الخميس، 14 سبتمبر 2023

 الحبيب المصطفى  « ٨٩ »

السيرة النبوية العطرة .. 

         (( سدرة المنتهى )) 

___________________________

قبل أن يتقدم النبي صلى الله عليه وسلم .. رأى أربعة أنهار ، تخرج من أصل سدرة المنتهى : نهرين ظاهرين ونهرين باطنين . 

فالظاهران هما : النيل والفرات .. والباطنان : نهران في الجنة ، أحدهما نهر الكوثر .. 

فكان من أجمل ما رأى النّبي صلى الله عليه وسلم ، خلال رحلته المباركة نهر الكوثر .. وهو النّهر الذي اختصّه الله لنبيّه صلى الله عليه وسلم ، وذلك تكريمًا له .. قال تعالى :

《إنا أعطيناك الكوثر* فصلٌِ لربك وانحر* إن شانئك هو الأبتر*》

صدق الله العظيم ،،


فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أنّ النّبي "صلى الله عليه وسلم" قال : ( بينما أنا أسير في الجنّة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدرّ المجوّف ، قلت ما هذا يا جبريل ، قال هذا الكوثر الذي أعطاك ربّك ، فإذا طينه أو طيبه مسك أذفر ) رواه البخاري .. 


ولعل رؤية النيل والفرات ، كانت إشارة إلى تمكن الإسلام فى المستقبل ، من هذين القطرين  اللذان يمران بهما .. 


وقد يسأل سائل : كيف ينبع النيل والفرات من الجنة فى السماء السابعة ، ثم يجريان فى الأرض؟؟..

 عن هذا الموضوع ، قَالَ الإمام النَّوَوِيّ رحمه الله في شرحه : 

 هذا الحديث أَن أصل النيل والفُرات من الجَنَة ، وأنَهما يخرجان من أصل سِدرَة المُنتَهَى ، ثم يسيران حيث شاء الله ، ثم ينزلان إلى الأرض ، ثم يسيران فيها ، ثم يخرجان منها ، وهذا لا يمنعه العقل .. 

وما قاله الإمام النووى ليس بمستغرب ، ذلك لأن قدرة الله يعجز أمامها العقل ..

وقَالَ القرطبي : قيل وإنما أُطلق على هذه الأنهار أنها من الجنة ، تشبيهًا لها بأنهار الجنة ، لما فيها من شدة العذوبة والحُسن والبركة ... والله أعلم ،،

___________________________


وصل النبى صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى ، وأراد أن يتمعن النظر فيها .. فإذا يتغشاها أمر الله والأنوار ،  حتى لم يعد أحد يعرف وصفها ..

سؤال ما معنى لا توصف؟؟..

نسمع عبارة أنه يوجد أشياء لا توصف؟!..


الإنسان كما نعلم {{ روح و جسد }} .. الروح من أمر ربي لا نعلم عنها شيء ، ولكن الذي نعلمه أنها [[ مستودع الأسرار ]] ..

الجسد هو ذلك الجسم الذي يحتوي على القلب والعقل والحواس ، له قدرات محدودة ..

النظر محدود ، والسمع محدود ، والعقل محدود .. ومعنى محدود [[ أي هناك حد لقدرته وعمله ، لا يستطيع تجاوزه ]] ..

أنت تستطيع أن ترى إنسان حتى بٌعد معين ، ولكن إذا ابتعد بالمسافة ، لا تستطيع رؤيته .. 

وكذلك السمع ، تستطيع أن تسمع الأصوات لدرجة محدودة لها حد أدنى وحد أقصى .. وكذلك باقي الحواس ، وكذلك العقل له درجة معينة ومحدودة ، ليفهم الأشياء ويعقلها .. 

العين إذا رأت أى شيء  ، تنقل الصورة للعقل ، والعقل يترجم  الصورة لكلمات ينقلها اللسان 

فيخرج وصف الشيء ، عن طريق اللسان .. 

___________________________

الروح داخل هذا الجسد ترى أشياء ، إذا كانت محررة [[ يعني صاحبها مؤمن يذكر الله كثيرا ، فكلما اقترب الإنسان من ربه تحررت روحه أكثر وأنارت ، فنقول عنده بصيرة ]] ..

الذي تراه الروح ، لا يستطيع استقباله أى عضو في الجسم ، 

 إلا عضو واحد ألا وهو {{ القلب }} .. ولكن بشرط واحد ألا يكون هذا القلب مغلق وعليه قفل .. قال تعالى : 

{{ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها }} ..

وعندما يستقبل القلب من الروح ما رأت ، ينقل بدوره المشهد إلى العقل .. فإذا كان المشهد خارج عن حدود قدرة العقل ، هنا يقف العقل عاجزا عن ترجمة مانقله القلب عن الروح .. 

 

 كمثال : إذا رأى الإنسان رؤيا عن الجنة ، فمن شدة جمال وعظمة ما رأى ، الذى يصل لدرجة الإعجاز (جمال خارق) ، فإنه لا يستطيع وصفها ، فيبقى وصفها عنده شعورا داخليا فى الروح والقلب ، لكنه لا يستطيع ترجمته إلى وصف .. فيقول لا يوصف!!!   

___________________________

قال تعالى {{ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ }} ..

فالقلب يعقل ويبصر ، ولذلك يقال : لا تجادلني فى شيء أراه بقلبي ، وتراه بعينك .. 


أما في الجنة ، فبقدرة الله سبحانه وتعالى ، سيكون عقل أصحاب الجنة من البشر ، كامل القدرة لا يحده شيء ، ليكتمل نعيمهم بما أعده الله لهم ، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت .. 

___________________________

يقول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه :

ثم رفعت إلى سدرة المنتهى .. فلما دنوت منها ، قالوا : كيف هي يا رسول الله؟؟..

قال : فإذا نبقها مثل قلال هجر ، وورقها مثل آذان الفيلة .. 

[[ السدر هو شجر النبق .. وقلال جمع قلة وهى الجرة الكبيرة ، وهَجَر اسم بلدة .. وآذان جمع أذن ]] .. قال : فغشيها من أمر ربي ما غشيها ، ثم عادت نور لا يستطيع أحد أن يصفها .. 

وسميت سدرة المنتهى؛ لأن الأرواح المؤمنة عندما تقبض [[ يموت المؤمن ]] ، وكذلك الشهداء ، تعرج الروح للسماء ، وتفتح لها أبواب السماء ، حتى تنتهي إليها ، وتسجد تحت العرش ، ثم ترد إلى جسدها فى قبر صاحبها للسؤال ، وقيل بعد ذلك تكون فى الجنة طائر ، ويردها الله إلى جسدها إذا شاء .. أما أرواح الكافرين ، فإنها تحبس في الظلام ، وتغلق عنها أبواب السماء ، وتطرح طرحا إلى الأرض فترجع لجسد صاحبها للسؤال ، وقيل بعد ذلك تعذب فى قبرها مع الجسد ، وقيل تستقر بعد ذلك فى النار .. قال تعالى : 

{{  إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ }} ..


وسدرة المنتهى هى شجرة عظيمة فى السماء السابعة ، جذورها فى السماء السادسة ، وعندها جنة المأوى .. وقيل سميت أيضا سدرة المنتهى ، لانتهاء الملائكة والأنبياء إليها ووقوفهم عندها ، فلا يتخطوها إلا لمن شاء الله ..

الحبيب المصطفى  « ٩٠  »

السيرة المحمدية العطرة .. 

(( هل رأى رسول الله ربه ))

___________________________

عند سدرة المنتهى ، وصل جبريل مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحجاب ، وفيه منتهى الخلق .. فاستلمه ملك وتخلف عنه جبريل ، فارتقى به الملك .. 

 يقال حتى تجاوز سبعين ألف حجاب ، ليس فيها حجاب يشبه حجاب ، وبين كل حجاب وحجاب مسيرة خمسمائة سنة ،  وذهب به إلى قرب العرش (( يقول الرسول صلى الله عليه وسلم .. ثم عُرج بى حتى وصلت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام ، وهى صوت أقلام القدرة بيد الملائكة ، تكتب مقادير الخلق )) .. ومنها ترقى حتى وصل إلى منزلة قاب قوسين أو أدنى ، كما قال تعالى : 

(ثم دنا) .. أي دنا محمد إلى ربه تعالى ، أي قرب بالمنزلة والمرتبة لا بالمكان فإنه تعالى منزه عنه ، وإنما هو قرب المنزلة والدرجة والكرامة والرأفة ، (فتدلى) أي سجد لله تعالى ، وفي السجدة أداة القرب من الله ، (فكان قاب قوسين أو أدنى) .. 

ولهذا قال النبى : أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ..

 قال تعالى : 

  {{ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ }} ..

___________________________

هنا أحب أن أوضح حقيقة هامة ، أجمع عليها الغالبية العظمى من العلماء ورواة السيرة ، وأنا شخصيا سمعتها من قبل ، بل وكنت أرددها أيضا وهى :


أنه يقال .. إن التحيات ذكرت في قصة المعراج ، عندما عرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء ، ووصل سدرة المنتهى ، فلما تعداها ودنا من العرش ، سجد الرسول صلى الله عليه وسلم وقال : ( التحيات لله والصلوات والطيبات ، فقال الله جل جلاله : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، فقالت الملائكة أو قال الرسول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .. ثم أكملت الملائكة : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ... إلى آخر التشهد ).. فما حقيقة ذلك؟؟


الجواب : أنه لا يعرف لهذه القصة أصل ولا سند ، ولم نقف لها على أثر في كتب السنة الصحيحة ، وقصة المعراج ثابتة بتفاصيلها في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما ، وليس فيها شيء عن مناسبة ذكر التشهد المعروف في الصلاة ، وكذلك لم يرد شيء عن هذه القصة حين عَلَّمَ النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام هذا التشهد ..

فقد روى الشيخان : البخاري  ومسلم  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : ( كُنَّا نَقُولُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ :

إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ ، فَإِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ : التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ..


أما حقيقة ما جاء عن العلماء ورواة السيرة ، عن هذا الموضوع هو : أن الرسول عليه الصلاة والسلام ، عندما ارتقى به الملك ( الذى استلمه من جبريل ) ، حتى دنا من العرش .. كان يجب عليه أن يتوجه بالتحية لرب العزة .. فأنطقه الله التحيات ، فقال عليه الصلاة والسلام : [[ التحيات المباركات والصلوات الطيبات لله ]] ، ثم فرض الله على النبى وأمته خمسين صلاة كل يوم وليلة ... لكن لم يحدث هذا الحوار ، الذى يذكره البعض عن أصل نص التشهد ، الذى يأتى فى وسط ونهاية الصلوات .. 

___________________________

وهنا سأتوقف ، عن سرد ما جاء في الروايات عن السلف الصالح ؛ لأننا في  زمن كثر فيه الجدال ، لأتحدث عن موضوع آخر فى منتهى الأمية وهو : 


السؤال الذي يدور في أذهان الكثير من الناس .. هل رأى رسول الله ربه حين عرج به إلى السماء؟!.

جاء في نص صحيح البخاري عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، أنها عندما سُئلت عن ذلك قالت : 

من حدثك أن محمد قد رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله ، ثم تلت قوله تعالى : {{ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير }} ..


وهناك أقوال أخرى تخص هذا الموضوع ، سأذكرها على سبيل الذكر فقط ، وليس للأخذ بها ..


١ - في مذهب  ابن عباس رضي الله عنه (وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ، وحبر الأمة وفقيهها ، وإمام التفسير وترجمان القرآن) .. يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم ، قد رأى ربه ..

٢ - الإمام الحسن البصري عندما سأله أحد تلاميذه هل رأى رسول الله ربه؟!

فقال له : رآه ، رآه ، رآه ، حتى انقطع نفسه ..


هذا الاختلاف فى الأقوال ، كيف يفسر؟؟.. وللعلم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصرح بذلك .. 

حتى حديث {{ السيدة عائشة }} موقوف لم ترفعه إلى النبي ..


فى رأيى أنه لا يوجد اختلاف فى الأقوال ، ولكن الاختلاف في {{ الفهم }} ..

السيدة عائشة تقول : من قال أن محمد رأى ربه فقد أعظم الفرية  على الله .. والمقصود بقولها {{ رؤيا العين الطبيعية }} ..

وابن عباس رضي الله عنه ، قال ... رآه ، ولكن ليس رؤية المثل بالمثل والإحاطة ، رآه بعين قلبه وبصيرته .. 

بدليل قوله تعالى : {{ فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }} ..

نقول : رأى الله كما يريد الله .. 

___________________________

والرؤية ليست مستحيلة ، ولو كانت مستحيلة ما ذكرها الله .. قال تعالى : {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } 


هذه الرؤية ليست فى الدنيا ، ولكن موعدها في الآخرة ، فسوف يرى النبي صلى الله عليه وسلم الله فى الآخرة ، وكذلك المؤمنون سيرونه يوم الحساب ..  وسيرى أهل الجنة الله ، بإجماع أهل السنة والجماعة ، بحيث يرونه رؤية ثابتة واضحة بيقين لا شبهة فيها ، ووضوحها ويقينها كرؤية الشمس والقمر .. وهذه الرؤية خاصة بأهل الإيمان ، أما الكُفار فهم محجوبون عن رؤية الله -تعالى- بنص القرآن الكريم ..

ويوضح لنا النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، قال : 

{{ إنكم سترون ربكم يوم القيامة ، كرؤيتكم هذا البدر لا تضامون فيه }} أي لا تزدحمون عليه ، ولكن كيف؟!. 

الله أعلم ، كما يريد الله سبحانه وتعالى .

ليست هناك تعليقات:

المتابعون

أرشيف المدونة الإلكترونية