الخميس، 14 سبتمبر 2023

 الحبيب المصطفى  «  ٨٣  »

السيرة المحمدية العطرة 

( سماع الجن للقرآن ).


رجع صلى الله عليه وسلم من الطائف متجها إلى مكة ، ولم يلق من أهل الطائف أي خير ، ولكنه لقي من الله كل الخير ... وهو مازال بطريق الرجوع إلى مكة ، 

وصل إلى مكان يقال عنه :

{بطن نخلة} أو {وادى نخلة} ، وهو قريب من مكة ، (على مسافة ٤٣ كيلو مترًا) ..  جلس هناك يتدبر أمره .. كيف يدخل مكة الآن؟؟..

كما ذكرنا من قبل ، أرسل سادة ثقيف رجل على فرس ، ليخبر قريش أن محمدا جاء إليهم للطائف كى يستنصر بهم ؟

 [[ وفي عُرف العرب هو ذهب يستنصر ثقيف على قريش .. فأصبح الآن في نظر قريش عدو وهو في حكم المحارب ] .

___________________________

جلس يتدبر أمره فهداه الله ، فأرسل زيد بن حارثة إلى رجل اسمه {{ عبدالله بن أريقط}}

يعمل [[خادم عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه ]] ..

فجاء عبدالله إلى النبي صلى الله عليه وسلم عند وادى نخلة ، 

فطلب منه النبي أن يذهب إلى المُطعَم بن عدي ، [[ هذا الاسم مر علينا ، هو أحد الرجال الخمسة الذين قاموا بنقض الصحيفة ، وكانوا سببا فى إنهاء حصار شعب أبى طالب ]] .. وهو أيضا ابن عمومة النبي ، يلتقي به عند جده عبد مناف [[ يعني يوجد بينهم صلة بالدم ]] ..

لكنه وقف مع قريش زمن الحصار ضد أبناء عمه ، وهو سيد قومه .. أرسل إليه عبد الله يبلغه : أن محمد بن عبد المطلب يريد أن يدخل مكة في جوارك ، على أن تجيره حتى لا تعتدي عليه قريش ..

___________________________

ممكن البعض يسأل : نحن المؤمنين تعلمنا التوكل على الله ، كيف يحدث أن يدخل نبينا إلى مكة بجوار مشرك ، ولم يتوكل على الله ليحميه ؟؟.. 

الجواب ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشرّع وقدوة حسنة لجميع المسلمين ، أعمالهُ تشريع فهو المصدر الثاني بعد كتاب الله ..

 المصدر الأول فى التشريع : القرآن ..

والمصدر الثاني : السنة بمراتبها الثلاثة 

١ - قول الرسول صلى الله عليه وسلم .. 

٢ - فعله .. 

٣ - إقراره ..

 [[ الإقرار هو سكوته عن شيء ، مثل قصيدة عمه أبي طالب لقريش يوم الحصار ، لو كان في شعر أبي طالب كذب أو افتراء ، لما سكت النبي صلى الله عليه وسلم ]] ..


كما يجب ألا ننسى أن أى فعل يقدم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ، يكون بوحى من السماء (( إن هو إلا وحى يوحى )) .. هذا بالإضافة للقاعدة الشرعية المعروفة : (( الضرورات تبيح المحظورات )) ..

__________________________

فمع يقينه الكامل صلى الله عليه وسلم ، بنصر الله عز وجل ، فإنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم حرص على الأخذ بالأسباب قدر ما يستطيع ، فدخول مكة دون حمايةٍ يعني القتل بشكلٍ مباشر ، ومن ثَمَّ فلا بُدَّ من البحث عن وسيلةٍ لتأمين هذه الحماية ، وليس في هذا تعارضٌ مع اليقين في نصر الله ، بل هذا من أسباب نزول هذا النصر وتحقيقه ، وكلَّما بذل العبد جهدًا أكبر كانت فرصة نصره وتأييده أعظم وأقرب ..

ماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟؟!!

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم واقعيًّا لأبعد درجة ، فقرَّر أن يدخل في إجارة رجلٍ من أهل مكة ، وقانون الإجارة قانونٌ محترمٌ في مكة ، نعم يقوم على تطبيقه مشركون ، لكنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعامل بقوانين المجتمع المشرك ما دامت لا تتعارض مع شرع الله عز وجل ، وما دام لا يُقَدِّم تنازلًا من دينه أو عقيدته في نظير الاستفادة من هذا القانون ، وهو درسٌ في غاية الأهميَّة لكل مسلم كى يحذو حذوه ...

___________________________

عندما قام عبد الله بإبلاغ  المطعم بن عدي ، رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام ..

قال المطعم لعبد الله : قل لمحمد فليأتي ، فقد قبلت أن يدخل إلى جواري .. 

[[ لما أرسل النبى زيد بن حارثة إلى عبد الله ، وأثناء غيابه ، قام صلى الله عليه وسلم يصلي وهو ما زال فى وادى نخلة ، فاستمع نفر من الجن إلى القرآن ... سوف نؤجل الحديث في هذا الموضوع ، إلى ما بعد دخول الرسول إلى مكة ]] .. 


مضى النبي ودخل دار المطعم بن عدي ، فإستقبله وأكرم ضيافته ، ولما أشرقت الشمس ، أخذ المطعم بن عدي سيفه ، وقال لأولاده الستة احملوا سلاحكم .. 

وقال له : قم يا محمد .. 

فتقدم المطعم وجعل اثنين من أولاده عن يمين النبي ، واثنين عن يساره ، واثنين خلفه ، حتى وصل الكعبة .. فنظرت قريش إلى المطعم سيد نوفل ، وهو يحيط هو وأولاده بمحمد ، فجن جنونهم ، واعتقدوا أنه قد دخل في دين محمد ، فأمر أولاده أن يحيطوا المطاف .. 

وطاف صلى الله عليه وسلم بالكعبة ، فقام أبو سفيان بكل هدوء إلى المطعم وقال : 

يا مطعم أمُجير أم تابع ؟؟

 قال : بل مُجير .. 

قال أبو سفيان : نعم قد أجرنا من أجرت ، ولما أتم النبي الطواف ذهب إلى داره ، وعلمت قريش أن المطعم قد أجار محمد .. ومن اقترب من محمد يريد أن يؤذيه ، فقد أعلنها حرب على عبد مناف كلهم ..

[[ نتقدم قليلا بالسيرة لنأخذ العبرة والمثل ]] ..

ظل صلى الله عليه وسلم حافظاً لجميل المطعم بن عدي ، وموقفه معه ، حتى بعد موته على الكفر  قبل غزوة بدر بسبعة أشهر ، فقد مات المطعم على شركه  .. فلما أسر المسلمون في غزوة بدر سبعين من المشركين ،

 قال صلى الله عليه وسلم {{ لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني (طلب الشفاعة) في هؤلاء لتركتهم له }} .. 

حتى {{ أبا البختري بن هشام }} .. هل تذكرونه [[ الذي ذكرت لكم قصته يوم نقض الصحيفة ، كان أحد الرجال الخمسة .. ومن قبلها ضرب أبو جهل بعظمة البعير وشج رأسه ، حينما حاول منع حكيم من إدخال الطعام للمحاصرين ، وقال له ما رأيت في العرب رجل لئيم مثلك ]] ..

كان أبو البختري لا يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم في مكة أبدا ، مع انه مشرك .. 

في معركة بدر ، وكان البختري في صف المشركين .. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ، 

{{من لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله }} ..

هذه أخلاق نبينا صلى الله عليه وسلم ، يحفظ الجميل .. 

____________________________________________________________

نرجع إلى وادى نخلة ..

 قبل دخول النبي إلى مكة ، لما أرسل زيد بن حارثة إلى عبد الله ليستدعيه ، جلس صلى الله عليه وسلم ليستريح ، وراحة النبى ليست فى النوم أو الاسترخاء ،  ولكنها فى الصلاة وقراءة القرآن (طبعا الصلاة الإبراهيمية ، وقيل أنها كانت ركعتان فى الصباح وركعتان فى المساء .. فلم تكن الصلاة كما نصليها الآن قد فرضت بعد) ... فوقف صلى الله عليه وسلم يصلي ، ويقرأ القرآن وهو محزون ، وكان يظن أنه وحيدا فى هذا المكان ، وهذا صحيح بالنسبة للإنس ، لكنه ليس صحيحا بالنسبة للجن .. 

__________________________________________________________________

تجلى الله عليه وأراد أن يجبر قلبه .. [[ المعنى : إذا كانت الطائف قد رفضت دعوتك يا رسول الله ، سأصرف إليك نفر من الجن ليدخلوا في هذا الدين ]] ..

صدر الأمر الإلهى ، أن يسوق الله إلى وادى نخلة ، أمراء من الجن من نينوى ، بلد في العراق ، بلد نبي الله يونس بن متى ..  ذكرناها من قبل [[ بلد عداس ]] .. وقيل من بلد تسمى نصيبين عند تركيا ..

ساقهم الله إلى وادى نخلة ، فلما استمعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يقرأ القرآن في صلاته ، وكان عددهم سبعة وقيل تسعة .. 

تعجبوا من القرآن ورونقه وجماله ، وقالوا لبعضهم : أنصتوا لنسمع .. ثم قالوا : والله إنه ليس بقول جن ولا بشر ، فأنطق الله شجرة ، كانت بجانب النبي صلى الله عليه وسلم ، أن في المكان أمراء من الجن من نينوى ، يستمعون إليك وأنت تقرأ القرآن .. فقال أميرهم وإسمه {{ زوبعة }} : سأذهب وأسأل هذا الرجل .. إبقوا مكانكم كي لا نُفزع الرجل ، [[ حتى لا يخاف ]] .. فتشكل على صورة آدمي ، ثم تقدم للنبي صلى الله عليه وسلم ...


يتبع ...

الأنوار المحمدية 

 صلى الله عليه وسلم

ماهى ( ليله الجن) كما ورد ذكرها فى القرآن الكريم  ؟ 


‏في إحدى الليالي جاء أحد الجانّ للنبي عليه الصلاة والسلام يريد أن يدعوه إلى أعالي جبال مكة لملاقاة قومه من الجنّ ، فوافق النبي وخرج معه أحد الصحابة في ليلة عظيمة سميت بـ : 

( ليلة الجن ) 


فماذا حدث في هذا الليلة بالتفصيل ؟ 


‏في سورة الجنّ شرح الله سبحانه وتعالى لنا قصة إسلام الجانّ :

كان الجنّ قديماً تصلهم أخبار السماء ، فكانوا يتسلقون فوق بعضهم البعض حتى يصلون إلى السماء السابعة ، فيسمعون الأخبار ويعلمون بعض الأمور ، فيأتوا للكهنة والسحرة من البشر ويعطوهم هذه الأخبار .


‏لكن بعد أن بعث الله النبي عليه الصلاة والسلام للعالمين بشيراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله باسمه وسراجاً منيراً ، ونزل عليه الوحي ، انقطعت أخبار السماء تماماً عن هذه المخلوقات النارية ، فجُنَ جنون إبليس وأعوانه ، وانتشروا بكل أقطار الأرض باحثين عن سبب انقطاع الأخبار عنهم فجأةً ؟!!!


‏حتى وصل نفراً منهم إلى سوق عكاظ ، وشاهدوا النبي وهو يصلي وخلفه أصحابه وهو يجهر بالقرآن ، لينير بهذا القرآن قلوب مخلوقات خلقها الله من أشد منطقة بالنار ..

﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾


فلما سمعوا القرآن آمنوا به وذهبوا إلى قومهم يقولون لهم : 

﴿ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيم ﴾


‏وكان هؤلاء الجن هم ( جنّ نصيبين )

هؤلاء الذين أسلموا بعد سماعهم للقرآن ، ويعتبرون من صحابة رسول الله من الجنّ .


وبعد أن أسلموا كانوا بحاجة أن يتعلموا الدين على أكمل وجه ، فأمر الله نبيه أن يقرأ عليهم القرآن ويعلمهم ويلاقيهم في أعالي جبال مكة .


‏وعندما جاء اليوم الموعود أتاه أحد الجنّ ليخبره بأن قومه بانتظاره ، فقام النبي عليه الصلاة والسلام وقال لأصحابه : 

" إني قد أُمرت أن أقرأ على إخوانكم من الجنّ ، فليقم معي رجل منكم ، ولا يقم رجل في قلبه مثقال حبة خردل من كِبرْ "


‏فقام معه الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود ، فانطلق معه والخوف كان يملأ قلب ابن مسعود ، كونه سيرى أمر لم يرَ أحد مثله من قبل !!!

‏فوصلوا إلى أعالي جبال مكة ..

واختلف الرواة فمنهم من قال : أن اللقاء كان بالحجون

ومنهم من قال : بأن اللقاء كان بأعلى جبل حراء

لكن المتفق عليه أنها بأعالي الجبال

والجبال بشكل عام من الأماكن التي تسكنها الجنّ وتفضلها ، بالإضافة إلى الصحاري والمناطق الخالية من البشر .


‏وعندما وصلوا هناك خطَّ النبي عليه الصلاة والسلام خطاً لعبد الله ابن مسعود وقال له : " لا تخرج منه أبداً فإنك إن خرجت هلكت "


بمعنى أنه النبي رسم خط بالأرض حتى لا يتجاوزه عبدالله بن مسعود مهما حصل وقال له : (لا تخرج منه، فإنك إن خرجت لم ترني ولم أرك إلى يوم القيامة)


‏ثم انطلق النبي عليه الصلاة والسلام للجانّ ، فشاهد إبن مسعود مشهداً مهيباً

يقول : غشي النبي عليه الصلاة والسلام أسودة عظيمة ( بمعنى ظلام مخيف ) ، واختفى من أمامه حتى لم يعد يرى منه شيء ولا يسمع منه شيء ، فخاف ابن مسعود على النبي لكنه سمع صوت عصا النبي وهي تضرب الأرض والنبي يقول لهم : إجلسوا.


‏ابن مسعود يقول رأيت رجالًا سود مستثفري ثياباً بيض ( بمعنى رجالًا بشرتهم سوداء وعليهم ثياباً بيضاء ) 

ويمشون ويقرعون الدفوف كما تقرع النسوة ، وكان يرى كائنات تشبه النسور تهوي وتمشي مع قرع الدفوف ، ومع مرور الوقت بدأ يشاهد ابن مسعود الجنّ وهم يتطايرون !!


‏يقول : طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين ، حتى بقي منهم رهطٌ ( بمعنى بقي منهم عدد أقل من العشرة ) ، فلصقوا بالأرض ، حتى لم يعد يراهم ابن مسعود أبداً ..


واستمر النبي عليه الصلاة والسلام عندهم يعلمهم الدين ويقرأ عليهم القرآن ، وينهاهم عن المنكرات ، واستمر يفعل ذلك حتى الفجر !!


‏فصلى بهم النبي عليه الصلاة والسلام الفجر ، وبعد أن انتهى من الصلاة جاء له رجلان من الجنّ يسألان النبي عن المتاع ؟

فأمر لهما بالروث والعظم طعاماً ولحماً ، والبعر طعاماً لدوابهم ، ونهى النبيُّ أن يُستنجى بعظمٍ أو روثة ، لأنه طعام الجنّ ( العظم والروث ، والبعر لدوابهم ) 

ومن هذا الحديث عرفنا أن للجن دواب كما للبشر دواب والله أعلم عن أشكالها وهيأتها !!


‏ابن مسعود كان يصف هذه الليلة ويقول أنها من أرعب الليالي التي مرَّ بها في حياته كلها ، لدرجة أنه ظل واقفاً في مكانه ولم يجلس طوال الليل ، خوفاً من أن يجلس فيتجاوز الخط سهواً فتتخطفه الجنّ ويختفي إلى قيام الساعة !!

كون الخط الذي رسمه النبي ليس مسموح لأي إنسي أن يتجاوزه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلّم .


‏ثم ذهب هؤلاء الرهط لقومهم ونشروا الإسلام بين الجان أجمع ، ومن يومها أصبح الجانُّ مقسومين بين مسلم وكافر .


وحسب الروايات فإن النبي عليه الصلاة والسلام شاهد الجنّ على هيأتهم الحقيقية التي خلقهم بها الله

أما ابن مسعود فمختلف ، والأرجح انه لم يشاهدهم على هيأتهم الحقيقية .

هذا والله اعلى واعلم

الحبيب المصطفى  «  ٨٤  »

السيرة المحمدية العطرة

 (مبايعة الجن للنبي صلى الله عليه وسلم )

___________________________

تشكل زوبعة بشكل آدمي ، ثم تقدم للنبي صلى الله عليه وسلم  فسلم عليه ، وقال : 

سمعتك تقرأ كلاما ، لا هو من كلام الجن ولا الإنس ، وأنا أمير من الجن ومعي إخوتي وقفوا بعيدا ، كي لا يفزعوك ( قيل أنه كان عددهم ٧ وقيل٩ ) ..

فقال له صلى الله عليه وسلم : ادعوهم فليأتوا .. فلما حضروا ، وسلموا على الرسول ، دعاهم صلى الله عليه وسلم إلى الله ..

فأسلموا ووعدوا الرسول ، بأن يخبروا قومهم ، ويحضروهم إليه ، كي يبايعوه على الإسلام ، ثم انطلقوا إلى أهلهم ..


قال تعالى فى سورة الأحقاف :

{{ وإذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا ۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ  *  قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ  *  يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءُ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }} 

صدق الله العظيم ،،


 وفي سورة الجن قال الله تعالى : {{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدا }} صدق الله العظيم ،،

___________________________

في اليوم التالي ، وبعد دخوله إلى مكة برفقة المطعم بن عدى ، وبعد رجوعه إلى بيته ... كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ، فجاءه {{ زوبعة }} أمير الجن الذين بايعوه ، واستأذن النبي بالدخول ، ودخل على هيئة آدمي ، وقال : 

يا رسول الله .. إنا دعونا قومنا كما أمرت واستجابوا لله ورسوله ، وها هم قد قدموا جميعا إليك من نينوى ( وقيل من نصيبين وهى بلد بعيدة عند تركيا ) ، يريدون مبايعتك ، كل قبائل العراق من الجن حضرت .. فقال له صلى الله عليه وسلم : أين هم ؟؟.. 

قال : تركناهم عند جبل الحجون ، [[ أهل مكة يعرفون هذا الجبل .. وفيه مقبرة مكة ، مقبرة الحجون ]] ..


 قال له صلى الله عليه وسلم : أمكثوا في الحجون ، وأنا سآتى إليكم .. 

[[ تخيلوا قبيلة من الجن .. جن العراق كلهم ، أو العراق وتركيا ، لو دخلوا مكة لهجت قريش كلها ]] ..

___________________________

فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحجون ..

[[ وفي هذه القصة روايتان : الأولى أن هذه الليلة خرج وحده وكان عددهم يقارب الألف .. والثانية كان لهم عودة وكان عددهم عشرون ألف ، وخرج معه عبدالله بن مسعود .. وسنأخذ برواية عبد الله بن مسعود ، لأنه قد أخرجها مسلم في صحيحه ]] 

قال ابن مسعود : خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا اقتربنا من الحجون ، 

فخط لي رسول الله برجله ، خط في الأرض وقال : 

اجلس هنا ولا تتجاوزه [[ أي لا تتحرك من هذا المكان لأن عالم الجن غير عالم الإنس ]] ..

ولا تحدثنّ شيئا حتى آتيك لا يروعنك [[ أي لا تقوم بعمل أي شيء حتى أرجع إليك ، حتى لا يخوفنك وترى منهم اشياء لا تستطيع أن تتحملها ]] .

وتقدم صلى الله عليه وسلم إليهم ، فاستقبله رؤساء الجن ، وأخذ يصافحهم وجلس إليهم ..

يقول ابن مسعود وهو يصف المنظر للصحابة ، قال : ثم جاءت أفواجهم كأنها سحاب ، قال كأنهم الزط [[ الزط أي ليس عليهم ثياب ، وقيل مخلوقات سود وطوال القامة ]] .. حتى اقتربوا من رسول الله ، فحجبوه عني وازدحموا عنده ، فلم أعد أراه .. قال تعالى : 

{{ وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبداً }} .. (لبدا أى كادوا يكونون على محمد جماعات بعضها فوق بعض) .. ازدحمُوا على رسول الله ليسمعوا منه .. 

يقول ابن مسعود : 

وأمضى الليل كله معهم حتى الفجر ، وسمعته يقرأ عليهم القرآن .. وأنا لا أرى إلا سواد ، فوقه سواد ، فوقه سواد ، حتى حجبوا ما بيني وبين رسول الله إلى السماء .. 

___________________________

فلما كان الفجر سمعت لهم أزيز وأصوات ، وأخذوا ينقشعون كأنهم سحابة تتلوها سحابة .. 

وبايعوا الرسول على الإسلام ، وسلم عليه أمراء الجن وودعوه ، ووقف الأمير عمرو .. 

[[ عمرو هو أمير من الجن ، سأذكر قصته لاحقا ]] ..

وقف الأمير عمرو ممسكاً بيد النبي صلى الله عليه وسلم ، لا يريد أن يفارقه ..

[[  وكأن عمرو  تعلق بمحبته صلى الله عليه وسلم ، وكان عمره {{ ٨٠٠ سنة }} .. الجن تعيش أطول من الإنس ]] ..

فقال له صلى الله عليه وسلم : اذهب يا عمرو فإن الله سَيَمدّ في عمرك ، وتموت في أرض فلاة [[ أى تموت بالصحراء ]] ، ويدفنك خير رجل في أمتي آنذاك ..

___________________________

يقول ابن مسعود : حتى إذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ، سمعته يحدث أقوام لا أراهم .. 

يقول لهم : لكم كل عظم وروث ، 

فلما تقدم مني رسول الله مددت يدي كي أصافحه ، فمد يده فوجدت يده حارة جداً [[ تماما مثلما تضع يدك على شيء حار  ، يلسع إيدك ، فتسحبها بسرعة ]] ..

فقلت بأبي وأمي أنت يارسول الله ، ما هذا ؟!! 

قال : من مصافحتى إخوانك من الجن ، فإنهم مخلوقون من نار .. {{ وخلق الجان من مارج من نار }} ..

___________________________

فقال ابن مسعود : يارسول الله .. سمعت أزيز ، وسمعت أصوات ، 

 قال له صلى الله عليه وسلم :  أما تلك الأصوات فسلامهم عليّ ، وهم يودعوني مرتحلين إلى بلادهم .. قال : سمعتك تقول لهم ، ولكم كل عظم وروث ..

فقال له : أخبرتهم بعد إسلامهم ، أنه لا يحل لهم أن يعتدوا على طعام مسلم فيأكلوا منه .. فقالوا يا رسول الله ، يضيق بنا الرزق .. [[ يعني يصير صعب علينا نلاقي أكل ]] .. فقلت لهم : لكم كل عظم وروث ، أما كل عظم ، فلكم أن تجدوه مكسو لحم كما كان .. [[ نحن نرمي العظام بعد الأكل وعالم الجن لا نراه ، ولا نرى ما يأكلون ، أما في عالمهم هذا العظم يكسوه الله لحما ، كى يأكله إخواننا من الجن .. وكل روث تعود علف لدوابهم ، والروث هنا لا يقصد به غائط الحيوان ذو الحافر ، ولكن بقايا النخالة ، وقشر الخضار والفواكه الذى نلقى به فى القمامة ، وكمثال قشر البطيخ ، يجعلها الله في عالمهم طعاما لدوابهم ]] ..

وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم بتشريع بعد ذلك ..

 قال صلى الله عليه وسلم {{ إذا قضى أحدكم حاجته ، فلا تستنجوا بعظم ولا روث فإنه طعام إخوانكم من الجن }} .. أى لا نلوثه ، ونتركه على نظافة ..

___________________________

حذارى من التعامل مع أى مشعوذ دجال .. هؤلاء القوم من الجن هم قبائل ، ولو أراد الرسول أن يستعين بالجن على قريش ، لهجت قريش كلها كبيرها وصغيرها ، جني واحد يدخل حي يدمر عيشتهم كلها ..

 الجن عالم مخلوقين من نار ، ونحن مخلوقين من ماء وطين ، عالمين مختلفين ..

المشعوذ الذي يقول لكم معي جني مسلم ، أو تعالى أفتحلك المندل ، واعملك حجاب .. ما هم بفتاحين ولا فتح الله عليهم ، ولا فتح على كل جني يتعامل معهم .. الجن المسلم ملتزم لا يتدخل ولا يتعامل مع الإنس ، [[ لا يتعامل مع الجن إلا إنسان شيطان مثلهم ]] .. أنا لا أنكر المس ، فقد ذكره الله في كتابه الكريم عن آكل الربا .. قال تعالى :


{{ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ }} ..

ومن ينكر المس ، اقول له تابع السيرة ، فقد ذُكر المس في أكثر من موقف .. ونذكركم أن قريش قالوا لرسول الله في المفاوضات : إذا كان الذي يأتيك طائف من الجن طلبنا لك العلاج ..

فلو كان المس خرافة ، لما أقره النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو لا يسكت على خرافة ، لم نجد حديث نبوي واحد ينفي مس الجن للإنس .. والجن لا تعلم الغيب ولا يملكون لأنفسهم الخير ،

 [[ لما دجال يقولك خذ هذه الورقة احرقها أو هذا الحجاب ضعه تحت مخدتك .. هذا شرك بالله ، وتصبح مثلك كمثل قريش ، أنت إذا تعاملت معهم ، أشركت بعبادة الله ، لأنهم لا يملكون لك ، ولا لأنفسهم ضرا ولا نفعا ]] .. الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستعن بهم على الإطلاق ، وأخذ بالأسباب الطبيعية ..  

__________________________

نعود لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم مع أمير الجن {{ عمرو }} ..

عمرو جني من الأمراء السبعة أو التسعة ، الذين كانوا أول من بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم ، في وادى نخلة ..

وكان عمره {{ ٨٠٠سنة }} ،

 أخبره رسول الله بعد لقاء الحجون ، أن الله سَيَمُدّ في عمره ، ويموت في أرض فلاة ، ويدفنه خير رجل من أمته في ذلك الزمن .. ومضت الأيام والسنين الطويلة ، حتى خلافة عمر بن عبد العزيز .. وكان عمر بن عبد العزيز ، في طريقه إلى الحج ، فرأى زوبعتان فى الهواء .. [[ الزوبعة ، هى الهواء الذي يلف ويدور بسرعة ، فيثير التراب والغبار ، ويرتفع على هيئة عامود .. كثير من الناس ، يرونه خاصة فى الصحراء ، ولا يعلمون ماهو .. هو مسير الجن وإلتقائهم فى مشادة أو عراك ناتج عن خصومة بينهم ]] ..

رأى عمر زوبعتان في الصحراء ، التقتا ثم انكشفت عنهما حية ضخمة ميتة .. فعرف عمر بفراسته .. {{ إتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله }} .. عرف بفراسته ، أنها ربما قتيل من الجن بعد عراك .. وإكراماً لها لأنها من خلق الله ، شق من عمامته قطعة من قماش ، ولفها بها وحفر بالتراب ودفنها .. 

ثم مضى فى طريقه ..

___________________________

ولما كان الليل ، سمع منادي ينادي : {{ جُزيت خيراً يا ابن عبد العزيز .. والله الذي لا إله إلا هو ، لقد سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول لعمرو .. تموت في أرض فلاة ، ويدفنك في ذلك الزمن خير رجل في أمتي }} ..

قال عمر بن عبد العزيز : من أنت يا عبدالله ؟ 

قال : أنا من إخوانك المؤمنين ، من الجن ممن بايع بالحجون ، وهذه الأفعى التي دفنتها ، هي : {{ عمرو .. وهو أمير من الجن }} .. أسلم على يدي النبي في وادى نخلة ، ونزل فيه قرآن يتلى إلى يوم القيامة .. 

صلى الله وسلم عليك يا رسول الله يا صادقاً بالوعد ..

____________________

يتبع إن شاء الله ، الإسراء والمعراج .. 

الأنوار المحمدية 

صلى الله عليه وسلم

ليست هناك تعليقات:

المتابعون

أرشيف المدونة الإلكترونية