الخميس، 14 سبتمبر 2023

 هذا الحبيب  «  ٧٥  »

السيرة النبوية العطرة (( الحصار ))  

《جزء كامل .. وعذرا على الإطالة》 

__________________________

بدأ بالفعل تنفيذ قرار الحصار  في أول يوم من أيام السنة السابعة من البعثة ..

وظل بنو هاشم وبنو عبد مناف مجتمعين في شعب أبي طالب ، وللتذكرة .. مامعنى شعب أبي طالب ؟؟ لماذا سمى شعب أبي طالب ؟

___________________________

مكة تقع في وادي وحولها الجبال .. 

بين الجبال هناك طرق ضيقة ، هذه الطرق الضيقة كانوا يسمونها { شعاب الجبال } .

{{ قصي بن كلاب }} هو الجد الرابع للنبي صلى الله عليه وسلم ..

قصي هو الذي قام بتقسيم هذه الشعاب بين قبائل قريش ، 

كل قبيلة لها شعب خاص بها .. وكل شعب له اسم ، فقريش أطلقت عليه اسم {{ شعب أبي طالب }} ، لأن أبا طالب سيد بني هاشم  ، ولأن بيته هو أول بيت في الشعب ...

فاجتمع بنو هاشم وبنو عبد مناف عند بيت أبي طالب في هذا الشعب ،  مسلمهم وكافرهم ..  

___________________________

وطال الحصار [[ هم لم يمنعوهم من الخروج ]] ..

ولكن المقاطعة كانت عبارة عن الحصار فقط ، وظل الحصار هكذا لمدة { ٣ سنوات } .. حصار اقتصادي قاسي جدا ، 

فلما كان التجار يأتون إلى مكة ، يسارع أهل مكة إليهم ويشترون منهم السلع بأعلى الأسعار ، حتى لا يسمحون لكل من هم تحت الحصار بالشراء .. وكان أشد أعداء النبي صلى الله عليه وسلم وقومه هو {{ زوج حمالة الحطب ، أبو لهب }} .. فقد كان يملك المال الكثير ، قال تعالى .. {{ ما أغنى عنه ماله وما كسب }} ..

كان يأتي إلى التجار ، فيعرض عليهم أضعاف ثمن ما معهم من السلع ، ويشترى كل السلع المعروضة .. حتى لا يبيعوز شيئا للنبى ومن معه !!!..

___________________________

أنفق الرسول صلى الله عليه وسلم كل ماله خلال هذه السنوات ، 

وكذلك أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ، وأيضا أبو بكر رضي الله عنه ، وكل بني هاشم .. 

إلى أن وصل بهم الحال ، أن أكلوا ورق الشجر ، حتى تشققت شفاههم ! 

يقول أحد الصحابة : كنا نبعر كما يبعر البعير .. [[ يعني عندما يقضي حاجته ، كانت تخرج فضلات الجسم ، تشبه مايخرج الجمل ،  لأنهم لا يأكلون إلا ورق الشجر ]] !!..

وكانت تعلو أصوات بكاء أطفالهم في الليل والنهار من شدة الجوع ، بل ومرض الكثير منهم وماتوا ، بسبب هذا الحصار .. 

يقول سعد بن أبي وقاص : 

أنه عثر في ليلة على قطعة من الجلد ، فأخذها ووضعها على النار .. ثم أخذ يمضغها ولا يقدر على بلعها .. ويقول : بقيت عليها ثلاثة أيام !!..

وكانت قريش تقوم بعمل دوريات مراقبة وحراسة ، طوال الليل والنهار على مداخل ومخارج الشعب .. حتى تتأكد من عدم دخول أي طعام إلى بني هاشم ،

وكانوا يؤذون كل من يتضح أنه أرسل شيء من الطعام إليهم !!..

___________________________

وكان هذا الحصار يسبب ضغطا نفسيا كبيرا جدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. 

وكما ذكرنا أن من كانوا داخل الحصار ، منهم  المسلمون ومنهم الكفار من بني هاشم الذين مازالوا على كفرهم ..

فكانوا ينظرون إلى النبى صلى الله عليه وسلم ، على أنه السبب فيما هم فيه .. يقولون لقد جعنا وتعبنا ، ومات أطفالنا بسببك يا محمد .. ضغط نفسي كبير على رسول الله !! 

___________________________

ثلاث سنوات كاملة لا يصلهم طعام ، إلا ما يتم تهريبه إليهم من خلال بعض المتعاطفين معهم .. وخصوصا من تربطهم بهم صلة النسب  من قريش .. سخر الله لهم بعض الرجال ممن فيهم نخوة ورجولة .. كانوا لا يرتضون بهذه المقاطعة .. ولكن لا يستطيعون رفضها لأنها بإجماع رأي قريش ..

___________________________

كان هناك رجل اسمه {{ حكيم }} .. هل تذكرون هذا الأسم ؟..

 [[ الذي ذكرته لكم في الجزء الخاص ب زيد بن حارثة ، خديجة رضي الله عنها عمته ، أهداها خادم وهو زيد بن حارثة ]] .. كان حكيم  يوصل إليهم الطعام سرا ،  بالرغم من أن مداخل الشعب كانت تحت الحراسة من قريش .. وكذلك كان يفعل أبو العاص بن الربيع ، زوج زينب بنت النبى ، وابن أخت السيدة خديجة .. حيث كان يتسلل فى أنصاف الليالى ، ويقدم لهم الحنطة والتمر ... 

وذات يوم جاء حكيم بالطعام إلى الشعب فى السر ، فلقيه أبو جهل ، فسأله : 

ما هذا يا حكيم ، واللات لا أدعك أنت وطعامك حتى أفضحك في كل مكة ، وأخذا يتجادلان ... فى هذه الأثناء ، جاء رجل اسمه {{ أبو البختري بن هشام }} .. وكان رجل وجيه في قومه ، فسمع الجدال الدائر بينهم .. فقال : ما شأنك يا أبا الحكم ؟؟ [[ هو يُنادى ب أبي الحكم عند قريش ، أما المسلمون فيطلقون عليه أبا جهل

 قال : ما شأنك يا أبا الحكم؟؟! .. رجل عنده طعام يريد أن يوصله لعمته ؟؟.. 

قال أبو جهل : لا ، قريش أجمعت على ألا  نوصل لهم شيء من الطعام .. فاشتد الجدال بين أبي البختري وأبي جهل ، فغضب أبو البختري  والتقط عظمة بعير من على الأرض ، وضرب بها رأس أبا جهل ، فشجه وسال الدم منه .. [[ الاثنان مشركان ،

 ولكن شهامة أبو البختري دفعته أن يتخذ هذا الموقف ]] ..

ثم قال له أبو البختري : ما رأيت في العرب مثلك ، لئيم يرضى أن يموت ابن عمه جوعاً وهو منعٌَم !! 

___________________________

وكان لأبي طالب فى هذا الحصار ، قصيدة عصماء من الشعر اسمها [[ لامية أبي طالب ]] ..  قال عنها أهل الأدب والعلم بالشعر ، أنها فاقت كل المعلقات السبع ، التي كانت معلقة على جدار الكعبة .. بلغ عدد أبياتها  ١٣٠ بيتا ، لا يسع المقام لذكرها .. تتحدث أبياتها عن ذكر مناقب النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعضا مما جاء فيها : أنه لن يسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولن يتركه حتى يهلك دونه .. كما ذكٌَرهم عندما استسقى لقريش بوجه النبي وهو في الثامنة من عمره ، وهو بكفالته ، بعد أن انقطع عنهم الغيث من السماء ، وأجدب واديهم وأقحط عامهم ، فطلبوا منه أن يستسقي لهم ؟؟ فقال : بمن استسقيت لكم يومها ؟؟ .. رفعت محمد وألصقت ظهره بالكعبة ، فأنزل الله عليكم ماء السماء غدقاً وأسقاكم بوجهه .. {{ وأبيض يستسقي الغمام بوجهه }} ، سمعها النبي وأقرها  صلى الله عليه وسلم ، ولم يبدى اعتراضا عليها ، وفى هذا دليلا شرعيا ، أن الله سبحانه وتعالى أسقى أهل مكة كرامة  لنبيه ... 

___________________________

وفٌَر أبو طالب ، الحماية الكاملة للنبي صلى الله عليه وسلم .. أبو طالب هذا الشيخ الذي كان قد بلغ من العمر فترة الحصار {{ ما يقارب ٨٠ عاما }} .. ومات بعد انتهاء المقاطعة ( يقال بعدها بستة أشهر ) .. وكان عمره عند وفاته {{ تسعة وسبعون عاما بالتقويم الميلادى ، أى ما يزيد على واحد وثمانون عاما بالتقويم الهجرى ، لأن السنة الهجرية تنقص ١١ يوما عن السنة الميلادية }} ، نظرا لشدة حرصه على سلامة النبي صلى الله عليه وسلم من أذى قريش ، كان يسهر الليل ، ويأمر النبي ( لأنه عمه وبمنزلة الأب ) .. يأمره أن ينام على فراشه ، فإذا نام الناس ، وعلموا أن محمدا قد نام .. يظل سهران ، ثم يذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فى السر ، ويوقظه من النوم .. ويقول له : قم ، ثم يأمر أحد أولاده أن ينام مكان النبي ، ويصطحب النبي إلى مكان آخر لا يعلم به أحد لينام فيه ، كل هذا خوفا من أبي طالب ، وحرصا منه على النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى وإن أدى ذلك إلى أن يعرض سلامة أحد أولاده للخطر .. 

__________________________

وطال الحصار .. فقام رجال من قريش عندهم نخوة .. وقالوا : إلى متى نأكل ونشرب ، وأبناء عمنا يموتون جوعا؟؟..  إلى متى؟؟ 

كيف نتركهم يموتون جوعاً ؟؟.. فذهب رجل اسمه {{هشام بن عمرو العامري }} .. إلى رجل يدعى {{زهير بن أبى أمية المخزومى}} وكانت أم زهير هى عاتكة بنت عبد المطلب ، أخت أبى طالب ، وعمة النبى صلى الله عليه وسلم ، فكان أبو طالب خال زهير ...  

فقال هشام ل زهير : يا زهير .. أترضى أن يموت قومك جوعًا ونحن نسمع صراخهم في الليل والنهار وأنت تأكل وتشرب؟؟.. أسألك برب البرية ، لو كان أخوال أبي جهل بالشعب .. هل كان يوافق على المقاطعة ؟؟

فقال زهير : لا ، لا يرضى .. فقال له : إذا لماذا ترضى أنت يا زهير؟؟.. هل أبو جهل خير منك؟؟.. فاشتعل زهير غضبا وقال له : ماذا أصنع؟.. لو أجد أحد يقف معي لأظهرت فورا معارضتى ..

فقال له هشام : ها أنا معك ، قال زهير : ولكن نريد رجل ثالث معنا فإن فى الجماعة قوة .. فذهبوا وضموا إليهم ثلاثة رجال ، فأصبح العدد {{ ٥ }} : هشام بن عمرو العامرى .. وزهير بن أبى أمية المخزومى .. والمطعم بن عدي .. وأبو البختري بن هشام .. وزمعة بن الأسود الأسدى ،، 

___________________________

اجتمع الخمسة رجال ، وأخذوا القرار الجريء الذي سيعارضون به أكابر القوم ، القرار الذي قد يؤدي إلى انقسام حاد في المجتمع المكي ، وقد يؤدي إلى نصرة دين لا يقتنعون به أساسا ، يفعلون كل ذلك لشيء كان قد تحرك في صدورهم جميعًا .. إنه حمية النخوة ، النخوة المتمثلة في أن تجد إنسانًا - أي إنسان - مؤمنًا كان أو كافرًا ، أن تراه يعذب ، أن تراه يظلم ، أن تراه يجوع أو يعطش ، ثم تقول بملء فمك : لا ... إنها النخوة التي زرعت فتحركت في قلوب أناس كفرة ، ما عرفوا الله ... وهي نفسها (النخوة) التي لم نرها من مسلمين كثيرين ، قد رأوا بأعينهم جرائم الحصار والقتل لآلاف وملايين من المسلمين ، في العراق والبوسنة وكوسوفو والشيشان وبورما وكشمير وفلسطين وسوريا وغيرها ، ثم لم يتحرّك لهم ساكن .. كيف أن هشام بن عمرو الكافر ومن معه من الكفار لم يهدأ لهم بال والمسلمون يعذَّبون؟!.. وكيف أن الكثير من المسلمين اليوم يأكلون وينامون ويتمتعون ، وليس في أذهانهم ما يحدث لإخوانهم وأخواتهم في أماكن كثيرة من العالم؟!.. أين النخوة التي تحركت في قلوب الكافرين الخمسة؟؟!!!

___________________________

تواعد الرجال الخمسة فى السر ليلاً على جبل الحجون ،  فرسموا الخطة ، واتفقوا على أن يجلسوا مع قريش ، ثم يبدى رجل منهم اعتراضه على المقاطعة .. فيقوم الرجال الأربعة الآخرين فى الحال ، بمساندته وتأييده أمام قريش ، والثبات على موقفهم .. 


ولما كان الصباح ، دخل زهير ووقف في نادي قريش .. فقالوا له : اجلس يا زهير .. فقال : لا والله لا أجلس ، إلى متى نأكل ونشرب وبنو هاشم يموتون جوعاً ؟؟.. والله لا أجلس حتى تمزق هذه الصحيفة الظالمة ، المعلقة فى جوف الكعبة .. 

فقام أبو جهل وقال : كذبت والله ، إنما كتبت وعلقت بإجماع من سادة قريش .. 

فقال رجل آخر [[ من الخمسة الذين كانوا متفقين سرا ]] ..

قام وقال مخاطبا أبا جهل : بل كذبت أنت والله ، ما وافقنا عليها وما رضيناها ، ولكنكم أجبرتمونا عليها .. 

فقام الثالث وقال : صدقتم يا قوم .. 

 فقام الرابع والخامس 

وقالوا : سيوفنا معكم أينما تريدون .. 

فقال أبو جهل : هذا أمر دبر له من الليل .. [[ يعني لا يعقل أن تتفقوا فى الرأى أمامنا فجأة ، إلا إذا حدث ترتيب لذلك بينكم ]] .. واشتد الجدال بينهم ، وبينما هم يتجادلون أنمزق الصحيفة أم لا نمزقها ..

____________________________________________________________________

وإذا بأبي طالب وعمره تجاوز الثمانين ، يقبل عليهم .. فاندهش سادة قريش ، ما الذي جاء ب أبى طالب .. لقد اعتزل قريش من زمن ؟؟


الذى حدث أن أبا طالب كان جالسا مع رسول الله في الصباح (والرسول لا يعلم عن موضوع الرجال الخمسة واتفاقهم) .. [[ لأنه كان لا يدخل عليه أحد ، ولا يخرج أيضا .. ذلك لأن أبا طالب كان لا يأمن أحد من قريش أن يتواصل مع النبي ]] .. فكان أبو طالب جالسا يشكو إلى النبي هذا الضيق والحصار ، فقال صلى الله عليه وسلم : لا عليك يا عم .. إن صحيفتهم الظالمة قد أرسل الله عليها الأرضة ، [[ الأرضة ، حشرة (دودة) تأكل الخشب ، والصحيفة من جلد ، لكنها آية من الله ]] ..

 إن صحيفتهم الظالمة قد أرسل الله عليها الأرضة ، فلحست كل ما فيها إلا ذكر الله ، وكان على رأس الصحيفة مكتوب باسمك اللهم ..

[[ أرجو ممن يتابع معي السيرة أن تمسحوا من أذهانكم {{ فيلم الرسالة }} .. الرسول عليه الصلاة والسلام قال {{ لحست }} ، ولم يقل أكلت ، لحست الكتابة وهذا هو الإعجاز ... الأرضة تأكل الخشب والورق ، لكنها لا تلحس الكتابة ، والصحيفة التي وضعتها قريش ، كتبوها على قطعة من الجلد ، ولفوها بالقماش .. وأحضروا الختم وختموها ، كى يمنعوا أي شخص أن يقوم بفتحها ، وعلقوها على جدار الكعبة من الداخل ]] ..

قال أبو طالب : يا محمد ، هل ربك الذي أوحي إليك ، هو الذي أخبرك ؟ 

قال : أجل 

فقال أبوطالب : إنك لصادق ، فوالله إنه لا يدخل عليك أحد ، وأنت لا تكذب أبداً .. فوثب أبو طالب من مكانه مسرعاً .. قال له النبي إلى أين يا عم ؟.. قال سأواجه قريش كلها أنت صادق ولا تكذب أبدا ، وما دام الله قد قضى على صحيفتهم ، فاليوم يجب أن نخرج من الشعب .. 

___________________________

وكان أبو طالب أيضا ، لا يعلم بموضوع الخمسة رجال واتفاقهم .. 

فدخل أبو طالب لنادي قريش وهم يتجادلون ، نمزقها أو لا نمزقها؟.. فلما دخل أبو طالب ، سكتوا جميعا .. وقالوا : 

مرحبا بأبي طالب ، فجلس وقال لهم : لقد مضت بيننا وبينكم أعوام ثلاثة واليوم استجد أمر ،

[[ لم يخبرهم أبو طالب عن الصحيفة مباشرة ، حتى لا يذهب أحدهم  ويشقها ، ثم يقول لا يوجد أرضة .. فكما قلنا من قبل : الصحيفة ملفوفة ، وفوق اللفة مختومة بختم ، لا يُفك إلا بأمر من سادة قريش .. وهى موضوعة داخل الكعبة منذ ٣ سنوات ]] ..

قال أبوطالب : فليجتمع كل سادة قريش .. فاجتمعوا ، ثم قال : أحضروا الصحيفة من الكعبة [[ فاعتقدت قريش أن أبا طالب يريد أن يمزق الصحيفة ، ويسلمهم محمد وتنتهي هذه العداوة ]] ..

 فلما اجتمعوا سادة قريش ، والرجال الخمسة الذين اتفقوا على جبل الحجون متواجدين .. أحضروا الصحيفة من الكعبة ، وكانت ملفوفة والختم عليها ، فوضعت أمامهم ... ثم سألوه : ما الأمر يا أبا طالب؟؟..

قال : يا قوم لقد أخبرني محمد ، وكلكم يعلم أن محمدا لا يكذب .. أخبرني بأن الله قد أرسل على صحيفتكم الأرضة ، فلحست كل ما فيها إلا {{ إسم الله }} ولم يتبقى من ظلمكم وقطيعتكم شيئا ، فضحكوا وسخروا من كلامه [[ كما قلنا من قبل ، كانت قريش إذا أرادت أن تسخر من شيء ، تجدهم بين مصفق ومصفر وراقص وواضع يديه على رأسه ]] .. لما سخروا من كلام أبوطالب بهذه الطريقة ، وضحكوا وجن جنونهم .. 

قال أبي طالب : لا تتعجلوا يا قوم واسمعوني !!!

إن كان محمدا صادقاً فيما قال ، فعلينا أن ننهي هذه القضية .. وإن كان قد كذب ، أسلمه إليكم الآن فتضربوا عنقه .. هل أنتم موافقون؟؟..

[[ ولأنهم كفار ، والكفر ضلال ، تسرعوا وقالوا موافقين يا أبا طالب بالإجماع .. طبعا طمعوا أن يكون محمد هذه المرة غير صادق ، فيسلمه إليهم أبو طالب ليضربوا عنقه .. يعني فرصة وجت لعندهم ، خصوصا وأنهم لم يتوقعوا حدوث كلام النبى ، لأن الصحيفة ملفوفة بإحكام ولم تفتح بعد ، بالإضافة إلى أن الأرضة لا تأكل الجلد ]] .. الصحيفة أمامهم ملفوفة ومختومة ، فأسرعوا وفكوا الختم وأزالوا القماش الملفوف عليها ثم نظروا إليها ، وإذا هي كما قال صلى الله عليه وسلم .. الأرضة لحست الكتابة كلها ولم يبقى من الكتابة ... إلا {{باسمك اللهم}} .. والختم عليها مثلما وضعوه قبل ٣ سنين !! 

___________________________

فقال أبو طالب : هل تبين لكم الأمر الآن يا قوم ، فإن محمدا لا يكذب .. فقالوا : هذا من سحر ابن أخيك .. هل رأيتم ؟.. استحالة يقتنعوا !!.. [[ قاتل الله الكفر والكفار ]] ، فقام زهير وسلّ سيفه وقام معه باقي الرجال الخمسة ، وقالوا : والله لا نبرح هذا المكان حتى نمزق هذه الصحيفة ، ويخرج بنو هاشم .. فمزقت الصحيفة وخرج الهواشم من الحصار .. حدث هذا فى شهر محرم من السنة العاشرة من البعثة ، بعد ثلاث سنوات كاملة من المعاناة فى الحصار ... 

____________________________________________________________________


ولحكمة كان يعلمها ... فإن الله  شاء أن يتأخر هذا الإنقاذ إلى مدة ثلاث سنوات ، ولو شاء سبحانه لحدث مثل هذا الاجتماع من الرجال الخمسة أو من غيرهم ، بعد شهر واحد أو شهرين من بداية الحصار .. لكن  كان هذا التأخير بترتيب من الله سبحانه وتعالى ... فقد خرج المؤمنون من هذا الحصار ، أشد شكيمة وأعمق إيمانًا وأقوى تمسكًا بدينهم وعقيدتهم .. لقد وقع الابتلاء والامتحان ، ونجح المؤمنون فيه ، لأنه لا بد أن يثبت الصادقون صدقهم بالتعرض للبلاء والثبات على الحق ، والتضحية في سبيل الله ، وللتزكية لتطهير النفوس من الذنوب والخطايا .... ومن هنا كان هناك الحصار ، ومن قبله كانت الهجرة إلى الحبشة ، ومن قبله كان الإيذاء والتعذيب ... وكل هذه مراحل تربوية غاية في الأهمية ، حيث صنعت جيلاً من الصحابة يستطيع أن يواجه الأهوال دون أن يلين ، أو تخور له عزيمة ، أو يهتز له قلب أو 

عقل أو جارحة ..

______________________________________________________________________

والجدير بالذكر .. أن من الرجال الخمسة الذين تعاطفوا مع المسلمين لإنهاء الحصار ، أسلم هشام بن عمرو العامرى بعد فتح مكة (بعد أكثر من عشر سنين من هذا الحدث) .. وأسلم أيضا زهير بن أبى أمية المخزومى ... أما بقية الخمسة فقد ماتوا على الكفر .. 


هذه سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم ، أضعها بكل تفاصيلها بين أيديكم ، خالصة لوجه الله ، وهي كنز ثمين لا يقدر بثمن ، لمن عرف قدرها .. 


يتبع ...

الأنوار المحمدية 

 صلى الله عليه وسلم

ليست هناك تعليقات:

المتابعون

أرشيف المدونة الإلكترونية