الخميس، 14 سبتمبر 2023

الحبيب المصطفى  « ٨٥ » 4 أجزاء

السيرة المحمدية العطرة

 (الإسراء والمعراج - الجزء الأول)

___________________________

                  "مقدمة"   

بعد دخول النبى صلى الله عليه

وسلم إلى مكة ، بجوار المطعم بن عدي .. 

( وذلك بعد انتهاء رحلته إلى الطائف ، التى لم يلق خلالها من أهلها أي تجاوب أو تأييد )


في هذه الظروف الصعبة ، كانت رحلة {{ الإسراء والمعراج }} ..

وكأنها جاءت مواساة له من رب العالمين ، لِما لاقاه من أهل الطائف وقريش .. وذلك بعد أن جبر الله خاطره أيضا ، بلقائه بأمراء ومعهم حشود من الجن ، وتقبلهم للدعوة ودخولهم فى الإسلام .. 

وهذا الدعم والتأييد من الله سبحانه وتعالى لرسوله ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ، بالرغم من أنه بشر مثلنا .. لكنه جاء إلى الدنيا حاملًا قلبًا كبيرًا مليئًا بالخير والحب لكل المخلوقات ، وبالإيمان الصادق للخالق ، فأصبحت له مكانة عظيمة بين البشر ، ومنزلة أعظم عند الله ، 

وبهذه المنزلة وصل هذا المكان في السماوات العلا ، الذى لم يصله بشرٌ من قبله ، وهو سدرة المنتهى ، وصلّىَّ إمامًا بكل الأنبياء في المسجد الأقصى ، وما ذلك إلّا إشارة أنَّ مقامه لا يعدله مقام ، وأنه بلغ من التشريف ما لم يبلغه أحد .. إنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي صعد إلى السماء في رحلة الإسراء والمعراج .. وكأن الله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم : {{ إذا كان هذا ما لقيته يا رسول الله من أهل الأرض ، فتعال وانظر إلى مكانتك عند أهل السماء }} 

___________________________


اختلف العلماء كالعادة اختلافا كبيرًا فى توقيت حدوث معجزة "الإسراء والمعراج" ، قيل قبل الهجرة بثلاث سنين .. وقيل حدثت ما بين السنة الحادية عشرة إلى السنة الثانية عشرة من البعثة المحمدية .. وقال بعض العلماء إنها كانت فى ليلة الإثنين الثانى عشر من ربيع الأول ولم تعين السنة ، وقيل أنها كانت قبل الهجرة بسنة ، فتكون فى ربيع الأول ولم تعين الليلة ، وقيل فى ليلة الـ 27 من شهر رجب قبل الهجرة بسنة ، وقيل قبل الهجرة بـ 16 شهرًا .. لكن الذى اتفق عليه أئمة النقل ، أن الإسراء والمعراج حدث مرة واحدة بمكة ، بعد البعثة وقبل الهجرة ..

___________________________

دعونا نركز مع الحدث ، ولا نشغل بالنا باختلاف الآراء عن توقيت حدوث الحدث ... بعد إيمان الجن وتصديقهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم تمض سوى ليلتان أو ثلاث بعد هذا الحدث .. [[ أرجح الروايات تقول الليلة السابعة بعد رجوع النبي من الطائف ]] ،

وكان النبى ، يبيت في بيت أم هانئ .. [[ أم هانى هى بنت عمه أبي طالب ، أخت علي بن أبي طالب رضي الله عنه ]] ..


وهنا اختلف العلماء مرة أخرى ، هناك روايات كثيرة تعددت .. بعضها يقول : كان نائما في حجر الكعبة .. والبعض قال :  كان نائما في بيته .. لكن أغلب الروايات ذكرت أنه كان نائما في بيت أم هانئ .. 

نحن سنأخذ جوهر الموضوع ... لا يهم كثيرا أين كان النبي نائما؟؟.. 

المهم جاءه جبريل ، في منتصف الليل .. 

___________________________

جاء جبريل وناداه ، فأيقظه من النوم ، وسلم عليه .. وقال له : يا محمد استعد للقاء الله !! 

للقاء الله !! كيف سيكون لقاء الله ؟!

قال له جبريل : الله يدعوك لزيارته .. 

الله يدعوني لزيارته ؟!

قال : نعم ، الله يدعوك لزيارته في السماوات ..


هنا نقف عند موضوع مهم ،  

رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هو أعلم الخلق بالله عز وجل .. ومن شرعه صلى الله عليه وسلم تعلمنا :  أن {{ الله عز وجل }}

لا يقالُ عنه متى كان ؟؟..

ولا أين كان ، ولا كيف ؟؟..

لا يتقيدُ بالزمان ، ولا بالمكان ..

 {{ لَيْسَ كَمِثلِهِ شَىءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }} .

___________________________

سؤال : لو قلنا لأي انسان قم لزيارة ربك ؟؟

وهل الله عز وجل يتخصص بمكان ، لأذهب لذلك المكان حتى أصل إليه ؟! 

الله عزوجل معنا أينما كنا ،


ألم يخبرنا سبحانه عن نفسه : 

{{ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }} .. صدق الله العظيم ،،


ألم يخبرنا عن قربه :

{{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ }} .. صدق الله العظيم ،،

___________________________

لما قال جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن الله يدعوك لزيارته ، ورسول الله أعلم الخلق بالله .. قال : يا جبريل إن الله مقدس عن الجهات .. [[ يعني الله ليس له جهة محددة إذا انطلقت نحوها أصل إليه ]] ..

ولا يوصل إليه بالحركات .. [[ يعني أي وسيلة مواصلات لا تنفع للوصول الى الله ]] ..

ولا يستدل إليه بالإشارات .. [[ هو معي الآن يا جبريل ، كيف اذهب للقائه ]] ..

فقال جبريل : يا محمد ، جيء بالمركب إليك [[ أي البراق ]] لإظهار كرامتك عند الله .. 

فإن الملوك إذا استدعوا حبيباً أو قريباً ، وأرادوا إظهار كرامتهم ، أرسلوا أخص خدمهم ، وأعز دوابهم لنقل أقدامهم ، فزيارتك يا محمد كرامة لك ، على عادة الملوك .. 

  

عندما نذكر حادثة الإسراء والمعراج ، الكل يتصور أن البراق نقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى لقاء الله نتيجة لسرعته الخارقة ، وقدرته على تجاوز الأبعاد اللانهائية ، والله منزه عن المكان والزمان سبحانه وتعالى .. ولكن كل هذا الانتقال والحركة لم يكن إلا بمشيئة الله ، لذلك سُمٌِى بالمعجزة ..

كان كرامة لنبينا صلى الله عليه وسلم ، المخلوق البشري ليبين الله لخلقه جميعاً ، كرامته عند الله ..

___________________________

حتى أهل السماء جميعهم ، مفتقرين إلى الله ، متشوقين لقربه ، احتاروا في عظمة الله ، وكل الأبواب مسدودة بينهم وبين الله ، إلا باب واحد هو محمد رسول الله .. لا ينظرون إلى موضع في السماء منذ أن خلقهم الله ، إلا وجدوا اسم الله مقرون بمحمد .. { لا إله إلا الله ، محمد رسول الله } .

قال تعالى : {{ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }} ..

صلوا ياملائكتي على محمد ، فالله يصلي عليه ، ويمده بالأنوار الإلهية ، وتستمد منه الخلائق ، (كل الخلائق) الأنوار المحمدية ، كل مخلوق على قدر استطاعته ، 

{{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ }} .. 

حتى الأنبياء ، مأمورين باتباعه صلى الله عليه وسلم قبل أن يخلق ، فهم مأمورون  ومن تبعهم من قبل :

{{ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّنَ لَمَآ ءَاتَيْتُكُم مِّن كِتَٰبٍۢ وَحِكْمَةٍۢ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥ ۚ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِى ۖ قَالُوٓاْ أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَٱشْهَدُواْ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّٰهِدِينَ }} صدق الله العظيم ،، ..

وفي هذا أن الله أخذ الميثاق على كل نبي أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وأخذ الميثاق على أمم الأنبياء بذلك ..

كل الخلق في الملأ الأعلى ، ينتظرون قدوم النبي صلى الله عليه وسلم .. 

ألم يقل ربنا عز وجل : 

{{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }}

[[ عالم ]] هو اسم مفرد ، لو أردنا جمعه  لأصبح [[ عوالم ]] ..

وجمع الجمع [[ عالمين ]] ..

ففي ليلة إسرائه ، ثم معراجه للسماء صلى الله عليه وسلم ، كان الملأ الأعلى في فرح وسرور ، طالما انتظروا من يوصلهم إلى أنوار الله .. وقد أخبرهم الله من قبل ، كل الأبواب موصدة دون محمد ..  

كان الملأ الأعلى كلهم ، ينتظر عروجه إلى السماء .. {{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }}

وكأنهم يقولون : نحن من العالمين ، فلا بد لنا من نصيب من تلك الرحمة ، 

فشرّف عالم الملكوت بوطء قدميك قبة السماء ، كما شرفت بهما أديم الأرض .. 


وهناك سؤال يدور في أذهان الجميع : هل رأى رسول الله ربه ليلة المعراج ؟؟

عندما نصل ، إلى عروجه ، إن شاء الله سأجيب على هذا السؤال ..

___________________________

لو أردت أن أذكر تفاصيل الإسراء والمعراج ، الضعيف منها والصحيح ، لذكرت بالإسراء والمعراج أمور كثيرة ، مضمونها صحيح ، وإشارات عجيبة ، تُظهر كرامة نبينا صلى الله عليه وسلم ، في الملأ الاعلى ..

ولكن سأكتفي بما ورد  بالصحيح منها ، لأني لا أحب الجدال ، ونحن أصبحنا في زمن لا نجيد فيه غير الجدال ..

<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<

الحبيب  المصطفى « ٨٦ »

السيرة المحمدية العطرة

 ( الإسراء والمعراج - الجزء الثاني )

___________________________


قال جبريل : استعد للقاء الله ، فالله يدعوك ، لزيارته في السماوات ..

[ وما أجملها من رسالة ، من الله لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم ، أعز خلقه وأقربهم إليه .. إذا كانت الطائف وقريش أغلقت في وجهك أبوابها ، فها هو {{ الله عز وجل }} .. يفتح لك أبواب السماوات السبع .. وإن لم يكونوا أعطوك نصراً ، ولم يحسنوا ضيافتك .. فالله رب العالمين يعطيك نصره هذه الليلة ..

وإذا كان أهل الطائف وأهل مكة ، لم يؤمنوا بك ويتّبعوك ، فأنا سأجعل ملائكة السماوات السبع كلها .. والأنبياء والمرسلين من آدم إلى عيسى يصلون خلفك في هذه الليلة ]

___________________________

فكانت الإسراء والمعراج دعوة تكريم من الله لنبيه وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم .. 


وتبدأ أحداث رحلة الاسراء - كما يرويها صاحِبُها عليهِ أفضَل الصَّلاةِ وأتمُّ التَّسليمِ - بِقدومِ ثلاثةٍ من الملائكةِ الكِرامِ، بينَهم جبريلُ وميكائيلُ، فجعلوا جَسدَ رسولِ اللهِ لِظهرهِ مستقبِلًا الأرضَ وهو نائم ، ثمَّ شقُّوا بطنَهُ ، فغسَلوا ما كانَ بهِ من غلٍّ بماءِ زمزمَ، ثمَّ ملأوا قلبَه إيمانًا وحِكمةً ..


[[ أغلب آراء العلماء تقول : أن الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، شُق صدره ثلاث مرات ، الأولى فى طفولته أثناء وجوده عند مرضعته حليمة ، وكانت هذه الحادثة سببا فى أن تعيده حليمة إلى والدته خوفا عليه من أن يصيبه مكروه .. والثانية مع نزول الوحى .. والثالثة عند واقعة الإسراء والمعراج ... الأولى كانت لتهيئته وإعداده للنبوة وإبلاغ الرسالة .. والثانية كانت لتهيئته لتلقى الوحى .. والثالثة قيل أنها تمهيدا نفسيا ليتحمل مفاجآت رحلة الإسراء والمعراج .. والمرة الأولى هى المؤكدة ، لكن اختلف العلماء فى حدوث المرتين الأخريين ]] ..


بعد ذلك قام النبي صلى الله عليه وسلم ، واغتسل ، ثم طلب منه جبريل أن يعتم بعمامة سوداء ، فلبس صلى الله عليه وسلم عمامة سوداء  لها ذؤبتان [[ الذؤبة طرف العمامة يرخيها على كتفه ، وقد دخل يوم فتح مكة صلى الله عليه وسلم وهو يلبسها ]] ..

وقد روي  عن عبد الله بن عمر : {{ عليكم بالعمائم ، فإنَّها سيم الملائكة وارخوها خلف ظهوركم }}

 ثم مشى مع جبريل إلى الكعبة ، فطاف بها سبعة ثم صلى ركعتين 

ثم قدم له جبريل دابة اسمها {{ البراق }} .. يصفها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ، قال :  دابة فوق الحمار ودون الفرس [[ يعني أكبر من الحمار بقليل وأصغر من الحصان .. حجمه بحجم البغل ]] لونه أبيض ..

___________________________

فلما اقترب منه النبي جعل يتفلت [[ يعني مثل الدابة الرافضة حد يركبها ]] .. فقال له جبريل : أتصنع هذا بمحمد ؟ !!!

والذي نفسي بيده ما ركبك أحد أفضل من محمد .. [[ هنا نستنتج أن البراق كان مركوب الأنبياء ، ومما يؤكد هذا المعنى لما وصل النبي لبيت المقدس قال : فربطت البراق بالحلقة التي كانت تربط بها الأنبياء ( هذه الحلقة تقع فى الحائط الغربى للمسجد الأقصى ، لذا فقد سمى هذا الحائط ، بحائط البراق ) .. إذاً البراق هو مركوب الأنبياء من قبل ، وجبريل يؤكد أن أكرم الأنبياء وأقربهم إلى الله هو محمد صلى الله عليه وسلم ]] ..

فلما قال جبريل للبراق ذلك .. سكت البراق وتصبّب عرقا [[حياء وخجلا من رسول الله ]] ..

___________________________

يكمل النبي صلى الله عليه وسلم ، وصف البراق لأصحابه .. قال : إن له بين يديه وفخذيه جناحان يطير بهما .. سرعته ، يضع حافره عند منتهى طرفه ..

[[ ومعناها أن البراق يضع حافره عند منتهى بصره ، يعني أبعد مسافة يستطيع رؤيتها ، يكون حافره عندها فى كل خطوة ]] ..


ركب النبي صلى الله عليه وسلم ، على البراق ..ثم ارتقى به في السماء بعد منتصف الليل ، والدليل أنه بعد منتصف الليل ، قوله تعالى : {{سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً }} ..

وبما أننا في هذا الزمن ، أضعنا لغتنا العربية ، فلم نعد نفهم القرآن ولا أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، الفهم السليم !!! 

توضيحا لمعنى كلمة أسرى :  

كان العرب ، إذا سافر الرجل بعد منتصف الليل يقولون : [[ سرى في الليل ، أى سافر قبل طلوع الفجر ]] ..

أما إذا سافر أول الليل يقولون :

[ أدلج ، أي خرج بعد حلول الظلام ] ..

___________________________


رحل الرسول صلى الله عليه وسلم مع جبريل راكبا البُراق ، فانطَلَق بهِ البُراقُ إلى المسجدِ الأقصى يسوقُهُ جبريل .. فأنزَلَهُ أثناء الرحلة فى يثرب (المدينة المنورة) ، وكان فوق موضع مسجده الآن المعروف بالمسجد النبوى ، فقال له جبريل : صلي ها هنا يا محمد .. فصلى ركعتين ، فكان موضع صلاته موضع قبره الآن ، الذي فيه جسده الشريف .

وقال له جبريل : سيكون لك مسجداً هنا يا محمد ، وأخبره ما يكون من هجرته إليها .. [[ وهذه بشرى للنبي بالخروج من مأزق مكة ]] .. ثمَّ أنزلَهُ طورَ سيناءَ ، حيثُ كلَّمَ الله موسى عليهِ السَّلامُ ، فصلَّى بهِ .. ثمَّ أنزَلهُ بيتَ لحم مولِدَ عيسى عليهِ السَّلامُ ، فصلَّى فيها .. ثمَّ دنا بهِ إلى بيتِ المقدِسِ فأنزَلهُ بابَ المَسجِدِ ، ورَبَطَ البراقَ بالحلقةِ التي كان يربط بها الأنبياءُ ، ثمَّ دخلَ إلى المسجد ..

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
الحبيب المصطفى « ٨٧ »

السيرة المحمدية العطرة

 ( الإسراء والمعراج ، الجزء الثالث ) .

___________________________

يقول الله سبحانه : "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " ... 

"سبحان" ، أي: تنزه الله في قولـه عن كل قول ، وتنزه الله في فعله عن كل فعل ، وتنزه الله في صفاته عن كل صفات ... "الذي أسرى" ، أي : الذي أكرم رسوله بالمسير والانتقال ليلا .. "بعبده" أي : بمخلوقه الإنسان الذي اختاره لهذه المهمة العظمى ، وهي مهمة هداية البشر جميعا .. ولم يقل الله سبحانه : " بخليله " أو " بحبيبه " أو " بنبيه " ، وإنما قال : " بعبده " ، وفي هذا معنى هام .. هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم ، حقق مقام العبودية الخالصة لله سبحانه ، فكان حقا  العبد الكامل ، أو الإنسان الكامل ، لأن المطلب الأول للإسلام هو تحقيق العبودية الخالصة لله سبحانه ...

 "ليلا" وفي هذا دلالة على أن الإسراء كان في جزء من الليل ولم يستغـرق الليل كله ، وكان الليل هو وقت الرحلتين ، لأنه أحب أوقات الخلوة ، وكان وقت الصلاة المفضل لدى رسول الله ، بل كان هو وقت الصلاة قبل أن تفرض الصلاة بالهيئة والأوقات المعروفة عليها الآن ، وكان الإسراء ليلا ليكون أيضا أبلغ للمؤمن في الإيمان بالغيب ..

وأما قوله تعالى : "من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى" فتفسيره : أن انتقال الرسول في رحلته الأرضية كان بين مسجدين ، أولهما : المسجد الحرام بمكة في أرض الجزيرة العربية ، وهو أحب بيوت الله في الأرض ، والصلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة في غيره من المساجد .. وثانيهما : هو المسجد الأقصى بأرض فلسطين ، مهد الأنبياء والرسل ، وقد كان القبلة الأولى للمسلمين قبل أن يأتيهم الأمر بالتحول شطر المسجد الحرام الذي هو قبلتهم منذ ذلك الوقت إلى آخر الزمـان ... والمسجد الأقصى من أفضل مساجد الأرض جميعا ، والصلاة فيه تعدل خمسمـائة صلاة في غيره من المساجد ... "الذي باركنا حوله" ، أي : الذي أفضنا عليه وعلى ما حوله بالبركات ، دنيوية ومعنوية ... 

"لنريه من آياتنا" ، أي : بعض الآيات الدالة على قدرة الله وعظمته ، وليس بالطبع كل الآيات .. 

__________________________

وهنا يهمنا أن نلقى الضوء على نقطة فى منتهى الأهمية .. 

بعض المشككين قالوا ، كيف ينتقل الرسول بجسده من مكة إلى بيت المقدس .. والأغرب من ذلك كيف يُعرج به إلى السماء أيضا ، ويُتم هذه الرحلة ويعود فى نفس الليلة ؟؟.. وقالوا أنه ربما أُسرى بروحه فقط ، بمعنى أن ذلك كان فى عداد الرؤية فى المنام !! .. 

وللرد على ذلك ، نقول أنه لا معنى لقول من قال : أسري بروحه دون جسده .. لأن ذلك لو كان كذلك ، لم يكن في ذلك ما يوجب أن يكون دليلاً على نبوته ، ولا حجة له على رسالته ، ولا كانوا الذين أنكروا حقيقة ذلك من أهل الشرك ، يدفعون به عن صدقه فيه ، إذ لم يكن منكرًا عندهم ولا عند أحد من ذوي الفطرة الصحيحة من بني آدم ، أن يرى الرائي منهم في المنام ما على مسيرة سنة بل وأكثر ، فكيف بما هو مسيرة شهر أو أقل .. والأهم من ذلك ، أن الله إنما أخبر في كتابه أنه أسرى بعبده ، ولم يخبرنا بأنه أسري بروح عبده ، وليس جائزًا لأحد أن يتعدى ما قاله الله إلى غيره .. وأيضا الأدلة الواضحة ، والأخبار المتتابعة عن رسول الله ، أن الله أسرى به على دابة يقال لها البراق ، ولو كان الإسراء بروحه ، لم تكن الروح محمولة على دابة وهى البراق ، إذ كانت الدواب لا تحمل إلا الأجساد ..


أضف إلى ذلك أنه ، لو كانت رحلة {{ الإسراء والمعراج }} منامًا ، لما حدث ما حدث من رد فعل قريش ، عندما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الرحلة ، حيث ضجت واستهزأت وسخرت ؛ لأنه من المألوف أن يرى أى إنسان فى المنام أنه يسافر ويطير ، ويصعد فوق الغيوم ، فلو أخبرت أي إنسان بما رأيت ، لصدقك وما أنكره عليك .. أى أنه لو كان النبي صلى الله عليه وسلم ، أخبر قريش أنه رأى في نومه كذا وكذا ، لما قامت الدنيا ولم تقعد عندما أخبرهم .. 

___________________________

انطلق به البراق كما ذكرنا فى الحلقة السابقة ، وسرى حتى إذا جاء بيت المقدس .. [ الوقت ليل والإنارة معدومة ، ودخل ليلا .. الرسول لا يعرف من أين دخل ولا إلى أين دخل اللهم كان دليله جبريل ] .

هبط به إلى الصخرة المعروفة الآن : {{ مسجد قبة الصخرة }} طبعا القبة لم تكن موجودة فوق الصخرة في ذلك الوقت .. فقط صخرة ، وربط البراق كما ذكرنا ، ثم دخل مع جبريل إلى المسجد فصلى ركعتين ..


وهنا اختلف العلماء ورواة السيرة : 

منهم من قال صلى ركعتين منفردًا ، ثم عرج به إلى السماء ، ولما نزل من السماء بعد أن انتهى من المعراج ، صلى بالأنبياء إمامًا ..


ومنهم من قال ، صلى بالأنبياء إماما عند وصوله ، ثم عرج به الى السماء ..


هناك حديث من صحيح البخاري ، يمكن أن نسترشد به كى نصل إلى الصواب ... والله أعلم .. مختصر الحديث :

[[ كان الرسول عليه الصلاة والسلام ، كلما وصل إلى سماء من السماوات السبع ، استفتح جبريل ، ثم أخذ جبريل يُعرفه على كل نبي من الأنبياء الذين التقى بهم فى السماوات .. 

في السماء الأولى ، يسأل النبي جبريل من هذا يا أخي جبريل .. هذا آدم يا محمد  ، فيسلم عليه ، ويدعو له آدم .. وفي السماء الثانية ابنيّ الخالة عيسى ويحيى .. وفي السماء الثالثة من هذا ؟.. هذا يوسف ]] ..

وهكذا فى كل سماء ، جبريل يُعرٌِف النبي على الأنبياء عليهم السلام .. 

___________________________

هنا نطرح سؤال : 

هل من المنطق والصواب ، أن النبي صلى الله عليه وسلم .. إذا كان قد صلي بالأنبياء إماما في بيت المقدس قبل المعراج ،  ثم عرج به إلى السماء .. فيصبح لا يعرفهم ولا يتعرف عليهم فى السماء ؟!

النبي صلى الله عليه وسلم أعقل وأذكى من ذلك .. 

فالربط الأصح بين اختلاف الروايات فى رأيى الشخصى :

أن الصلاة حصلت مرتين : عند وصوله مع جبريل صلى ركعتين منفردًا ... ثم عرج به إلى السماء وتعرف على الأنبياء ، ثم هبط والأنبياء معه وكبار الملائكة ، وصلى بهم ركعتين بالمسجد الأقصى .. هذا أقرب إلى الصواب ونحن كمسلمين عندنا العقل .. نربط الأحداث بما يتفق مع العقل والمنطق ... والله أعلم ،،،

___________________________

نحن ما زلنا فى المسجد .. قام  جبريل بواجب الضيافة للنبى ، فجاءه بطبق فيه كأسين .. كأس من لبن [[ لبن يعني حليب ]] ..

وكأس من خمر [[ خمر الجنة مش خمر يفقد العقل ، كالذي قام البشر بتغيير الاسم الآن ، وسموها مشروبات روحية! .. خمر الجنة حسب وصف الله : {{ويسقون فيها كأسًا كان مزاجها زنجبيلا }} .. كأس من خمر لا تؤدى لفقدان العقل ]] ..

فتناول صلى الله عليه وسلم كأس اللبن وشرب .. 

فقال له جبريل : هديت إلى الفطرة ، وأخذتها لأمتك  ..

___________________________

ثم عرج به صلى الله عليه وسلم إلى السموات السبع ..

وهنا اختلف العلماء ورواة السيرة مرة أخرى فى أمر :

كيف صعد الرسول إلى السماء ليلة الاسراء والمعراج؟


صعود الرّسول إلى السّماء .. أى وسيلة المعراج وآلة الصعود إلى السماوات العلا ، لم تثبت بحديثٍ صحيحٍ ، وإنّما جاء ذكرها بأحاديث وروايات ضعيفة لا يُعتدّ بها عند أهل العلم ، خلافًا لوسيلة الانتقال في رحلة الإسراء من مكّة إلى بيت المقدس ، التى ثبت يقينا أنّها كانت عن طريق البُراق وصحّ بها الخبر ... ولكنّ الروايات الصحيحة لم تذكر أنّ جبريل عليه السّلام ، أخذ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على البراق مرّة ثانية بعد الخروج من المسجد الأقصى ، والعروج إلى السّماء ، ولم تذكر تلك الروايات الثابتة أيّ شيء عن البراق في محطّات رحلة المعراج إلى السّماوات العُلى .. لذلك اختلفت آراء العلماء بين أمرين :

الأول : ذهب بعض العلماء ، إلى أن صعوده إلى السماء كان عن طريق معراجٍ - أي سُلّم - نُصب له وعرج به إلى السماء .. وقد جاءت بعض الروايات التي تصف المعراج الذي صعد به النبي صلى الله عليه وسلم بالحسن والجمال ، وأنه مكوّنٌ من الذهب والفضة ، ومُرصّعٌ باللؤلؤ ، وقد جيء به من جنة الفردوس ، وكانت الملائكة تقف على يمينه ويساره ، ويقول بعض العلماء ، إن المعراج مصعدٌ لا تُعلم حقيقته ، ولا تُدرك صورته ، وإنما كان وسيلةً عرج به النبي صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس إلى السماء برفقة جبريل عليه السلام ... ثم عاد الرسول عليه الصلاة والسلام بعد انتهاء رحلة المعراج ، برفقة جبريل أيضا ، إلى المسجد الأقصى ، للصلاة إماما بالأنبياء والملائكة ... وكان البراق فى انتظاره فى نفس المكان الذى تركه مربوطا فيه .. ثم حمله البراق عائدا به إلى مكة .. 

الثانى : أنه ركب البراق أيضا فى رحلة صعوده إلى السماوات السبع ، ثم أعاده البراق إلى المسجد الأقصى للصلاة .. وأخيرا حمله وعاد به إلى مكة ..

___________________________

ويقال أن الله سبحانه وتعالى جهز النبى لهذا العروج .. (( ربما كان لحادثة شق الصدر قبل الإسراء مباشرة دخل فى ذلك ، والله أعلم )) ، لأنه صلى الله عليه وسلم ، سيجتاز مرحلة الجاذبية إلى مرحلة انعدام الجاذبية ، التي يعد لها رواد الفضاء العدة ، فيتجهزون بما يؤمن سلامتهم أثناء رحلتهم المحدودة جدا ، لمسافة لا تتعدى الوصول للقمر أو لأحد الكواكب القريبة من الأرض ، وللعلم .. الكرة الأرضية ومجموعة الكواكب المشتركة معها فى نفس المجموعة ( المجموعة الشمسية ) لا تمثل إلا جزء ضئيل جدا لا يكاد يذكر ، داخل مجرتنا التى نتبعها وهى درب التبانة .. فمجرة درب التبانة تحتوى على من (٢٠٠ إلى ٤٠٠) مليار نجم ، وأكثر من مليار كوكب ( المليار ، ألف مليون) .. فما بالك بالكون الذى يحتوى على ٢٠٠ مليار مجرة مثل درب التبانة ، ( أى ٢٠٠ ألف مليون مجرة ) ، ومنهم ما هو أكبر من درب التبانة ، حسب ما ذكره العلماء .. هذا عن سعة الكون .. أما عن المسافات التى قطعها النبى أثناء رحلة المعراج ، فيكفى أن تعلم أن أقرب نجم على بعد 4.2 سنة ضوئية من الأرض .. [[ السنة الضوئية وحدة مسافات وليست وحدة زمن ، وهى المسافة التى يقطعها الضوء فى سنة كاملة بالتقويم الميلادى ، مع العلم أن سرعة الضوء تساوى (  ٣٠٠ ألف كيلو متر فى الثانية ) .. وعلى ذلك يكون أقرب نجم على مسافة ٤٠ × ١٠ أس١٢ كيلو متر تقريبا من الأرض ]] ..!!!..  كل هذا ولم نصل للسماء الأولى ..

فكيف بالنبي صلى الله عليه وسلم ، الذى سيُعرج به إلى السماوات السبع كلها؟؟.. لذلك أعدّه الله إعدادا ملائكيا يصلح لهذا الصعود  ... (( كل ما يعلو على سطح الأرض وتراه عيناك ،  يقع تحت السماء الأولى .. الشمس والقمر والنجوم والمجرات ، وهذا الكون الواسع اللانهائى الذى حيٌر العلماء إلى الآن برغم العلم والتطور ، فلم يصلوا إلا إلى القليل من أسراره ..

كله ضمن السماء الأولى )) .. والدليل قوله تعالى :

{{ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ }} ، أى أن كل ذلك لا يتعدى حدود السماء الدنيا .. فما بالك بعروج النبى ووصوله إلى السماء السابعة؟؟!!!..

________________________________________________________

آسف لخروجى عن النص ، بذكر معلومات عن الكون ، تخرج عن أحداث رحلة المعراج .. لكن أردت أن أبين للقاريء عظمة خلق الله سبحانه ، التى تتجلى فى بديع صنع هذا الكون ، وحتى يتخيل القاريء  رحلة معراج النبى ، وما قطعه من مسافات ، وما مر به من عجائب ، حتى يصل للسماء السابعة ... وما أوتيت من العلم إلا قليلا ..    


عرج النبي صلى الله عليه وسلم مع جبريل ، فلما وصل للسماء الدنيا .. إستأذن جبريل [[ وليس معنى استأذن ، أن يدق جبريل الباب ويفتحوله .. السماوات محروسة بالملائكة ، والله خلق هذه الملائكة ، وجعل مهمتهم ألا يدخل أحد منها إلا بإذنه .. ذلك تقدير العزيز العليم ]] .


يتبع ..

الأنوار المحمدية 

صلى الله عليه وسلم

الحبيب المصطفى  « ٨٨  »

السيرة المحمدية العطرة

 ( الإسراء والمعراج ، الجزء الرابع )

___________________________

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :

 لما فرغت مما كان في بيت المقدس ، أُتِىَ بالمعراج ، ولم أر شيئا قط أحسن منه ، وهو الذي يمد إليه ميتكم عينيه إذا حُضِر ، فأصعدني صاحبي فيه ، حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء يقال له باب الحفظة ، عليه ملك من الملائكة ، يقال له إسماعيل ، تحت يديه اثنا عشر ألف ملكٍ ، فقال وأتى بي إلى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : من معك ؟ قال : محمد ، قيل :

 أ وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء .. 


فوجدت في السماء الأولى ، رجل ينظر عن يمينه فيجد سواد عظيم .. [[ وسواد يعني ناس ، لأن الشعر لونه أسود ، عندما تنظر لعدد كبير من الناس ، ترى سواد ]] .. ينظر الرجل عن يمينه فيرى سواد عظيم ، فيضحك

وينظر عن يساره فيرى سواد عظيم ، فيبكي ..

قلت من هذا يا جبريل ؟!.

 قال: هذا أبوك آدم ، ينظر إلى أبنائه من أهل الجنة فيضحك ، وينظر إلى أبنائه من أهل النار فيبكي ..

لماذا يضحك ولماذا يبكي ؟!.

لأنهم أبناؤه ، هناك من أبنائه من استفاد من تجربته فدخل الجنة ، وهناك من أبنائه من لم يستفد من تجربته فأصبح من أهل النار ؛ لأن قصة آدم عليه السلام كانت درس لكل البشرية .. 

فيسلم النبي صلى الله عليه وسلم على آدم ، فيقول له آدم : مرحبا بالابن الصالح ، والنبي الصالح ، والأخ الصالح ..

________________________

قال النبى : رأيت الجنة والنار .. ورأيت مالكا خازن النار ، وهو لا يضحك أبدا ، وليس على وجهه بشر ولا بشاشة .. ثم رأيت رجالاً لهم مشافر كمشافر الإبل ( المشافر هنا بمعنى الشفاة الغليظة ) ، في أيديهم قطع من نار كالأفهار (حجر حجمه مقدار ملىء الكف) ، يقذفونها في أفواههم ، فتخرج من أدبارهم ، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ ، قال هؤلاء أكلة أموال اليتامى ظلما .. قال : ثم رأيت رجالاً لهم بطون لم أر مثلها قط ، لا يقدرون لكبرها أن يتحولوا عن أماكنهم ، ويمر بهم آل فرعون حين يعرضون على النار فيطأونهم ، قال : قلت من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء أكلة الربا .. ثم قال : رأيت نساء معلقات بثديهن ، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ ، قال هؤلاء اللاتي أدخلن على رجالهن من ليس من أولادهم (الزانيات) .. قال : ثم رأيت رجالا ، بين أيديهم لحم سمين طيب ، وبجانبه لحم غث نتن ، يأكلون من الغث المنتن ويتركون الطيب السمين ، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟.. ، قال : هؤلاء هم الزناة .....  قال : ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية .. فتكرر نفس الحديث للإذن بالدخول ، فلما خلصت إذا يحي وعيسى وهما أبناء خالة ، (( يقال أبناء خالة مجازا ، لكن الواقع أن سيدنا يحيى ابن زكريا ، هو ابن خالة العذراء مريم والدة سيدنا عيسى )) ، قال جبريل : هذا يحي بن زكريا وعيسى بن مريم فسلم عليهما ، فسلمت وردا السلام ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح .. قال ثم صعد بي إلى السماء الثالثة ، فاستفتح وتكرر نفس الحديث ، فلما خلصت فإذا فيها رجل صورته كصورة القمر ليلة البدر ، قلت : من هذا يا جبريل؟ ، قال هذا أخوك يوسف بن يعقوب فسلم عليه ، فسلمت فرد السلام ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح .. قال : ثم صعد بي إلى السماء الرابعة ، فإذا فيها رجل فسألته : من هو ؟ ، قال هذا إدريس ، وتكرر معه السلام فرد السلام وذكر عبارات الترحيب .. قال : ثم صعد بي إلى السماء الخامسة فاستفتح ، وتكرر نفس الحديث ، فلما خلصت إذا فيها رجل كهل أبيض الرأس واللحية ، لم أر كهلاً أجمل منه ،  قلت : من هذا يا جبريل؟ ، قال هذا المحبب في قومه هارون بن عمران فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد ، ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح .. قال : ثم صعد بي إلى السماء السادسة فاستفتح ، وتكرر نفس الحديث ، فلما خلصت ، قال هذا أخوك موسى بن عمران ، فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد السلام ، ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ، فلما تجاوزت بكى ، قيل ما يبكيك؟ .. قال : أبكي لأن غلاما بعث بعدي ، يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخل من أمتي .. قال : ثم صعد بي إلى السماء السابعة ، فاستفتح وتكرر نفس الحديث ، إذا فيها رجل كهل ، جالس مسندا ظهره على باب البيت المعمور ، فقلت : يا جبريل ما هذا ؟ قال : هذا البيت المعمور ، وهو بيت فوق الكعبة مباشرة ، يتعبد إليه أهل السماء ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، وإذا خرجوا منه لا يعودون إليه إلى أن تقوم الساعة ، وفوقه مباشرة عرش الرحمن ، فقلت : من هذا يا جبريل؟ ، قال : هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد السلام ، وقال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح .. قال : 

وبعد أن سلم إبراهيم عليه السلام ، على الرسول صلى الله عليه وسلم .. بعث إلينا مع النبى برساله ، قال إبراهيم : أقرأ أمتك مني السلام .. [ ونحن جميعا نرد و نقول ، وعليك السلام يا نبي الله إبراهيم ، يا أبا الأنبياء ].

ثم أكمل الرسالة بقوله :  وقل لهم : إن الجنة طيبة التربة عذبة الماء ، وإن غراسها {{ سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر }} ...

___________________________


 وهنا تتضح الحكمة من : لماذا نخصَّ سيدنا إبراهيم عليه السلام من بين سائر الأنبياء عليهم السلام بذكرنا إياه في الصلاة؟.. والجواب : لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، رأى ليلة المعراج  جميع الأنبياء والمرسلين وسلَّم على كل نبي .. ولم يسلم أحد منهم على أمته غير إبراهيم عليه السلام ، فأمرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن نصلي عليه في آخر كل صلاة ، "فى التشهد" ، إلى يوم القيامة مجازاةً على إحسانه ..

والسبب الثانى ، يقال : إن إبراهيم عليه السلام ، لما فرغ من بناء الكعبة ، دعي لأمة محمد عليه الصلاة والسلام وقال : اللهم من حج هذا البيت من أمة محمد فهَبْه مني السلام ، وكذلك دعي أهله وأولاده بهذه الدعوة ، فأمرنا بذكرهم في الصلاة مُجازاة على حُسْن صنيعهم ..

___________________________

وهكذا التقى صلى الله عليه وسلم ، بأنبياء الله في السماء الأولى ، والثانية ، والثالثة .. إلى أن ارتقى السبع الطباق ، فوصل صلى الله عليه وسلم إلى مكان بعد السماء السابعة ، وهي سدرة المنتهى .. فإذا بجبريل تتغير هيأته ، ويأخذ صورته الملائكية .. 

بدليل قوله تعالى : {{ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ * لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ }} ..

هذه هى المرة الثانية ، التى يرى النبي صلى الله عليه وسلم ، جبريل على صورته الملائكية .. 

والسؤال : متى كانت المرة الأولى؟؟..

[[ للتذكرة : كما قلنا من قبل ، عند نزول الوحي ، عندما جاء جبريل إلى النبي في غار حراء أول مرة ، والحوار : اقرأ ، ما أنا بقارئ .. جاء إليه بصورة بشر حتى لا يرهبه .. ثم انقطع عنه الوحي ، ليشتد شوق النبي إليه .. وبعد ٤٠ يوما ، جاءه جبريل المرة الثانية ،  وهو صاعد إلى جبل حراء ، على صورته الملائكية .. فسد له الأفق ، فارتعد النبي وارتعب وجثا على ركبتيه ، من هيبة رؤية جبريل على هذا الشكل .. فكانت هذه هى المرة الأولى التى رآه فيها بصورته الملائكية ]] ..

جبريل ، صورته الملائكية عظيمة ، يقال إن له {{ ٦٠٠ جناح }} .. إذا نشر جناحين من أجنحته ، غطى هذا الكون بأكمله ، من مشرقه الى مغربه .. 

[[ وحدث عندما أتى جبريل أرض سدوم لإهلاكهم بأمر الله ( أرض سدوم هى مكان قرى قوم لوط ) .. رفع قرى قوم لوط عليه السلام ( ويقال أنها كانت سبع قرى ) ،  بطرف جناحه ، ووصل بهم إلى السماء ، حتى سمعت الملائكة أصوات صراخهم .. ثم تركهم فسقطوا من هذا الارتفاع الشاهق إلى سطح الأرض .. فنشأ البحر الميت ، إذ خرجت المياه من باطن الأرض الصحراوية فى موضع ارتطامهم بالأرض ، وحدث أن دفن قوم لوط بقراهم جميعا تحت هذا البحر .. وهذا البحر نسبة الملوحة فى مياهه عالية جدا ، لذلك لا تعيش فيه أى أحياء مائية أو نباتات ، وهذا سبب تسميته بالبحر الميت .. وهناك علامة أخرى : من ذهب منكم فى زيارة إلى البحر الميت فى الأردن ، فليتأمل جبالها .. سيجد أثر طرف جناح جبريل بجرف الجبال من أسفل، إذ مرر جناحه بأسفل جبالهم وجرفهم من القاع ، ورفعهم لهذا نراها أدنى بقعة على وجه الأرض ]] .. 

___________________________

 هنا رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته الملائكية .. يقول : 

فلما وصل جبريل إلى مكان توقف ، فنظرت إليه فإذا هو كالحنث البالي [[ يقال عن الصوف عندما يوضع فى الماء فينكمش .. نحن نقول عنه بعد الغسيل كش وصغر حجمه ]] ..

 جبريل وقف وقد انكمش من أنوار الحق .. فنظرت إليه ، 

فقال جبريل : تقدم يا محمد .. 

[[ تقدم؟!!.. أين أتقدم يا جبريل ، أنا في عالم لا أعرفه فوق السماوات السبع ]] ..

 قال : تقدم يا محمد .. 

 فقلت له : ها هنا يا جبريل يترك الخليل خليله؟.. 

قال : تقدم .. هذا المقام لا ينبغي لغيرك .. [[ لا ينبغي لغيري؟.. وقف النبي متحيراً ]] ..

 فطمأنه جبريل وقال: والذي أرسلك ونفسي ونفسك بيده ، لو تقدمت معك بعد الآن قيد أنملة .. [[ يعني عرض أصبع اليد ]] ، لاحترقت ، من سبوحات أنوار الحق .. 

 يا محمد : لكل منا مقام معلوم ، وهذا المقام لا ينبغي إلا لك .. تقدم ، تقدم يا محمد  ..

يقول صلى الله عليه وسلم : 

فتقدمت ، عند سدرة المنتهى ،،

___________________________

هل عرفتم قدر نبيكم صلى الله عليه وسلم ؟؟..

والله لا يعرف {{قدر محمد إلا رب محمد}} ، صلى الله عليه وسلم .. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ،،، 


يتبع إن شاء الله .. 

الأنوار المحمدية 

صلى الله عليه وسلم

ليست هناك تعليقات:

المتابعون

أرشيف المدونة الإلكترونية