الثلاثاء، 10 مايو 2011

أنقذوا الليبرالية من الليبراليين


محمد حافظ   |  11-05-2011 01:22

كم هو مبهم وغامض مصطلح الليبرالية على عكس ما يبدو؟

إن تعريف كلمة الليبرالية حسب الموسوعة ويكيبيديا : "اشتٌقت كلمة ليبرالية من ليبر liber وهي كلمة لاتينية تعني الحر. فالليبرالية تعني التحرر. وفي أحيان كثيرة تعني التحرر المطلق من كل القيود مما يجعلها مجالا للفوضى. الليبرالية حاليا مذهب أو حركة وعي اجتماعي سياسي داخل المجتمع"

فيدل التعريف السابق على أن الليبرالية مرادفة ًللحرية الشاملة والتى قد تؤدى إلى الفوضى إذا لم يتم وضع تلك الحرية فى إطار مناسب للبيئة المراد تطبيق فيها الليبرالية، ولذلك نبعت مدارس فكرية كثيرة تتناول فكرة الليبرالية وتحويلها من ليبرالية مطلقة تؤدى إلى الفوضى إلى ليبرالية منتجة وكذلك تبحث فى كيفية تطبيقها بحيث لا تنتج مجتمعاً فوضوياً ليس له مرجعية أو هوية.

ومن أمثلة المدارس الفكرية التى تدور فى فلك الليبرالية:

الليبرالية الكلاسيكية - الليبرالية الموضوعية - الليبرالية المحافظة، الليبرالية الثقافية، الليبرالية الخضراء

المحافظة الليبرالية، ليبرتارية، السوق الليبرالية - الليبرالية القومية، النيو ليبرالية - الاردو ليبرالية ، الباليو ليبرالية - الليبرالية الاشتراكية.

ونأتى إلى نقطة أخرى وهى علاقة الليبرالية بالعَلمانية حيث نجد فى تعريف هذه العلاقة فى نفس الموسوعة ويكيبيديا : " كذلك فإن العلمانية بمعناها الضيق ليست الا جزءا من معنى الليبرالية فهي تفصل الدين فقط عن الدولة وهذا لا يكفي لضمان حرية وحقوق الأفراد بينما تفصل الليبرالية جميع المعتقدات الشمولية عن الدولة سواء كانت دينية أو غير دينية"، فى حين نجد تعريف الدكتورعبد الوهاب المسيرى للعَلمانية الشاملة : " وهي رؤية شاملة للكون بكل مستوياته ومجالاته، لا تفصل الدين عن الدولة وعن بعض جوانب الحياة العامة وحسب، وإنما تفصل كل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن كل جوانب الحياة العامة في بادئ الأمر، ثم عن كل جوانب الحياة الخاصة في نهايته، إلى أن يتم نزع القداسة تماماً عن العالم، بحيث يتحول العالم (الإنسان والطبيعة) إلى مادة استعمالية. وهي رؤية شاملة، لأنها تشمل كلاً من الحياة العامة والخاصة، بحيث تتساوى كل الظواهر الإنسانية والطبيعية وتصبح كل الأمور مادية"، وهذا يقود مباشرة إلى الإستنتاج بأن الليبرالية المطلقة هى العَلمانية التى لا تؤدى فقط إلى سلب هوية المجتمع الدينية والأخلاقية بل إنها تنتج مجتمعاً بلا أى مرجعية أو خصوصية حقيقية.

ثم نأتى إلى نقطة شائكة أخرى ألا وهى تقاطع الليبرالية مع الديمقراطية بحيث وجدت ثلاث تركيبات مختلفة من تفاعل الليبرالية مع الديمقراطية فهناك أولاً ما يسمى الأوتوقراطية الليبرالية وهي نظام حكم غير ديمقراطي تكون فيه السلطة بيد شخص واحد غير منتخب لكنها تحترم حقوق وحريات أفراد الشعب كونها تتبع مبادئ الليبرالية. ومثال ذلك هونغ كونغ عندما كانت تحت الحكم الإنجليز.

وثانياً وجد ما يسمى الديمقراطية اللاليبرالية و هي نظام حكم تصل فيه الحكومة عن طريق الانتخابات لكن أفراد الشعب لا يحصلون على حقوقهم بسبب غياب دستور في الدولة أو هيكل دستوري قانوني مناسب للحفاظ على الحريات المدنية كما في الديمقراطيات الليبرالية. وتعد سنغافورة مثالاً على الديمقراطية اللاليبرالية. وقد عرف مصطلح "الديمقراطية اللاليبرالية" من خلال استخدام الكاتب الأمريكي فريد زكريا له.

أما الشكل الثالث فهو الديمقراطية الليبرالية وهو يشير إلى فكرالليبرالية السياسية فقط دون فرض الليبرالية على باقى مكونات المجتمع بحيث تؤدى إلى تفكيك هويته وخصوصيته، ومن سمات هذا النوع من الديمقراطية وجود حماية لحقوق الأفراد والأقليات من سلطة الحكومة إذ يكتسب الفرد أهمية خاصة في الليبرالية وتتم حماية حقوق الأفراد في الديمقراطية الليبرالية بتضمينها في الدستور ولذلك تسمى أيضا بالديمقراطية الدستورية. ومن أمثلة الأحزاب المطبقة لهذا أحزاب المحافظين وأحزاب الديمقراطية المسيحية والأحزاب الديمقراطية الاشتراكية

بعد هذه المقدمة التفصيلية الواجبة فى التعرف على الجوانب المهمة فى الليبرالية ومحاوله إماطة اللثام عن بعض إبهاماتها الفكرية وكيفية تطبيقاتها، نأتى إلى التعرف على الحالة الليبرالية المصرية والتى هى حديث عهد بالسياسة ونتعرف على المكونات التى إختارها من يدعون أنفسهم بالليبراليين ونحاول مطابقة تلك الإختيارات على مواضيع الليبرالية عامة، وسنأخذ حزب المصريين الأحرار- تحت التأسيس – نموذجاً لتلك الدراسة؛ فنجد أنه تم التأكيد على الديمقراطية والحرية السياسية والمساواة بين المواطنين وكذلك التأكيد على مدنية الدولة وإستقلال القضاء فى مبادئ الحزب الرئيسية.

بعد هذا الإستعراض لمبادئ عامة لا نجد فيها أى ذكر لمرجعية الدولة المقترحة وما أشير له بهذا الصدد هو هوية مبهمة عبارة عن ما يسمى هوية مصرية ليس لها تعريف واضح الملامح، ودون الإشارة إلى أى من الأديان أوالأخلاق كمرجعية كما لو تم إسقاطها عمداً كما جاء فى نص البند الرابع من هذه المبادئ وهو : " الإيمان بأن مصر دولة يجب أن تدار بطريقة مدنية تحافظ على حرية المواطنين في ممارسة شعائرهم الدينية وتحافظ على هويتها المصرية ومكتسباتها من القيم والعادات والتقاليد"، وبالتالى فإن هذا الإسقاط العمدى للمرجعية الدينية والأخلاقية أو بمعنى أخر هو فصل الدين والأخلاق عن الحياة العامة وبالكلية والذهاب إلى مرحلة الليبرالية المطلقة والتى هى تعبر فى ذات الوقت عن العَلمانية الشاملة فى أسوأ صورها كما تبين من قبل فى تعريف الدكتورعبد الوهاب المسيرى .

وحتى عند الإشارة إلى القيم والعادات والتقاليد أشير إليها كمكتسبات لتلك الهوية وليست كمرجعية لتلك الهوية المبهمة، مما ساعد على غموض ملامح تلك الهوية وعدم معرفة تفصيلاتها، ولا يأتى أى ذكر أخرلإى مرجعية لا فى المبادئ الأساسية للحزب أو فى أهدافه مما يؤكد فكرة الإسقاط العمدى لها وفصلها بالكلية عن المجال الحيوى للحزب.

لم يكن من اللائق إسقاط مثل تلك المرجعية و القبول بالليبرالية المطلقة والتى يعانى منها الغرب فى الوقت الحاضر والتى أدت إلى فقدانه القدرة على إجابة الأسئلة الرئيسية للإنسان فى هذه الحياة (لماذا خُلقت؟ ولإى هدف؟ وماذا يُراد منى؟)، مما أدى إلى ضياعه الروحى ودورانه فى فلك المادية المتوحشة، أضف إلى ذلك التفسخ الأخلاقى الرهيب والذى لا محالة سيؤدى فى النهاية إلى الإنهيار.

لقد كان من الأفضل لإصحاب فكرة الحزب أن يتخذوا الليبرالية الديمقراطية منهاجاً لهم كما ذكرناها من قبل ومن أمثلتها المشهورة أحزاب الديمقراطية المسيحية، والتى كما يتبين من إسمها أنها تأخذ المسيحية كهوية لها؛ وفيها يتم الإلتزام فى حزب المصريين الأحرار بمرجعية واضحة أصيلة تنبع من الواقع المصرى المتدين وتعمل تلك المرجعية على وضع الدين والأخلاق فى مركزحياة المواطنين بديلاً عن وضع المادية فى ذات المركز فى التوصيف الحالى للحزب. وبهذا يطبق الحزب الليبرالية المناسبة للحالة المصرية ويضمن أنصاراً حقيقيين يعوا ويفهموا الليبرالية الديمقراطية فهماً يثرى الحياة السياسية فى مصر، وإلا فإن هؤلاء الأنصارسينفضون حال إكتشافهم أن الليبرالية التى ينادى بها الحزب ما هى إلا العَلمانية البغيضة والمكروهه من أطياف الشعب المصرى كله.

المتابعون

أرشيف المدونة الإلكترونية