى ذلك بعد فتح مكة [[ إذا شاء الله ووفقني لأكمل السيرة ]] .. سنرى كيف كانت الطائف ،
هي المدينة الوحيدة التي استعصت على الرسول صلى الله عليه وسلم ، برغم حصارها فترة طويلة ، حتى جاءت إليه بعد ذلك مسلمة ..
___________________________
من هذه المقدمة ، يتضح أن الطائف نظرا لأنها المدينة الثانية في الجزيرة بعد مكة ، فإنها إن آمنت ، تستطيع أن تقف في وجه قريش .. لذلك كان اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم ، للطائف للخروج إليها ، ودعوة أهلها للدخول فى الإسلام ..
الطائف فى هذا الوقت ، كانت تسمى قرية .. والآن في وقتنا الحاضر ، تسمى مدينة .. وهى تبعد عن مكة مسافة ٨٥ كيلومترا إذا كان السير فى خط مستقيم ، أما إذا وضعنا فى الاعتبار ، أن الأرض صحراوية ، وغير ممهدة ، وبها العديد من المرتفعات والجبال التى تحتاج الالتفاف حولها أثناء المسير ، فإن المسافة الفعلية تصل إلى ١٠٠ كيلومتر ، بل وتزيد .. وكانت الطائف تعتبر مصيفا لمكة والمدينة وجدة وما حولها .. لذلك كان لسادة قريش في الطائف وعلى الطريق المؤدى إليها ، بساتين .. إذا اشتدّ الحر في موسم الصيف [[ خصوصا شهر ٧ و ٨ ]] .. خرج أهل مكة إلى الطائف يستصيفون [[ يقال أن مناخها ، يشبه مناخ فلسطين ، وثمارها مميزة كثمار فلسطين ]] .. وعليها وعلى مكة أُطلق مسمى (القريتين) .. ولما كذٌَب سفهاء قريش وسفهاء الطائف الرسول صلى الله عليه وسلم ، نزلت الآية :
{{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ }} ..
المقصود بالقريتين هما : مكة والطائف ..
___________________________
فلما فقد الأمل صلى الله عليه وسلم ، في أهل مكة وسادتها ، توجه إلى الطائف ، فخرج ليلاً متخفياً ، مشياً على الأقدام ؛ لأنه لو خرج على راحلة ، كانوا شعروا به أهل قريش . خرج متسللا ، وخرج معه زيد بن حارثة الذى تبناه ، وكان بمثابة الحامى والحارس لرسول الله .. وكان خروج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ، فى شوال من السنة العاشرة من البعثة ، وذلك قبل رحلة الإسراء والمعراج .
ولعل تفاصيل ما حدث مع الرسول بعد وصوله إلى الطائف ، أكبر مثال على صبر المسلم وثباته على المبدأ والعقيدة ، ودرسا يعلم المسلم فى كل زمان ومكان ، تحمل المصائب والشدائد فى سبيل نصرة دين الله ،،،
الحبيب المصطفى « ٨٠ »
السيرة المحمدية العطرة
( الطائف الجزء الثاني )..
___________________________
خرج النبي صلى الله عليه وسلم ، إلى الطائف مشياً على قدميه ..
بعد أن أمنَّ جميع السبل ، وأخذ الحيطة والحذر ، أقبل على الطائف وكله أمل أن تكون أرض خير وإسلام.
المسافة كما ذكرنا {{ تقارب ١٠٠ كيلو متر أو تزيد }} ، وكان السفر في شوال من السنة العاشرة من البعثة، الموافق {{ شهر ٦ من عام ٦١٩ ميلادية }} ..
والمعروف أنه فى هذا التوقيت ( شهر ٦ ) تكون درجة الحرارة مرتفعة جدًا في صحراء الجزيرة العربية .. لا يقوى الإنسان على السير فيها ، أكثر من ١٠ دقائق .. وبرغم ذلك ،
خرج صلى الله عليه وسلم ، وقطع هذه المسافة مشيًا على قدميه؛ لأنه إذا خرج راكبا .. ستعرف قريش أنه مسافر ، وهو لا يريد أن يعلم أحد بتحركاته ، حتى إذا لم يوفق في دعوة الطائف ، لا تشمت فيه قريش ، وتستقوي عليه أكثر من ذى قبل .
واصطحب معه كما ذكرنا من قبل ، {{ زيد بن حارثة }} .. الذي كان ينادى حتى هذا الوقت ، {{ زيد بن محمد }} ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تبناه كما سبق القول ..
وإليكم أحداث يوم واحد من أيام الرسول صلى الله عليه وسلم ، حتى يتأكد لنا أن طريق الدعوة الى الله ليس بالسهل الهين ..
___________________________
لما دخل صلى الله عليه وسلم الطائف .. وكان من عادة العرب ،
إذا أرادوا أمرا من قوم ، توجهوا إلى رؤوس القوم وسادتهم ، الذين إذا تحدثوا سمع القوم قولهم .. فتوجه صلى الله عليه وسلم إلى سادة ثقيف من بنى عمرو ، وكانوا ثلاثة أخوة : الكبير فيهم اسمه {عبد يا ليل} .. [هكذا اسمه عبد يا ليل ، كأنك تغني موال ] !!..
والثاني اسمه {مسعود} .
والثالث اسمه ، نعيم وقيل (حبيب) .
هؤلاء هم سادة ثقيف في الطائف ...
___________________________
فجلس النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ..[[ وهم يعرفون الرسول من قبل ، ويعرفون أنه محمد بن عبدالله بن عبد المطلب ، لأن الطائف ومكة مختلطان ببعضهما البعض ، فكأنهما مجتمع واحد ، لذلك كان قد وصل إليهم ، خبر محمد وخبر دينه الجديد .. وعندهم علم بموقف قريش منه ]] .. جلس صلى الله عليه وسلم إلى سادة ثقيف في الطائف ، والعرب كلها لا تنكر ، ولا يفوتها منزلة الضيف وحق الضيافة .
_________
جلس صلى الله عليه وسلم عندهم ، فلم يقوموا بواجب الضيافة له ، ولم يرى منهم حسن الضيافة ولا حسن الاستقبال ، ومع هذا كله ، الرسول صلى الله عليه وسلم داعية إلى الله ، لا يبغى ضيافة من أحد ، هو فقط يريد من الناس أن يستمعوا له ، ويستجيبوا لدين الله .
فعرض عليهم الأمر ، وطلب منهم أن يدخلوا في دين الله .. فماذا كان موقفهم وردهم عليه ؟
___________________________
{عبد ياليل} قال : ألم يجد الله إلا أنت يا محمد ، يبعثك رسول إلى العالمين ، لولا أنزل على رجل من القريتين عظيم .. [[ يعني لو نزل على شخص من سادة الطائف أو مكة عظيم ]] .. فنزلت فيهم الآية التى ذكرناها فى الحلقة الماضية ..
أما {{ مسعود }} .. فقال : لئن كان الله أرسلك رسولاً ،
[[ يعني لو ثبت صحة أن الله أرسلك رسولا ]] .. لأمزقن ثياب الكعبة!!.. [[ يعني سوف يغضب من ربنا .. مش لاقي غيرك إنت نبيا؟ والله لأشق ثياب الكعبة إذا صح هذا الكلام ]] ..
أما {{ حبيب }} .. فكان أحسنهم فى الرد ، قال : أنا لو أعلم أنك رسول من الله حقا ، لا أكلمك أبداً .. لأنك إن كنت كما تزعم ، فأنت أعظم من أن أكذبك .. وإن لم تكن كما تزعم ، فأنت أهون من أن أرد عليك ..
___________________________
فقام صلى الله عليه وسلم حزينا من عندهم ، وقبل أن يخرج قال لهم : أما إذا قلتم ما قلتم ، فإن لي مطلب عندكم كضيافة . [[ يعني أنتم لم تحسنوا ضيافتي ، اعتبروا هذا المطلب هو حق الضيافة ]] .
قالوا وما هو ؟
قال : أرجو ألا تخبروا قريش أني جئت إليكم .. [[ لأنه لو عرفت قريش أنه جاء إلى الطائف ، سوف تزداد عداوتهم له ، لأن في عُرف قريش .. معنى ذهابه للطائف ، أنه خرج يستنصر ويستقوى عليهم بقوم آخرين ]] ..
قالوا : لا واللات لنرسلن إليهم الآن ، وأنت عندنا .. ثم أمروا ، قم يا فلان (( وأمروا فارس أن يركب فرسه فورا ، ويأتي قريش ويخبر سادتها بأن محمد يستنصر بثقيف عليهم )) ..
لا حول ولا قوة إلا بالله ، أي بلاء هذا ؟؟.. كل هذا العناء والتعب ، [[رحلته صلى الله عليه وسلم إستغرقت ١٠ أيام حتى يصل إليهم ماشيا ، ورجوعه إلى مكة ماشيا أيضا يستغرق نفس المدة ، والفارس من المؤكد سوف يسبقه فى الوصول إلى مكة ، ويخبر قريش بما حدث فى الطائف ]] ..
___________________________
خرج صلى الله عليه وسلم من عند الأخوة الثلاثة من بنى عمرو مهموما ، لكنه قرر إعادة المحاولة مع بقية أهل الطائف ، فأقام عدة أيام فى الطائف ، ولم يترك أحدا إلا دعاه للإسلام ، فتطاولوا عليه وطردوه !!! ..
فعرف صلى الله عليه وسلم ، أن أهل الطائف ليسوا أشرفَ مِن سادة قريش ، بعد أن ردُّوه ردًّا عنيفًا ...
إذ كيف تقبل ثقيف دعوته ، وعندهم صنَمُهم المعبود المقدَّس (اللات) ، الذي تزوره العرَبُ أيام الصيف الحارِّ في الطائف فتستفيد ثقيف منهم؟؟.. لذلك ، فهم لو دخَلوا في دين الإسلام ، لم يَزرهم أحد ، وسوف يُحرَمون من الأرباح الطائلة ، فكيف تقبل ثقيف دعوتَه؟؟.. كيف يَقْبلون دعوته وهو يدعوهم إلى مبدأ المُساواة بين العبيد والسَّادة ، وإزالة تجارة الرِّبا ؟.. عرف أهل الطائف أن دين الإسلام سيَضرب مصالحهم الماديَّة ، لذلك ردُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ردًّا عنيفًا ..
__________________________
فقرر النبى الرجوع إلى مكة ، بعدما يئس أيضاً من أهل الطائف .. فلما سار فى الطريق عائدا إلى مكة ، نادى سادة الطائف على سفهائهم ، [[ لأن في كل مجتمع سادة وسفهاء .. سادة الطائف لا يناسبهم أعمال السفهاء ، فأرسلوا سفهائهم خلفه ]] ..
وقالوا لهم : إذا خرج محمد القرشي ، ارموه بالحجارة واشتموه ، واصرخوا في وجهه ، يعنى أهينوه إهانة بالغة ، حتى يخرج من أرض الطائف !.
[ ما هذا يا طغاة ؟؟.. إيمان ولم تؤمنوا ، وضيافة ولم تضيفوه ، وأرسلتم من يفضح أمره فى قريش . لماذا إذا هذه الهمجية؟ الجواب : لأنهم ؛ بلا دين ، فهم كما وصفهم الله ، ( إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) .
خرج صلى الله عليه وسلم ومعه زيد ، وإذا بسفهاء الطائف
اصطفوا على جانبي الطريق !
___________________________
فلما شرع فى الخروج ، أخذوا يصفقون ، ويصيحون في وجهه ، ويشتمونه ، ويضربون قدميه بالحجارة .. حتى سالت الدماء من قدميه وتلطخت نعليه بالدماء الزكية .. ولما اشتد به الألم صلى الله عليه وسلم ، ولم يعد يقوى على السير ، جلس يستريح فرموه بالحجارة .. فحال زيد بينه وبينهم ، فكان يتلقى الحجارة بجسده حتى شج رأسه ، وجرح فى وجهه وجسده جراح بالغة رضي الله عنه وأرضاه ، وظلوا على هذا الحال ، يطاردونه مسيرة {{ ٥ كيلو مترات }} كاملة ..
حتى استطاع صلى الله عليه وسلم ، الخروج من أرض الطائف ..
فوجد صلى الله عليه وسلم ، بستان فى الطريق ، وكان هذا البستان لابنا أبى ربيعة .. {{عتبة وأخوه شيبة وهم من سادة مكة}} .. وكان البستان قريبا من الطائف ، لكنه خارج أرض الطائف ..
___________________________
فلما رأى البستان ، ذهب وجلس تحت ظل شجرة .. وبعد فترة ، أفاق من شدة الصدمة والأزمة والأوجاع التي مر بها ، والدماء ما زالت تَنْزف من قدميه الشريفتين الكريمتين المباركتين ، وراح النبِيُّ صلى الله عليه وسلم يتذكر أصحابَه الذين يُجلَدون ويُعذَّبون في مكة ، وتذكَّر خديجة ، وتذكَّر أبا طالب ، فلم يجد بُدًّا من أن يرفع هذه الشَّكوى إلى الله .. رفع رأسه إلى السماء ودعا .
الحبيب المصطفى « ٨١ »
السيرة المحمدية العطرة
( الطائف - الجزء الثالث )
____________________________
جلس صلى الله عليه وسلم تحت ظل شجرة ، وأفاق من الصدمة والأزمة التي مر بها ، والأوجاع والدماء تسيل منه صلى الله عليه وسلم .. وكان هذا الموقف من أشد المواقف التى مر بها النبي صلى الله عليه وسلم ..
بعد معركة أُحد ، لما شج رأس النبي صلى الله عليه وسلم ، وكسرت رباعيته في فكه السفلي [[ الرباعية هو السن الذي يقع بين الثنية والناب ]] ، وجرحت شفته السفلية ، وسالت منه الدماء صلى الله عليه وسلم .. فسألته السيدة عائشة رضي الله عنها ، وهي تصب له الماء ليغسل وجهه من الدماء : هل أتى عليك يوم كان أشد من هذا اليوم ؟
فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم {{ لقد لقيت من قومك ، فكان أشد ما لقيت منهم يوم رحلة الطائف }} ..
___________________________
جلس تحت الشجرة ،ثم رفع طرفه إلى السماء ودعا بهذا الدعاء :
{{ اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ،
يا أرحم الراحمين ، أنت ربُّ المستضعفين ،
وأنت ربّي ، إلى من تكلني ، إلى بعيد يتجهَّمني ، أو إلى عدو ملكته أمري ، إن لم يكن بك غضبٌ علىٌ فلا أبالي ، غير أنَّ عافَيَتَك هى أوسعُ لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن يحل على غضبك ، أو أن ينزل بى سخطُك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك }} ..
___________________________
لما دعا صلى الله عليه وسلم ، بهذا الدعاء الخارج من قلب خير خلق الله على الإطلاق ، العلوي والسفلي .. [[ يعني الملائكة والبشر والجن ، خيرهم جميعاً على الإطلاق ]] ..
خرج هذا الدعاء من قلب
خير رجل ، محزون مهموم ، حدثت انتفاضة في السماوات السبع ، وضجت ملائكة السماء جميعهم .. إذ كيف ينال النبي هذا؟؟.. وأي ملك من ملائكة السماء ، يستطيع أن يدمر الطائف بأكملها بأمر ربه ، لكن الله عز وجل هو السميع البصير .. سمع ما قال أهل الطائف ، وسمع دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فأمر جبريل أن ينزل ..
فنظر صلى الله عليه وسلم فإذا بغمامة [[ غيمة ]] تهبط عليه من السماء تظله ، وإذا عليها جبريل ..
يقول صلى الله عليه وسلم : جاء جبريل ومعه رجل لا أعرفه ، فاقترب جبريل وسلم وقال : يا محمد هذا ملك الجبال [[ أي الموكل بأمور الجبال ]] .. أرسله الله إليك ليطيعك فيما تأمره .. فأمره بما شئت ، فتقدم ملك الجبال وقال : السلام عليك يارسول الله .. إن الله أمرني أن أطيعك فيما تأمرني ، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين [[ أي جبلين في مكة ]]
، وإن شئت دمدمت عليهم [[ أي دمرت أهل الطائف ، وخسفت بهم الأرض ]] ، فلا ترى بعد ذلك منهم عدوا ..
___________________________
لكن .. هذا حبيب الله ، هذا هو المصطفى ، هذا لرب العالمين رسولُ ، صلى الله وسلم عليك يا حبيبي يارسول الله ..
دمائه تنزف ، ودموعه على لحيته ، وما أفاق من الصدمة بعد ، تخيلوا معي : أى إنسان منكم - والرسول لا ننسى أنه بشر - لو ظلمه شخص ، وأذاقه طعم المر ، سوف يتمنى أن يملك أمر هذا الظالم يوما ما ويتحكم فيه ، وسيقول :
[[ لو تحكمونى فى أمر هذا الظالم ، هوريكم هعمل فيه إيه ]] ..
والآن .. هذا محمد رسول الله ، وقد أعطاه الله الحكم بين يديه ، وهو مظلوم ، وملك الجبال مسخر له بأمر الله ، يأتمر بأمره .. كلمة واحدة من رسول الله ، ينتهي أمر قريش والطائف ..
___________________________
وإذا به صلى الله عليه وسلم يضم ملك الجبال إلى صدره ويقول : لا لا يا أخي ، إني لأرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده وحده لا يشرك به شيئاً ..
فنظر إليه جبريل وقال :
صدق من سماك رءوفٌ رحيم !!!!
قال تعالى {{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوف رَحِيمْ }} ..
{{ رءُوف رحيم }} اسمان من أسماء الله عز وجل ، أعطاهم الله للنبي صلى الله عليه وسلم ..
بالنسبة لله عز وجل ، هما اسم ..
وللنبي هما وصف ..
___________________________
وحدث أن صدقت نبوءة النبى ، وخرج من ذرية الطائف فيما بعد ، الكثير من كبار العلماء الذين نشروا هذا الدين ..
___________________________
عتبة وشيبة كانوا في البستان ، نظروا من بعيد فشاهدوا الدماء تسيل منه صلى الله عليه وسلم
وقد علموا بما فعل به أهل الطائف ، وكانوا هم أصحاب البستان الذي يجلس فيه رسول الله ، وكان شيبة وعتبة من سادة قريش كما ذكرنا ..
فلما شاهدا النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المنظر ، حزين والدماء تسيل منه ، تعاطفوا معه ؛ لأن بينهم صلة رحم ، فهم من بني عبد شمس ، والنبي من هاشم ، وجدهم الأكبر عبد مناف .
: كيف هلك طاغيه بنى أميه
مات الحجاج ابن يوسف طاغية بني أمية ميتة لم يمتها أحد
ميتة يحفها دعوات ١٢٠.٠٠٠ ضحية له
و ٥٠.٠٠٠ مسجون
وعدد كبير من النساء
مات الحجاج
بأن سلط الله عليه دوداً في بطنه (مرض التدويدMyasis يعرفه جيداً علماء الحيوان و الطب البيطري بأن يرقات ديدان أنواع من الذباب تنخر في أحشاء الكائن الحي).
( وما يعلم جنود ربك إلا هو )
جاء الطبيب فربط قطعة لحم في خيط ، وأدخلها في جوف الحجاج ، ثم استخرجها بعد ساعة فوجدها مليئة بالديدان .
أحالت الديدان جوفه ناراً ، فسحبت الطاقة من جسمة ، فشعر بالبرد القارص ، فعذبه الله بالنار في جوفه والزمهرير ( شدة البرد ) في جلده، فكانوا يوقدون له النيران المتعدده ليدفإوه فيحترق جلده .
سبحان الله
أتي الله له بالنار في الدنيا بعذابيها ( النار والزمهرير ) ليعذب بها أمير الطغاه
ظل الحجاج في هذا العذاب ١٥ يوماً حتي قبضه الله إل…
[: الحبيب المصطفى « ٨٢ »
السيرة المحمدية العطرة
( الطائف - الجزء الرابع والأخير ).
___________________________
رأى عتبة وشيبة أصحاب البستان ، ما حل برسول الله من الضرب .. فتحركت بداخلهما مشاعر الرحمة تجاهه ، وكان يعمل عندهم غلام نصراني على دين المسيح اسمه {عداس} .
فأرسلوا عداس بطبق عليه قطف عنب وماء بارد وقالوا : أذهب إلى ذلك الرجل ، وضع الطبق والماء أمامه لعله يأكل ويشرب ..
فأقبل إليه عداس ، وجلس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم
وهو لا يعرفه ، ولا النبي يعرفه
وقال : أيها الرجل أرسل إليك سيدي ، بهذا تفضل وكُّل منه .[النبي صلى الله عليه وسلم لم يقدم له أهل الطائف أي ضيافة ، ومضت أيام عليه في الطريق من مكة للطائف مشيا على الأقدام ، وأقام فى الطائف عدة أيام ، وها هو الآن عائد إلى مكة ، فهو في حالة شديدة من الجوع والعطش ]]
فمد يده للعنب وقال : {{ بسم الله الرحمن الرحيم }} ..
فتعجب عداس وقال للرسول : من أنت وماذا تقول ؟ !
والله إن هذا الكلام لا يعرفه أهل هذه البلاد أبداً ..
فقال له صلى الله عليه وسلم : ما اسمك ومن أين أنت ؟ قال : أنا عداس رجل نصراني من نينوى [[ نينوى بلد في شمال العراق ]] ..
فابتسم النبي وقال له :
من قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؟
فقال عداس بلهفة ودهشة : وما أدراك بيونس بن متى؟ !
والله لقد خرجت منها منذ سنين ، ليس في نينوى عشرة رجال يعرفون من يونس بن متى، فما علمك به وأنت في بلد الأُميين؟؟.. [[ بلد الأُميين يعني بها هذا البلد ؛ لأنهم يعبدون الأصنام ]] ..
فقال له النبي وهو مبتسم : ذلك نبي وهو أخي وأنا نبي مثله ..
يقول عداس رضي الله عنه ، وهو صحابي ، قال {{ والله أخبرني خبره ، وما وقع له مع قومه }} ..
أي ذكر له قصة نبي الله يونس مع قومه ..
___________________________
باختصار عن قصة نبي الله يونس عليه السلام ، لمن أراد قراءتها :
بعث الله نبيّه يونس إلى قومه الذين كانوا يعبدون الأصنام ، فنهاهم عن عبادتها ، ودعاهم إلى توحيد الله عزّ وجل ، وبذل لهم النُّصح في تبليغ رسالة ربّه لكنهم قابلوه بالإعراض ، والجفاء والصدّ ، فلمّا أحسّ يونس منهم الكفر بعد ذلك حذّرهم من سخط الله وغضبه ، وهدّدهم بحلول عذاب الله عليهم بعد ثلاثة أيام إن لم يؤمنوا ... ثمّ خرج من بين أظهرهم غاضباً بعدما ظنّ أنّه أدّى ما عليه من تبليغ الرسالة ، فخرج من أرض قومه متّجهاً نحو البحر ، ويبدو من النصوص الواردة في قصة يونس أنّ الله لم يأمره بهذا الخروج ، حيث وصفه الله بالآبِق ، (والآبق هو العبد الهارب) ، قال تعالى: [[ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ]] .. وكان على سيدنا يونس أن يسلّم لأمر الله ، فليس لنبيٍ أن يترك بلده وقريته ويخرج أو يهاجر دون إذنٍ من الله ، لذلك نهى الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يكون كصاحب الحوت في قلّة صبره ، قال تعالى : [[ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ ]] .. ولمّا رأى قومه أمارات العذاب ، وأيقنوا نزوله بهم ، تابوا إلى الله وندموا على تكذيبهم لرسولهم ، وفرّقوا بين كلّ حيوانٍ وولده ، وبين كل أم وولدها .. فضجت المدينة كلها بالصراخ والبكاء ، ثمّ خرجوا يدعون الله ، ويتوسّلون إليه ويتضرّعون له .. فكشف الله بحوله ورحمته عنهم العذاب الذي كان قد أُحيط بهم ، وقد أخبرنا الله أنّ قوم يونس نفعهم إيمانهم بعد نزول العذاب عليهم ورفعه عنهم بعد إحاطته بهم ، قال تعالى : [[ فَلَولا كانَت قَريَةٌ آمَنَت فَنَفَعَها إيمانُها إِلّا قَومَ يونُسَ لَمّا آمَنوا كَشَفنا عَنهُم عَذابَ الخِزيِ فِي الحَياةِ الدُّنيا وَمَتَّعناهُم إِلى حينٍ ]] ... لمّا خرج يونس -عليه السلام- غاضباً بسب قومه ، وبسبب رفضهم لدعوته .. سار حتى ركب سفينةً في البحر ، فاضطربت براكبيها حتى كادوا يغرقون ، وكان لا بدّ من إلقاء راكبٍ من ركّابها لينجو الآخرون ، وما كان من حلٍّ إلا أن يقترع ركّاب السفينة ، فمن تخرج عليه القرعة أُلقي في البحر ، فلما اقترعوا وقعت القرعة على يونس عليه السلام ، ولقد كانوا يعرفونه فأبوا أن يلقوه في الماء ، فأعادوا القرعة ثانيةً وثالثةً ، فخرجت عليه فى كل مرة ، عندها لم يجدوا بُدّاً من إلقائه في البحر .. فبعث الله حوتاً فالتقمه ، وطاف به البحار كلها ، وأوحى الله إليه ألا يُهلك يونس عليه السلام ، فلا يأكل لحمه ولا ينهش عظمه ، وأحاطت به ظلمات ثلاث :
ظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت ، وظلمة الليل .. ولبث في بطنه مدّة الله أعلم بها ... وقد سمع نبي الله يونس تسبيح الحصى ودوابّ البحر وهو في بطن الحوت ، فأقبل على الله وأثنى عليه ، فذكره وسبّحه ، وتضرّع إليه بأن يفرّج كربه ، وألهمه الله الكلمات التي تبدّد الظلمات وتُزيل الكربات ، فنادى ربّه مسبّحاً ونادماً على ما كان منه .. قال تعالى : [[ وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ]] .. وظل يردد هذا التسبيح بلا توقف ، فقذفه الحوت بأمرٍ من الله إلى شاطئ البحر ، وهو سقيم الجسد من شدة ما أصابه ، وأنبت الله عليه شجرةً من يقطينٍ يستظل بها ويأكل منها، وذكر العلماء في حكمة إنبات اليقطين عليه أنّها شجرةٌ فيها نفعٌ كثير ، فهى مقوّية للبدن ... ولمّا تعافى يونس -عليه السلام- أمره الله بالعودة إلى قومه الذين غادرهم ، فوجدهم مؤمنين بالله منتظرين عودته ليتّبعوه ، فمكث معهم يُعلّمهم ويرشدهم ..
___________________________
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، عداس ، خبر نبي الله يونس مع قومه ..
فلما سمع عداس هذا !
قال : أشهد أنك رسول الله المنتظر خاتم الأنبياء ، وهبّ عداس يقبل رأسه ويديه وقدميه ، صلى الله عليه وسلم ..
___________________________
عتبة وشيبة ينظران من بعيد ..
لما شاهد عتبة وأخوه شيبة ، عداس يُقّبل رأس النبي ويديه وقدميه .. قال أحدهم للآخر : أما غلامنا فقد أفسده محمد !
رجع عداس إليهما فقالا له : ويحك ؟؟!!!!
[[ويحك عند العرب كلمة تعجب واستغراب]] ..
ويحك ، أرسلناك تطعم الرجل وتسقيه ، فقمت تقبل رأسه وقدميه .. ما الذي دهاك ؟ !!
قال : يا سيدي والله ما على وجه الأرض كلها ، رجل خير من هذا الرجل ، إنه خير خلق الله ..
قالوا له : ويحك ، سحرك محمد
يا عداس ، دينك خير من دينه فلا تسمع له ..
قال : لا بل هداني ، إنه نبي ..
قالوا وما علمك بذلك؟؟..
قال لهم : أخبرني بأمر لا يعرفه إلا نبي .. لقد أخبرني بأمر يونس بن متى نبي بلادنا مع قومه ، وقرأ علي ما أنزل الله عليه ، وهو موافق لما نعلمه نحن أهل الكتاب وهذا لا يعرفه إلا نبي ..
___________________________
أسلم عداس .. ( دعونا نتقدم فى السيرة قليلا ، لنذكر هذا الخبر ) ..
قبل اندلاع معركة بدر ، وكان {{ شيبة وعتبة }} ، يقاتلان في صف المشركين من قريش .. وقبل الذهاب كانا يستعدان للخروج للمعركة ،
فقالا لعداس : هيا أخرج معنا ..
قال : إلى أين ؟
قالا : للحرب ..
قال : حرب من ؟
قالا : حرب محمد ..
فقال عداس لهما متعجباً مندهشاً : أتريدان حرب ذلك النبي الذي جلس يوم كذا تحت الشجرة في البستان وقدمنا له الطعام وأسلمت على يدي؟
قالوا : أجل ..
قال عداس : والله الذي لا إله إلا هو ، إن هذا الرجل لا تقف في وجهه الجبال كلها ولو اجتمعت .. أنصحكم ألا تخرجا .. فلم يسمعا منه وتركاه وخرجا ، فكانا أول قتيلين في معركة بدر ..
___________________________
رجع صلى الله عليه وسلم من الطائف متجها إلى مكة ، ولم يلق من أهل الطائف أي خير .. لكنه لقي من الله كل الخير والتأييد .. لأن إسلام عدّاس فى حد ذاته ، كان من أعظم ما خرج به رسول الله بذهابه إلى الطائف ، ولم يقف الأمر عند إسلام عدّاس فحسب ، فقد آمن عددٌ كبيرٌ من الجنّ حين سمعوا دعوة رسول الله ، كما أنه فى هذه الرحلة زاد الله - تعالى - رسوله ثباتاً بعدما أرسل إليه جبريل ومعه ملك الجبال يحكمانه فى أهل الطائف ، فكان هذا أكبر دعم وتقدير من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ..
يتبع إن شاء الله ..
إيمان الجن ، في طريق رجوعه لمكة صلى الله عليه وسلم ...
الأنوار المحمدية
صلى الله عليه وسلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق