الجمعة، 29 سبتمبر 2023

السيرة المحمدية العطرة .. 90- 94

 الحبيب المصطفى  « ٩٠  »

السيرة المحمدية العطرة .. 

(( هل رأى رسول الله ربه ))

___________

عند سدرة المنتهى ، وصل جبريل مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحجاب ، وفيه منتهى الخلق .. فاستلمه ملك وتخلف عنه جبريل ، فارتقى به الملك .. 

 يقال حتى تجاوز سبعين ألف حجاب ، ليس فيها حجاب يشبه حجاب ، وبين كل حجاب وحجاب مسيرة خمسمائة سنة ،  وذهب به إلى قرب العرش (( يقول الرسول صلى الله عليه وسلم .. ثم عُرج بى حتى وصلت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام ، وهى صوت أقلام القدرة بيد الملائكة ، تكتب مقادير الخلق )) .. ومنها ترقى حتى وصل إلى منزلة قاب قوسين أو أدنى ، كما قال تعالى : 

(ثم دنا) .. أي دنا محمد إلى ربه تعالى ، أي قرب بالمنزلة والمرتبة لا بالمكان فإنه تعالى منزه عنه ، وإنما هو قرب المنزلة والدرجة والكرامة والرأفة ، (فتدلى) أي سجد لله تعالى ، وفي السجدة أداة القرب من الله ، (فكان قاب قوسين أو أدنى) .. 

ولهذا قال النبى : أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ..

 قال تعالى : 

  {{ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ }} ..

___________

هنا أحب أن أوضح حقيقة هامة ، أجمع عليها الغالبية العظمى من العلماء ورواة السيرة ، وأنا شخصيا سمعتها من قبل ، بل وكنت أرددها أيضا وهى :


أنه يقال .. إن التحيات ذكرت في قصة المعراج ، عندما عرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء ، ووصل سدرة المنتهى ، فلما تعداها ودنا من العرش ، سجد الرسول صلى الله عليه وسلم وقال : ( التحيات لله والصلوات والطيبات ، فقال الله جل جلاله : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، فقالت الملائكة أو قال الرسول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .. ثم أكملت الملائكة : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ... إلى آخر التشهد ).. فما حقيقة ذلك؟؟


الجواب : أنه لا يعرف لهذه القصة أصل ولا سند ، ولم نقف لها على أثر في كتب السنة الصحيحة ، وقصة المعراج ثابتة بتفاصيلها في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما ، وليس فيها شيء عن مناسبة ذكر التشهد المعروف في الصلاة ، وكذلك لم يرد شيء عن هذه القصة حين عَلَّمَ النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام هذا التشهد ..

فقد روى الشيخان : البخاري  ومسلم  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : ( كُنَّا نَقُولُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ :

إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ ، فَإِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ : التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ..


أما حقيقة ما جاء عن العلماء ورواة السيرة ، عن هذا الموضوع هو : أن الرسول عليه الصلاة والسلام ، عندما ارتقى به الملك ( الذى استلمه من جبريل ) ، حتى دنا من العرش .. كان يجب عليه أن يتوجه بالتحية لرب العزة .. فأنطقه الله التحيات ، فقال عليه الصلاة والسلام : [[ التحيات المباركات والصلوات الطيبات لله ]] ، ثم فرض الله على النبى وأمته خمسين صلاة كل يوم وليلة ... لكن لم يحدث هذا الحوار ، الذى يذكره البعض عن أصل نص التشهد ، الذى يأتى فى وسط ونهاية الصلوات .. 

___________

وهنا سأتوقف ، عن سرد ما جاء في الروايات عن السلف الصالح ؛ لأننا في  زمن كثر فيه الجدال ، لأتحدث عن موضوع آخر فى منتهى الأمية وهو : 


السؤال الذي يدور في أذهان الكثير من الناس .. هل رأى رسول الله ربه حين عرج به إلى السماء؟!.

جاء في نص صحيح البخاري عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، أنها عندما سُئلت عن ذلك قالت : 

من حدثك أن محمد قد رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله ، ثم تلت قوله تعالى : {{ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير }} ..


وهناك أقوال أخرى تخص هذا الموضوع ، سأذكرها على سبيل الذكر فقط ، وليس للأخذ بها ..


١ - في مذهب  ابن عباس رضي الله عنه (وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ، وحبر الأمة وفقيهها ، وإمام التفسير وترجمان القرآن) .. يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم ، قد رأى ربه ..

٢ - الإمام الحسن البصري عندما سأله أحد تلاميذه هل رأى رسول الله ربه؟!

فقال له : رآه ، رآه ، رآه ، حتى انقطع نفسه ..


هذا الاختلاف فى الأقوال ، كيف يفسر؟؟.. وللعلم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصرح بذلك .. 

حتى حديث {{ السيدة عائشة }} موقوف لم ترفعه إلى النبي ..


فى رأيى أنه لا يوجد اختلاف فى الأقوال ، ولكن الاختلاف في {{ الفهم }} ..

السيدة عائشة تقول : من قال أن محمد رأى ربه فقد أعظم الفرية  على الله .. والمقصود بقولها {{ رؤيا العين الطبيعية }} ..

وابن عباس رضي الله عنه ، قال ... رآه ، ولكن ليس رؤية المثل بالمثل والإحاطة ، رآه بعين قلبه وبصيرته .. 

بدليل قوله تعالى : {{ فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }} ..

نقول : رأى الله كما يريد الله .. 

___________

والرؤية ليست مستحيلة ، ولو كانت مستحيلة ما ذكرها الله .. قال تعالى : {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } 


هذه الرؤية ليست فى الدنيا ، ولكن موعدها في الآخرة ، فسوف يرى النبي صلى الله عليه وسلم الله فى الآخرة ، وكذلك المؤمنون سيرونه يوم الحساب ..  وسيرى أهل الجنة الله ، بإجماع أهل السنة والجماعة ، بحيث يرونه رؤية ثابتة واضحة بيقين لا شبهة فيها ، ووضوحها ويقينها كرؤية الشمس والقمر .. وهذه الرؤية خاصة بأهل الإيمان ، أما الكُفار فهم محجوبون عن رؤية الله -تعالى- بنص القرآن الكريم ..

ويوضح لنا النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، قال : 

{{ إنكم سترون ربكم يوم القيامة ، كرؤيتكم هذا البدر لا تضامون فيه }} أي لا تزدحمون عليه ، ولكن كيف؟!. 

الله أعلم ، كما يريد الله سبحانه وتعالى .


الحبيب المصطفى «  ٩١ »

السيرة المحمدية العطرة ..

        (( فرض الصلاة  ))

___________

يقول صلى الله عليه وسلم ثم دعيت ، أدنو يا محمد فدنوت ، فكلمني ربي بلا واسطة .. 

[[ ماذا جرى من الكلام لم يصفه النبي .. ولكن خلاصته أن الله عز وجل ، فرض عليه وعلى أمته ، خمسين صلاة فى اليوم والليلة ]] ..

 ثمَ عاد النبى صلى الله عليه وسلم ، إلى سدرة المنتهى ..

فصَحِبهُ جبريلُ - عليه السلام - فأدخلهُ الجنَّةَ ، فرأى من نَعيمها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ، ثمَّ عرضَ عليهِ النَّارَ ، فَنَظَرَ في عذابِها وأغلالِها .. ثمَّ أخرجَهُ جبريلُ وهبط به ، حتَّى أتيا نبيَّ اللهِ موسى فى السماء السادسة .. 

___________

سأل سيدنا موسى الرسول عليه الصلاة والسلام : ماذا فرض ربك عليك وعلى أمتك؟؟..

قال له : خمسين صلاة في اليوم والليلة .. 

فقال له موسى :

 أمتك لا تطيق ، وإني قد جربت بني إسرائيل من قبل ، فارجع إلى ربك واسأله التخفيف .. فرجع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ربه يسأله التخفيف ،  فخفَّفَ عنهُ عشرًا ، ثمَّ  عاد إلى موسى ، فأرجَعهُ موسى مرة أخرى إلى ربه فسألهُ التَّخفيفَ ، فخفَّفَ اللهُ عنهُ عشرًا .. ثمَّ لم يَزلْ بينَ ربِّهِ وموسى ، حتَّى جَعلَها الله خمسَ صلواتٍ في اليومِ واللَّيلَةِ ، ثمَّ طلب منه أيضا سيدنا موسى الرجوع إلى ربِّهِ يسألهُ التَّخفيف ، فأعرَض الرَّسولُ عليه الصَّلاة والسَّلامُ عن ذلكَ ، استحياءًا من الله تعالى وإجلالًا .. فناداهُ ربُّه :  

إنِّي قد فرضْتُ عليكَ وعلى أمَّتِكَ خَمْسِينَ صَلَاةً، وَالْخَمْسُ بِخَمْسِينَ،

 وَقَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وخَفٌَفْتُ عَنْ عِبَادِي..


هل أدركتم الآن قيمة الصلاة ، ما فرضها الله في الأرض ، بل فرضها فى السماء ، لشدة أهميتها .. نحن نصلي خمس فرائض فى اليوم والليلة ، والملائكة تسجل لنا في صحيفة أعمالنا ، خمسين صلاة كما فرضت ..  

قال تعالى {{ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ }} ..

___________

فلما فرض الله على نبيه الصلاة ، هبط النبي صلى الله عليه وسلم فكان معه إبراهيم عليه السلام من السماء السابعة ، وهبط معه موسى عليه السلام ، الذي في السماء السادسة ، ثم هبط معهم هارون عليه السلام من السماء الخامسة .. وهكذا تبعه كل نبى مقيم فى كل سماء ، وتبعته الملائكة ..

___________

نزل صلى الله عليه وسلم إلى صخرة بيت المقدس ومعه الأنبياء .. وكان قد تعرف عليهم أثناء رحلة المعراج بواسطة جبريل .. فدخلوا بيت المقدس ، 

ونادى جبريل للصلاة [[ ليست صلاة الفجر ، إذ لم تكن قد حددت أوقات الصلاة بعد .. كانت ركعتين شكر لله تعالى ، صلّاها الأنبياء مع النبي صلى الله عليه وسلم ]] .. نادى جبريل للصلاة ، فاصطف الأنبياء ، ثم نادى جبريل بالملأ الأعلى ، فهبط كبار الملائكة ووقف الجميع .. 

فتقدم جبريل وأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقدمه للإمامة ، فصلى بهم ركعتين في بيت المقدس صلى الله عليه وسلم {{ إمام الأنبياء والمرسلين}} ..

___________

 ما معنى إمامته بالأنبياء جميعاً؟!.

 أولا : تشريف وتقديم له عليهم جميعاُ صلى الله عليه وسلم ، بما فيهم أولي العزم الأربعة : 

 إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن .. ونوح عليه السلام ..

 وموسى عليه السلام .. وعيسى عليه السلام .. 

وخاتمهم محمد ، إمامهم جميعا صلى الله عليه وسلم .. 


والمعنى الآخر من إمامته بالأنبياء جميعا صلى الله عليه وسلم :

إعلان بأن الدين عند الله واحد ، 

 فدين جميع الأنبياء هو الإسلام .. ولكن تعددت الشرائع ،

وهذا كلام الله ، قال تعالى :

{{ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ }} ..

وقال تعالى : 

{{ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}} ..

فلا يجوز ولا يقبله عقل ، ما جاء بشريعة المسيحيين أن لله ولد ، تعالى الله عما يصفون ..

قال تعالى : {{ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا }} ..

___________

فدين موسى وعيسى وإبراهيم عليهم السلام ، هو {{ الإسلام }} .. بدليل قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام ، ويعقوب وأبناؤه الأسباط أجداد بني إسرائيل : 

{{ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ *وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }} ..


وكان عيسى عليه السلام يحيي الموتى ، ويبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله ، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيرا بإذن الله ... ولأنه كانت تظهر على يديه خوارق ، اختلط الأمر على أتباعه ، فظنوا أنه إله .. قال تعالى :

{{ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }} .. 

مسلمون ، يعني أتباع سيدنا عيسى كانوا على الإسلام ، وهذا كلام الله ..

___________

 كانت صلاة الركعتين بعد المعراج فى المسجد الأقصى ، إشارة ورسالة من الله عز وجل إلى كل خلقه ، أن {{ الدين واحد والشرائع متعددة }} .. ودليل قاطع على قوله تعالى :

{{ إن الدين عند الله الإسلام }} .. 


الحبيب المصطفى «  ٩٢ »

السيرة النبوية العطرة ..

        (( المسجد الأقصى ))

__________

بعد صلاته صلى الله عليه وسلم بالأنبياء عليهم السلام ودّعهم ، ثم أخذ بيديه جبريل وقدم إليه البراق ، ثم عاد من بيت المقدس إلى المسجد الحرام قبل أن يطلع الفجر ..

___________

والسؤال هنا : لماذا يسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم ، من {المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} ثم يعرج به إلى السماء؟؟..

لماذا لم يعرج به ، من عند الكعبة مباشرة إلى السماء؟!..


حتى نعرف سر حادثة الإسراء .. 

أقول لكم : أيها الأمة ، يا خير الأمم ، بكم بإذن الله تختم الأمم ، فأنتم خير أمة  أُخرِجت للناس ، وأنتم أحب الأمم إلى الله عز وجل ، منذ أن خلق الله هذا الكون .. وبما أنه بكم سيختم هذا العالم بإذن الله ، فالجولة  الأخيرة ستكون {{ بينكم وبين  المغضوب عليهم اليهود }} ..


 أليس الصراع الآن على بيت المقدس؟؟..

هل هو للمسلمين ...  أم لليهود ؟

عندما ذكر الله الإسراء .. 

قال تعالى :

{{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا }} ..

هل رأيتم حكمة الله في ذلك ، 

[[ لماذا فى ذكر الإسراء ، عطف الله الحديث مباشرة على موسى وبني إسرائيل .. وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرًا؟.. ]]

إذا هنا يوجد رابط ، ألا وهو صراع طويل سيكون بين أمة الحق ، خير أمة على وجه الأرض ، وبين أطغى أمة وهى المغضوب عليهم اليهود ..

وللباطل جولات وجولات ، ولكن فى الجولة الأخيرة ، ستوجه لهم ضربة واحدة تنسفهم نسفا .. 

{{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ }} .. 

___________

نعود إلى : {{ المسجد الأقصى }} 

لماذا عُرج بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الأقصى وليس من المسجد الحرام؟!. 


قيل أن الحكمة في الإسراء بالنبي ، إلى بيت المقدس أولا ، قبل أن يعرج به إلى السماء .. هى لأن الله تعالى ، كان يعلم أن كفار قريش ، كانوا يكذبونه فيما يخبرهم به من أخبار السماوات .. وبالقياس على ذلك ، فإنهم بالتأكيد سوف يكذبونه ، إذا ذكر لهم أنه عُرِج به إلى السماء ، فأراد الله أن يخبرهم النبى ، بوصف الأرض التي قد بلغوها وعاينوها ، وهم يعلمون علم اليقين ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يدخل بيت المقدس قط .. فلما أخبرهم بأخبار بيت المقدس على ما هو عليه ، لم يمكنهم أن يكذبوه في أخبار السماء بعد أن صدّقوا أخبار الأرض ..


والسبب الآخر ، كى يدرك المسلمون قيمة المسجد الأقصى؟؟.. الذي هو حق على كل  مسلم ، بغض النظر عن جنسيته .. حق المسجد الأقصى في عنق كل مؤمن ، يُسأل عنه يوم القيامة .. فالمسجد الأقصى لكل المسلمين ، وليس لأهل فلسطين وأهل المقدس وحدهم .. 

___________

لذلك ، وحتى نعلم أبناءنا ، الصغير منهم قبل الكبير ، كل ما يتعلق بالمسجد الأقصى وفضائله .. دعونا نلقى الضوء عليه فى النقاط التالية ..


المسجد الأقصى : 

هو واحد من ثلاثة مساجد تُشد لها الرحال كما ورد عن النبى صلي الله عليه وسلم فى حديثه : ((لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد : المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدى هذا)) ، وكما ذكرنا من قبل ، الصلاة فيه بخمسمائة صلاة فيما سواه ..


​ولا يعرف الكثيرون الفرق بين المسجد الأقصى وقبة الصخرة ، فأغلب الناس يظنون أن المسجد الأقصى هو المميز بالقبة الذهبية لقربهما من بعضهما ، وهذا خطأ ، والحقيقة أن مسجد قبة الصخرة ، ما هو إلا مُصلى يقع ضمن حدود المسجد الأقصى ..


والمسجد الأقصى هو أحد أكبر مساجد العالم ومن أكثرها قدسية للمسلمين ، وهو أيضا أولى القبلتين وثالث الحرمين ..

 

أين يقع المسجد الأقصى؟؟..

"يقع المسجد الأقصى داخل البلدة القديمة ، بالقدس الشريف بدولة فلسطين ، وهو كامل المنطقة المحاطة بالسور ، واسم لكل ما هو داخل سور المسجد الأقصى الواقع فى أقصى الزاوية الجنوبية الشرقية من البلدة القديمة المسورة" ..


 ما هو مسجد قبة الصخرة؟.

"مُصلى قبة الصخرة هو أحد أجزاء المسجد الأقصى" ، ومسجد قبة الصخرة هو جزء من أحد أهم المساجد الإسلامية فى مدينة القدس ، ويُعد أيضاً من أجمل الأبنية فى العالم ، وتعد قبّته من أهم وأبرز المعالم المعمارية الإسلامية ، وهو أقدم بناء إسلامى بقى مُحافظاً على شكله وزخرفته ..


متى تم بناء مسجد قبة الصخرة؟.

"بَنَى مسجد قبة الصخرة والقبة الذهبية ، الخليفة عبد الملك بن مروان ، وبدأ فى بنائها عام 66 هجريا الموافق 685 ميلاديا ، وانتهى منها عام 72 هجريا الموافق 691 ميلادية ..


ما هى مساحة المسجد الأقصى؟؟..

"تبلغ مساحة المسجد الأقصى قرابة 144,000 متر مربع ، ويشمل قبة الصخرة والمسجد القبلى والمصلى المروانى وعدة معالم أخرى يصل عددها إلى 200 معلم ، ويقع فوق هضبة صغيرة تسمى "هضبة موريا"، وتعد الصخرة أعلى نقطة فيه ، وتقع فى قلبه" ..


 متى تم بناء المسجد الأقصى؟؟..

لا يعرف بشكل دقيق متى بنى المسجد الأقصى ، ولكن ورد فى أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم ، بأن بناءه كان بعد بناء الكعبة بأربعين عامًا .. فعن أبى ذر رضى الله عنه أنه قال : "قلت يا رسول الله أى مسجد وضع فى الأرض أولاً ؟.. قال : المسجد الحرام .. قلت : ثم أى؟.. قال : المسجد الأقصى ، قلت : كم بينهما؟؟.. قال : أربعين سنة" ..


ما هى قبة الصخرة؟؟..

"قبة الصخرة عبارة عن بناء مثمن الأضلاع له أربعة أبواب ، وفى داخله تثمينة أخرى تقوم على دعامات وأعمدة أسطوانية ، فى داخلها دائرة تتوسطها "الصخرة المشرفة" التى عرج منها النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى السماء فى رحلة الإسراء والمعراج ، وترتفع هذه الصخرة نحو 1,5 متراً عن أرضية البناء ، وهى غير منتظمة الشكل يتراوح قطرها بين 13 و 18 متراً ، وتعلو الصخرة فى الوسط قبة دائرية بقطر حوالى 20 متراً ، مطلية من الخارج بألواح الذهب ، ارتفاعها 35 مترا ، يعلوها هلال بارتفاع 5 أمتار ..


وسوف أبين لكم بمجموعة من الصور ، شكل المسجد الأقصى ويتوسطه مسجد قبة الصخرة ، حتى يسهل على القاريء ، تصور المنظر العام للمسجد وما يحتويه .. 

___________

والآن إليكم بعض المسميات التى تم إطلاقها على {{ المسجد الأقصى وما حوله }} ، وفضائله ..


كما جاء بالآية الكريمة :

١ - لماذا سمي بالأقصى؟؟..

 لأنه ثاني مسجد بُني بعد المسجد الحرام ، ولبعده عنه  وليس بينهم مسجد فى هذا الوقت ، سمي بالأقصى ..


٢ - لماذا تسمى البلدة التى يقع فيها : {{ القدس }}؟؟..

 لأن الله قال باركنا حوله ، ولأنه مبارك فيه أصبح مقدس ..


٣ - مسمى {{ بيت المقدس }} ..

 أي بيت الأنبياء .. أكثر الأنبياء عليهم السلام من بيت المقدس وفيه دفنوا .. 

[[ولا يعني بيت المقدس داخل السور فقط .. فبيت المقدس وما بورك حوله يشمل : جنوب الأردن وشماله ، والأغوار ، وفلسطين كلها من شمالها لجنوبها تابعة لبيت المقدس ]] ..


٤ - مسمى {{ مدينة السلام }} ..

 لأن الله عز وجل جعل فيها مولد العديد من الأنبياء ، والسلام بنزول الملائكة عليهم ، فهى مدينة السلام ..


٥ - مسمى {{ قبلة الأنبياء }} ..

كل الأنبياء كانت قبلتهم إليه ، ونبينا كان يتوجه إليه ، قبل أن تتغير القبلة إلى الكعبة بنص قرآني .. 

[[ كان يستقبل بصلاته المسجد الأقصى مدة {{ ١٦ شهرا }} فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ]]


٦ - مسمى {{ أرض المحشر }} ..

يوم القيامة من على صخرة بيت المقدس ، يقف إسرافيل وينفخ بالبوق ، وينادي فتخرج الناس من أجداثها للقاء الله ، يكون نقطة تجمع الناس في بيت المقدس ، فسمي أرض المحشر ..


٧ - مسمى {{ ثالث الحرمين }} ..

قال صلى الله عليه وسلم : {{لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد ، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى}} رواه الشيخان .. 

 

٨ - مضاعفة الصلاة فيه : 

[[مادام تُشد له الرحال فله ميزة وفضل ]] ..

الصلاة في بيت المقدس{{ بـ ٥٠٠ صلاة تصليها فى أى مكان }} ..


٩ - مسمى {{ موطن الحق}} .. 

 يقول صلى الله عليه وسلم {{ لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم }} ..

قيل : من هم يا رسول الله .. قال  : هم في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس .. لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله .. [[ الأكناف جمع كنف ، والكنف أى ناحية الشيء ]] .. (رواه الإمام أحمد فى مسنده عن أبى أمامة) ..


الحبيب المصطفى  « ٩٣ »

   السيرة المحمدية العطرة .. ( استقبال قريش خبر الإسراء والمعراج ) .

__________

رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته الذي خرج منه ، بيت أم هانئ (أم هانئ بنت عمه أبى طالب كما ذكرنا من قبل) ..

قالت ام هانئ : فقدتك في الليل فلم أجدك [[ لأنهم كانوا يخافون عليه ، بعدما اشتد أذى قريش له ]] .. فقدتك فلم أجدك ، أين كنت ؟ 

قال : يا أم هانئ ، لقد أسري بي الليلة إلى بيت المقدس ، وعرج بي إلى السماء ، واجتمعت بالأنبياء جميعهم ، وفرض الله عليّ وعلى أمتي خمس صلوات في اليوم والليلة ، وها أنا قد عدت إليكم ..

فأمسكت به رغبة ورهبة [[ رغبة محبة بالبشرى التي يحملها ولا يتحملها عقل .. ورهبة خوف من قريش أن يكذبوه ، فإن العقل لا يحتمل ذلك ]] ..

 قالت: بأبي وأمي أنت .. أمُحدِث قومك بهذا؟؟.. 

قال : نعم .. 

قالت : لا تفعل فإنهم مكذبوك ..

فقال : والله سأحدثهم ولو كذبوني ..

___________

 وهذا درس لجميع الدعاة ، أن يبلغوا أمانة الله .. سواءً رضي الناس عنهم أم غضبوا ..

 يقول صلى الله عليه وسلم : {{ ومن التمس رضا الناس بسخط الله ، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس }} ..

___________

فجلس صلى الله عليه وسلم في داره حتى أشرقت الشمس ، ثم ذهب إلى الكعبة ، وطاف بها سبعة ، وجلس في حجر الكعبة ، 

وكان مسرورًا لما جرى من تكريم الله له ..

كان جالسًا ، وبدأت قريش تفيق من نومها ، وسبحان من ساق إليه فرعون هذه الأمة ، أبو جهل .. كان أول من قابل النبي قبل غيره ، مر به ورآه جالسًا.. 

فقال : ها يا محمد هل من جديد؟؟.. [[ يسأل باستهزاء ]] ..

قال : نعم

فقال أبو جهل : هاتِ ما عندك ..

فقال له : لقد أسري بي الليلة إلى بيت المقدس ، واجتمعت بالأنبياء وصليت بهم ..

قال أبو جهل : الليلة ؟!.. 

قال له : نعم .. 

قال أبو جهل : وعدت إلينا قبل أن يطلع النهار ؟!

قال : نعم ..

فذُهل أبو جهل ، وخاف إن هو فارق النبي كي يحدث الناس بما يقول ، أن يرجع فيرجع النبي عن أقواله ، فيكذب أبو جهل ، فلم يحرك قدميه من مكانهما ، وظل واقفا فى مكانه أمام النبي .. 

___________

قال : يا محمد ، وإن اجتمع عليك قومك ، أتحدثهم بما حدثتني؟ 

قال : نعم ..

فصاح أبو جهل بأعلى صوته .. [[ يا آل بني لؤي .. يا آل بني كعب .. يا آل بني فهر .... نادى لكل قريش ]] ..

 فهرع الناس وأخذوا يتجمعون ..

قالوا : ويحك ماذا بك يا أبا الحكم ؟!

قال : اسمعوا إلى محمد ماذا يقول  ،؟. 

فحدثهم النبي صلى الله عليه وسلم بما قال لأبي جهل ، وذكر لهم الإسراء .. وقبل أن يكمل حديثه بذكر المعراج ، قاطعه أبو جهل مذهول من حدث الإسراء فقط ، وهو لم يصل بعد لحديثه عن المعراج ..

قال النبى : جاءني جبريل هذه الليلة ، وقدم لي دابة أكبر من الحمار  ودون الفرس ، يقال لها البراق .. فأتيت بيت المقدس .. فقاطعوه وقالوا : 

عدت إلى مكة قبل أن يطلع النهار ؟ !

قال : نعم .. 

يقول الصحابة : [[ لأنهم كانوا واقفين بين الناس ]] ..

يقول الصحابة  : راع قريش الخبر ، فهم بين مصفق ومصفر ، وواضع يده على رأسه .. [[ وهذه من عادة العرب ، عند استماعهم أو رؤيتهم لأمر جلل ]] .. وبين واضع يده على خاصرته ..

(( أي صدموا )) .. 

___________

وهنا أسرع أبو جهل ، يبحث عن أبي بكر الصديق .. 

[[ لكي يخبره ، ماذا يقول صاحبه محمد ]] .. حتى إذا لقيه ، قال له : يا أبا بكر .. أبلغك ما يقول صاحبك اليوم؟؟..

قال : ماذا قال؟؟.. 

قال : يزعم أنه قد أتى بيت المقدس الليلة ، ورجع في جزء من الليل ، وقبل أن يطلع النهار !!!..

[[ أنظروا إلى جمال و فصاحة أبي بكر ، الكيِّس الفّطن ، الذي ترجم بأعماله وأقواله تعاليم الدين ، قبل أن يتعلمها .. ترجم الإيمان قبل العلم به .. قبل نزول الآية من القرآن {{ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا }} ..

وأبو جهل أكثر من فاسق ، وجاء بخبر لا يقبله العقل ، وليست العاطفة هى التي سوف تتحكم فى أبى بكر .. 

فى عصرنا الحالى ، لو أحد  المسلمين ، متعلق كثيرا بشيخه ، ويثق فيه ، وسمع عنه أى خبر .. لصدق على قوله فى الحال ..

أبو بكر أراد أن يستوثق من كلام أبي جهل ، لأنه لا يثق فيه ، قبل أن يتلفظ بالرد القاطع ..

فماذا قال أبو بكر؟..

 أحدثك رسول الله بهذا؟؟..

[[ أرأيتم سؤاله ؟؟ لم يتسرع بالإجابة ، هكذا المسلم الفطن ، وهكذا كان الصحابة ]] .. آتاهم الله الإيمان ، قبل نزول القرآن كاملا .. (( القرآن لم ينزل كاملا بعد ، وكثير من الفرائض لم تفرض بعد .. ولكن إيمان الصحابة كان كاملا )) ..

أبو بكر ترجم الإيمان قبل العلم .. 

___________

قال له أبو بكر : أحدثك رسول الله بهذا؟؟.. 

قال : نعم ، وهو الآن عند قومك يحدثهم بهذا الحديث .. 

فقال أبو بكر الصديق :

{{ إن كان رسول الله قد قاله ، فقد صدق .. فإني أصدقه بما هو أبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء يأتي في غداوة أو رواحة }} ..

ومضى أبو بكر حتى جاء الكعبة ، وقد تجمع الناس حول الرسول صلى الله عليه وسلم ، واخترق جموع الناس متقدماً إلى النبي ، وكان قد استوثق من الخبر ، وأصبحت المسألة عنده يقيناً .. تقدم إلى النبي ولم يسأله عن شيء أمام الناس .. تقدم أبو بكر ، وبدون أن يتكلم بكلمة واحدة ، أمسك برأس النبي صلى الله عليه وسلم ، وقبّله أمام هذه الجموع كلها وصافحه ، وصاح وهو مبتسم : هنيئا لك رحلتك المباركة يا رسول الله ..

{{ فسمي أبو بكر بالصديق من ذلك اليوم }} ..

رضي الله عنك وأرضاك يا حبيبنا يا أبا بكر ..

___________

فقال المطعم بن عدي ، [[ الذي أدخل النبي في جواره ، بعد ما رجع من الطائف قبل أيام ..

ولأنه مجير النبي صلى الله عليه وسلم ، خاف من أن ينفجر الموقف الآن ]] .. 

 قال : يا ابن أخي [[كلمة تودد]] .. 

 كل أمرك كان قبل اليوم أمّمة .. 

[[ يعني قريب ، يمكن نقبل بعضه وننكر بعضه ]] .. أما اليوم فلا واللات لا أصدقك أبداً !!!

لقد جاوزت العقل والمنطق ، إنا لنضرب بطون الإبل صعوداً إلى بيت المقدس شهراً ، ورجوعاً شهراً .. فكيف تزعم أنك أتيتها في ليلة؟؟!!..

 فقاطع كلامه أبو جهل ، قال : 

يا محمد ، أمصرّ أنت على أنك جئت بيت المقدس الليلة؟

 قال : نعم .. 

قالوا : نحن نعلم أنك لم تأتيه على حياتك قط ، ولم تراه 

[[كلنا نعرف أنك لم تقم بزيارة الأقصى من قبل ]] ..

فإن كنت جئته الليلة صفه لنا .. 

___________

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : فكربت كربة لم أكرب مثلها من قبل .. 

[[ لقد أسري به في الليل وعلى البراق ، ثم عرج به إلى السماء ودهش بالأنوار .. فهل تفرغ أن يحفظ ، كم باب وكم عامود للمسجد ، كى يصفه لأبي جهل ]] .. 

يقول صلى الله عليه وسلم :

فإذا بجبريل يقف أمامي يضرب الأرض بجناحه حتى استوت ، ثم قرب لي بيت المقدس .. 

[[ كما الكاميرا ، بتعمل زوم قريب وبعيد ]] .. حتى أن بيت المقدس ، وكأنه عند دار عقيل بن أبي طالب [[ يعني فى مكان المسعى الصفا والمروة .. للخلف قليلا هناك كانت دار عقيل ]] ..

قال : فأخذت أنظر إليه وأصفه باب .. باب ، وسارية .. سارية [[ حتى أعمدة المسجد وصفتها لهم ]] ..

يقول الصحابة : كلما قال رسول الله وصف ، قالت قريش : 

اللهم قد صدق .. اللهم قد صدق ، 

فلما انتهى من الوصف ..

قال أبو جهل : أما الوصف ، فنعم .. ولكن أخبرنا يا محمد : 

إن لنا قافلة قادمة من الشام هل مررت بها؟؟..

أخبرنا عن قافلتنا ، ما شأنها وأين هي ، ومتى تصل إلينا؟؟.. 

فقال النبي صلى الله عليه وسلم (وكان الله قد أطلعه على مكان القوافل فى الطريق) .. قال : 

نعم لقد مررت بها ، إن لكم قافلتان ..أما القريبة فعند التنعيم ، والأخرى عند بئر الروحاء .. أما قافلتكم عند التنعيم ، يتقدمها جمل أورق 

[[ الأورق أى الذي لونه رمادى ]] ..

عليه غرارتان أحدهما سوداء والأخرى بيضاء .. 

[[ الغرارة .. كيس من الخيش توضع فيه الحبوب ]] ..

وعندما مررت من فوقهم ، جفلت العير من صوت البراق [[ جفلت أي فزعت وأسرعت من شدة الهواء ، نتيجة سرعة البراق ]] ..

فوقع لهم جمل أحمر ، فكسرت ساقه .. قالوا : 

متى تصل القافلة إلينا ؟؟

فقال (وكان يوم الإثنين) ..

قال : تصل إليكم يوم الأربعاء عند شروق الشمس ..

فقال أبو جهل وسادة قريش : إذا موعدنا شروق شمس يوم الأربعاء .. 

 فرجع النبي إلى داره ، وانفض الناس ، وليس لهم حديث إلا الإسراء به إلى بيت المقدس .. 

___________

انقسم الناس حيال رحلة الإسراء والمعراج ، إلى أقسامٍ ثلاثةٍ هم : كفار قريشٍ ، وحديثو العهد بالإسلام من المسلمين ، والقسم الثالث الصحابة الذين رسخ الإيمان في قلوبهم ..


أما عن القسم الأول كفار قريش ، فقد ذكرنا موقفهم فيما سبق .. وأما عن القسم الثانى ، فقد ارتدّ عددٌ قليلٌ من المؤمنين حديثي العهد بالإسلام ، وانضموا إلى كفار قريشٍ في رفضهم وتكذيبهم للرحلة التي قام بها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد الأقصى ، ولم يُعلم عدد هؤلاء المرتدين أو أسماؤهم ، في إيماءةٍ إلى قلة عددهم وعدم تأثيرهم على جماعة المؤمنين في مكة .. وأما عن القسم الثالث وهم الصحابة المؤمنين حقا ، فصدٌقوا النبى صلى الله عليه وسلم ، وظلوا على إيمانهم ، وثقتهم المطلقة في كل ما يحكى عن رحلة الإسراء والمعراج ..

___________

حتى إذا كان فجر يوم الأربعاء ، وقبل شروق الشمس .. أرسلوا إلى النبي ، [[ يا محمد تعال إلى الموعد ]] .. فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ، ووقفوا جميعا ينظرون .. فقال أبو جهل : 

هذه الشمس قد أشرقت يا محمد ، وإذا برجل آخر من قريش يصيح قائلا : 

هذه العير قد أقبلت والله .. 

فأقبلت العير مع شروق الشمس ، كما قال النبي تماماً .. 

 وأسرع أبو جهل ، ومعه سادة قريش إلى القافلة ، فإذا بالقافلة يتقدمها ، [[ جمل أورق عليه غرارتان كما وصف النبي تماماً ]] .. فسألوا القافلة هل كان بالأمس الأول عندكم من حدث؟

قالوا : أجل ، لمّا كان الثلث الأخير من الليل قبل الفجر ، مر بنا ريح شديدة فجفلت العير ، فوقع منا جمل أحمر فكسرت ساقه .. 

 فنظروا إلى الجمل ، فإذا هو معصوب ومكسور ولونه أحمر .. صدق قول الرسول عليه الصلاة والسلام .. 

___________

فماذا قال أبو جهل ؟؟؟

وقف أمام النبي صلى الله عليه وسلم وقال : 

أشهد أنك لساحر !!!.. 

[[ الكفر عناد ، قاتل الله الكفر وأهله ]] ..

قال تعالى : 

{{ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ }} صدق الله العظيم ،،،

___________

والآن ننتهى إلى موضوع آخر ، وهو حكم الاحتفال برحلة الإسراء والمعراج : 

تعدُّ حادثة الإسراء والمعراج التي حدثت في ليلةٍ من الليالي ، واحدةً من أعظم المعجزات ، إذ صعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى السموات السبع ، وتجاوزها إلى التحدث إلى الله - عزّ وجل - وفيها فُرضت الصلوات الخمس على المسلمين ، لكن اختلف علماء المسلمين في تحديد الليلة التي حدث فيها الإسراء والمعراج ... فقيل : 

ليلة السابع والعشرين من شهر رجب .. وقيل : في شهر ربيع الأول .. وقيل : في شهر شوال أو شهر رمضان ... كما اختُلف العلماء في تحديد السنة ، وتضاربت الأقوال بين عاميْ الثالث والخامس قبل الهجرة .. 

ويوجد شبه إجماع من علماء المسلمين ، أنّ ما جرت عليه عادة الناس من تحديد ليلةٍ للإسراء والمعراج ، والاحتفال بها بإقامة الطقوس الدينية والصلاة والذِّكر ، لا أصل له في الدِّين ، إذ لم يثبت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتابعين ، فهذا الاحتفال ، أقرب إلى الابتداع منه إلى الاتباع ..


وهناك بعض الفتاوى التى تجيز الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج ، بل تجد ذلك مستحبا .. ومنها رأى دار الإفتاء المصرية ، حيث أجاب الدكتور شوقي إبراهيم علام ، مفتي الجمهورية ، عن جواز الاحتفال بهذه المناسبة قائلا : "المشهور المعتمد من أقوال العلماء سلفًا وخلفًا ، وعليه عمل المسلمين ، أنَّ الإسراء والمعراج وقع في ليلة سبعٍ وعشرين من شهر رجبٍ ، فاحتفال المسلمين بهذه الذكرى في ذلك التاريخ بشتَّى أنواع الطاعات والقربات ، هو أمرٌ مشروعٌ ومستحب ، فرحًا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمًا لجنابه الشريف" ..

وأضاف علام ، أما الأقوال التي تحرِّمُ على المسلمين احتفالهم بهذا الحدث العظيم ، فهي أقوالٌ فاسدةٌ وآراءٌ كاسدةٌ لم يُسبَقْ مبتدِعوها إليها ، ولا يجوز الأخذ بها ولا التعويل عليها ..


ونحن ما علينا إلا الأخذ برأى دار الإفتاء المصرية ، عملا بقوله تعالى فى سورة النساء 《أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم》صدق الله العظيم ،،،


الحبيب المصطفى « ٩٤ »

السيرة المحمدية العطرة

 ( تحديد أوقات الصلاة )

___________

فرضت الصلاة فى رحلة المعراج ، وتكلٌَف النبى بخمس صلوات فى اليوم والليلة .. لكن لم تحدد عدد ركعاتها ، كما لم تحدد أوقاتها ..


في اليوم الثاني بعد عودته إلى مكة ، جاء جبريل عليه السلام ، إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك بغرض تعليم النبى كيفية الوضوء أولا ..   

 

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني بعض أهل العلم ‏‏:‏‏ أن الصلاة حين افترضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أتاه جبريل وهو بأعلى مكة ، فهمز له بعقبة في ناحية الوادي ، فانفجرت منه عين ، فتوضأ جبريل عليه السلام ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ، ليريه كيف الطهور للصلاة ، ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رأى جبريل توضأ ، ثم قام به جبريل فصلى به ، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاته ، ثم انصرف جبريل عليه السلام ..

___________

لكن كيف صلى جبريل بالرسول عليه الصلاة والسلام ، ومتى : عندما زالت الشمس عن كبد السماء قليلا ، [[ لما صارت الشمس في وسط السماء ، ويسمى وقت الاستواء ، حيث لا ظل للشيء ، أى وقت تعامد الشمس ]] .. 

قال : يا محمد قم فصلي ، 

فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم ، وصلى به جبريل إماما [[ للتعليم ]] .. وأعلمه أن هذا الوقت وقت الظهر أربع ركعات ، 

ثم مضى ..


حتى إذا أصبح ظل كل شيء مثله .. جاء جبريل وقال له قم فصلي .. فصلى به أربع ركعات 

وقال له : هذا وقت العصر أربع ركعات ، ثم مضى ..


حتى إذا سقط قرص الشمس [[ أي وقت الغروب ]] .. جاء إليه جبريل وقال له : 

قم فصلي يا محمد ، وصلى به ثلاث ركعات ، وقال له : 

هذا وقت المغرب يا محمد ، 

ثم ذهب ..


حتى إذا غاب الشفق وبدأ الظلام ، جاء جبريل فصلى به العشاء أربع ركعات ، ثم مضى ..


حتى إذا كان الفجر ، جاءه جبريل وأيقظه وقال : قم فصلي ، فصلى به الفجر ركعتين ، ثم ذهب ..

___________

في اليوم الثاني لم يأت جبريل ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينتظره وقت الظهر .. 

وقبل العصر ، جاء جبريل فصلى به الظهر ، [[ لكي يعلمه ، كم معك مدة من الوقت لكل صلاة ]] ،

ثم ذهب ..


حتى كادت الشمس أن تسقط ، قبل الغروب بقليل ، وقت الاصفرار جاءه فقال له : 

قم فصلي وصلى به العصر ..


فلما غابت الشمس تماماً جاء فصلى به المغرب [[ وعلمه أن المغرب وقته واحد ]] ،

ثم ذهب ..


 حتى مضى ثلث الليل الأول وقارب على النصف جاءه وصلى به العشاء ، ثم ذهب ..

___________

 حتى إذا كان الفجر ، لم يأت جبريل ، حتى أسفر الضوء ،  

ولكن قبل شروق الشمس .. [[ يسمى الإسفار لأن النور قد أسفر عن الظلمة ، أى وقت ظهور النور وانكشاف الظلمة ]] ..

 فجاءه وصلى به الفجر ..


وصلاة الفجر صحيحة إذا صُلّيت قبل طلوع الشمس ، لا خلاف في ذلك بين الأئمة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( وَوَقْتُ صَلاَةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ )) رواه مسلم .. وإنما وقع الخلاف بينهم في تحديد وقت الأفضيلة ، هل هو أول طلوع الفجر الصادق ، أم بعد ذلك بوقت بحيث يظهر النور وتنكشف الظلمة؟؟..

وما يقع في بعض الدول الإسلامية من تأخير صلاة الفجر ، سببه أنهم من أتباع المذهب الحنفي ، الذي يعتبر أن الإسفار (الإضاءة أو وقت ظهور النور وانكشاف الظلمة) في الفجر هو وقت الأفضيلة ، أي أنه أفضل وقت لأداء صلاة الفجر ، وليس أول طلوع الفجر كما هو مذهب الجمهور ..

___________

قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم ، يا محمد : {{ هذا وقتك ووقت أمتك للصلاة ، بين الوقتين }} ..

فتعلم الصحابة  أوقات الصلاة ،  دون الحاجة إلى ساعة التوقيت .. 


 وهكذا ، اكتملت كيفية الوضوء للصلاة ، وأداء الصلاة ، ووقتها ، وكم ركعة لكل صلاة ،،،



يتبع بإذن الله ..

الأنوار المحمدية 

صلى الله عليه وسلم

ليست هناك تعليقات:

المتابعون

أرشيف المدونة الإلكترونية