بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم
الحلقة4 : تفسير قوله تعالى أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ، حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ، كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ.
2010-07-02
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وأرضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
اللهو مرضٌ خطير يغفل فيه الإنسان عن علة وجوده وغاية وجوده :
أيها الأخوة المشاهدون، في القرآن الكريم سورةٌ قصيرة، لكنها خطيرة، يقول الله عز وجل:
﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ* حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ* كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ* كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ* لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ* ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ* ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾
الحقيقة ماذا تعني كلمة اللهو ومنها ألهاكم؟ اللهو؛ أن يشتغل الإنسان بالشيء الخسيس ويُضيع الشيء النفيس، فالذي يغوص في البحر، قد يأتي بالأصداف، وينسى اللآلئ، فالذي يلهو أي أنه اشتغل بالخسيس وترك النفيس، ما النفيس؟ النفيس أن نعرف سرّ وجودنا في الدنيا، أن نعرف أن هذه الدنيا جاء الله بنا إليها من أجل أن نؤمن به أولاً، وأن نعمل عملاً نتقرب به إليه ثانياً، وأن يكون هذا العمل ثمن دخول الجنة، فالذي يأتي إلى الدنيا، وينسى سرّ وجوده فيها، وغاية وجوده، ويغوص في متع الحياة، وفي جمع المال، وما سوى ذلك، هذا الإنسان غفل عن علة وجوده، وعن غاية وجوده، وقد ذكرنا ربنا بأن الإنسان خُلق ليعبد الله، فقال:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
لذلك اللهو مرضٌ خطير، وقد يكون مرضاً خطيراً مهلكاً،
﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴾
مغادرة الدنيا أخطر حدثٍ في المستقبل فبطولة الإنسان أن يعيش المستقبل :
والإنسان أحياناً أيها الأخوة يحاول أن يرتزق بحرفةٍ، أو بمهنةٍٍ، أو بوظيفةٍ، أو بشهادةٍ، أو إلى ما هناك، ولكن حينما يحقق رزقه الذي يطمح إليه، ينتقل إلى مرحلة ثانية، هي الجمع، جمع الأموال، المنافسة في جمع الأموال، وقد قال الله عز وجل:
﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
لأن هذا الذي نجمعه في الدنيا منوطٌ بضربات القلب، منوطٌ بسيولة الدم، منوطٌ بنمو الخلايا نمواً طبيعياً، فإذا توقف القلب، كل الذي نملكه صار إلى غيرنا، وإذا تجمد الدم في بعض العروق، كل الذي نزهو به أصبح لغيرنا، وإذا نمت الخلايا نمواً عشوائياً انتهت حياتنا، فلذلك الإنسان في قبضة الله، بثانية واحدة يصبح خبراً بعد أن كان رجلاً، يصبح خبراً على الجدران.
كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والـــجبروت
والليل مهما طــــال فلا بد من طلوع الفـــجر
والعمر مهما طــــال فلابد من نزول الــــقبر
* * *
وكل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
فــإذا حملت إلى القبور جنازة فــاعلم أنك بعدها محمول
* * *
والليل مهما طــــال فلا بد من طلوع الفـــجر
والعمر مهما طــــال فلابد من نزول الــــقبر
* * *
وكل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
فــإذا حملت إلى القبور جنازة فــاعلم أنك بعدها محمول
* * *
أيها الأخوة الكرام: الإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منه، ما من يومٍ ينشق فجره إلا وينادي: يا بن آدم، أنا خلقٌ جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني، فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
((قال رجل : يا رسول الله أي المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم له استعداداً، قال : يا رسول الله هل لذلك من علامة يعرف بها؟ قال : نعم، الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الموت))
هذه النهاية الحتمية، مصير بني البشر جميعاً، ولابد منها، فالبطولة أن تعيش المستقبل، لا أن تعيش الماضي، الأغبياء وحدهم يتغنون بالماضي، لكن الأقل غباءً يعيشون الحاضر، بينما الأذكياء والموفقون يعيشون المستقبل، وأخطر حدثٍ في المستقبل مغادرة الدنيا.
بطولة الإنسان أن يعد للآخرة ويستفيد من حياته في الدنيا :
لذلك الله عز وجل يصف هؤلاء الذين شردوا عنه فيقول:
﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴾
ألهاكم جمع المال، ألهاكم جمع ما توافر لديكم من متع،
﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴾
وماذا بعد التكاثر؟ الموت، ماذا بعد جمع المال؟ ماذا بعد ارتقاء كل ما تطمح إليه؟ تنتهي الحياة بالموت، والموت نهاية كل حي، لذلك البطولة أن تعد للحياة القادمة، أن تعد للآخرة، البطولة أن تستفيد من حياتك في الدنيا، لإعداد حياةٍ في الآخرة، تنعم بها نعيماً مقيماً دائماً،
﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ* حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾
لو أن الإنسان وازن بين بيته وبين القبر، بين بيتٍ مؤلفٍ من غرفٍ كثيرة، وأجهزةٍ عديدة، وزوجةٍ، وأولاد، وأصدقاء، وأصحاب، وبين أن ينزل وحده في القبر، ماذا في القبر؟ إن أصعب ليلةٍ يقضيها الإنسان في قبره: " ينادى: أن يا عبدي، رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت ".
الإنسان خاسر لأن مضي الزمن وحده يستهلكه :
أيها الأخوة، الإنسان حينما يتأقلم مع حدث الموت، حينما يتفاعل معه تفاعلاً إيجابياً، حينما يعد لما بعد الموت العمل الصالح، يعد لما بعد الموت الإنفاق في سبيل الله، يعد لما بعد الموت طلب العلم، يعد لما بعد الموت تربية أولاده
يعد لما بعد الموت إنفاق ماله في وجوه الخير، يكون إنساناً موفقاً جداً، فلذلك الله عز وجل أقسم بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول، الذي هو في حقيقته زمن، أقسم له وقال:
يعد لما بعد الموت إنفاق ماله في وجوه الخير، يكون إنساناً موفقاً جداً، فلذلك الله عز وجل أقسم بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول، الذي هو في حقيقته زمن، أقسم له وقال:
﴿ وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
فالإنسان خاسر، لأن مضي الزمن وحده يستهلكه، لذلك الله عز وجل كأنه يعاتبنا يقول:
﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴾
ألهاكم جمع المال، جمع الدرهم، والدينار، ألهاكم أن تغوصوا في المباحات،
﴿ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾
المقابر، القبر معروف، ماذا في القبر؟ لا ينزل مع الإنسان إلى قبره إلا عمله الصالح، يترك دنياه كلها بثانيةٍ واحدة، ويصبح أسير عمله الصالح:
﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ* إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ* فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ* عَنِ الْمُجْرِمِينَ ﴾
بطولة الإنسان أن يؤمن بالله العظيم قبل فوات الأوان :
أيها الأخوة الكرام،
﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ* حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾
وعند الموت يعلم الإنسان علم اليقين حقيقة الدنيا، بل إن أكثر كفار الأرض فرعون الذي قال:
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
والذي قال:
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
فرعون حينما أدركه الموت قال:
﴿ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾
قال:
﴿ آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ ﴾
خيار الناس مع الإيمان خيار وقت فقط :
هناك تعليقٌ دقيق وهو: أن الإنسان له خيارات لا تعد ولا تحصى في موضوعاتٍ لا تعد ولا تحصى، لكن خياراته في هذه الموضوعات خيارات قبول أو رفض، إلا أنه في موضوعٍ واحد خياره ليس خيار قبولٍ أو رفض، بل هو خيار وقت، موضوع الموت، فالإيمان بالله عند مغادرة الدنيا لا ينفع صاحبه، هذا الإيمان جاء بعد فوات الأوان، والبطولة أن تؤمن قبل فوات الأوان، أن تؤمن في الوقت المناسب، في وقتٍ تستثمر وقتك في العمل الصالح، لأن هذا الوقت هو أنت، أنت بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضعٌ منك، هذا الوقت هو أنت، إنك بضعة أيام، وأسابيع، وأشهر، فلذلك:
كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والـــجبروت
والليل مهما طــــال فلا بد من طلوع الفـــجر
والعمر مهما طــــال فلابد من نزول الــــقبر
* * *
وكل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
فــإذا حملت إلى القبور جنازة فــاعلم أنك بعدها محمول
* * *
والليل مهما طــــال فلا بد من طلوع الفـــجر
والعمر مهما طــــال فلابد من نزول الــــقبر
* * *
وكل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
فــإذا حملت إلى القبور جنازة فــاعلم أنك بعدها محمول
* * *
على الإنسان ألا يسعى للدنيا الزائلة و ينسى الآخرة الباقية :
﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ* حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ* كَلَّا ﴾
هذه أداة ردعٍ ونفيٍ، إياك أن تكون غافلاً، إياك أن تكون لاهياً، إياك أن تسعى لدنيا زائلة، وتنسى الآخرة الباقية،
﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ* حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ* كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾
لابد من أن يعرف الإنسان الحقيقة عند الموت، قال تعالى:
﴿ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾
لذلك الحقيقة التي جاء بها الأنبياء يعلمها كل البشر عند الموت، ولكنهم يعلمونها بعد فوات الأوان، لم يبقَ إلا الندم:
﴿ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾
﴿ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ﴾
﴿ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً ﴾
أيها الأخوة الكرام، هذه السورة:
﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ* حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ* كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ* كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ* لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ* ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ* ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق