الأحد، 28 أكتوبر 2018

جاء سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام
بأم إسماعيل وابنها- وهي ترضعه-
 حتى وضعهما عند الكعبة ،
عند ( دوحة فوق زمزم ) في أعلى المسجد ، وليس بمكة يومئذ أحد ، وليس بها ماء ، فوضعهما هناك ،
 ووضع عندهما جراباً ( وعاء من جلد ) فيه تمر ، وسقاء فيه ماء .
ثم قفـّى إبراهيم عليه السلام منطلقاً .
فتبعته أم إسماعيل ،
 فقالت
 يا إبراهيم ؛ أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ، ولا شيء ؟!
قالت له ذلك مراراً وهو لا يلتفت إليها ...
فقالت له :
 آلله أمرك بهذا ؟
قال : نعم .
قالت ( قول الواثق بربه المؤمن به ) :
 إذاً لا يضيّعنا .

ثم رجعت ، فانطلق إبراهيم عليه السلام ، حتى إذا كان عند الثنيّة ( منطقة الحجون ) حيث لا يريانه
 فاستقبل بوجهه البيت ،
 ثم دعا بهؤلاء الدعوات :
 ربّ
إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم .. " حتى بلغ " يشكرون "

وجعلت أم إسماعيل تشرب من ذلك الماء ، ويدر لبنها على صبيّها ، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت ، وعطش ولدها ، وجعلت تنظر إليه يتلوّى ،
فانطلقت كراهية أن تنظر إليه وهو على هذه الحال ، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها ،
 فقامت عليه ، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً ؟ فلم ترَ أحداً ،

فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ( ثوبها ) ثم سعت سعْيَ الإنسان المجهود ( الذي أصابه الجهد والتعب ) حتى جاوزت الوادي ،
ثم أتت المروة ( الجبل الصغير المقابل للصفا ) ،
فنظرت هل ترى من أحد ، فلم ترَ أحداً .
ففعلت ذلك سبع مرات ...

قال ابن عباس رضي الله عنهما :
 قال النبي صلى الله عليه وسلم :
 فذلك سعي الناس بينهما

 فلما أشرفت على المروة (في الشوط السابع ) سمعت صوتاً ،
فقالت :
 صهْ - تريد نفسها – ثم تسمّعتْ ، فسمعتْ ايضاً ( الصوت الذي سمعته سابقاً )
 فقالت :
قد أسمَعْتَ إن كان عندك غواثٌ ( الغوث والمساعدة ) ( فعادت إلى ابنها )
 فإذا هي بالملَك عند موضع زمزم ،
فبحث بعقبه – أو جناحه – حتى ظهر الماء ، فجعلتْ تحوضُه ( تجعله مثل الحوض ) ، وتقول بيدها هكذا ( لا تريده أن يخرج من الحوض )
 وجعلت تغرف في سقائها ، وهو يفور ، وكلما غرفتْ عاد الماء كما كان يملأ الحوض .

قال ابن عباس رضي الله عنهما :
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
 رحم الله أم إسماعيل
 لو تركت زمزم – أو قال : لو لم تغرف من الماء – لكانت زمزم
عيناً معيناً " ( جاريةً على ظهر الأرض ) .

قال :
 فشربت ، وأرضعت ولدها .
فقال لها الملَك :
 لا تخافوا الضيعة ( الهلاك ) فإن ههنا بيتاً يبنيه هذا الغلام وأبوه ،
 وإن الله لا يُضَيّع أهله ( الصالحين )

وكان البيت مرتفـَعاً من الأرض – كالرابية – تأتيه السيول ، فتأخذ عن يمينه وعن شماله .
فكانت كذلك ( مر عليها زمن على هذه الحالة ) حتى مر بهما رفقة من ( قبيلة جُرهُم ) أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كـَداء ، فنزلوا أسفل مكة ،
فرأوا طائراً عائفاً ( يحوم على الماء ويتردد ، ولا يمضي عنه )
فقالوا:
إن هذا الطائر ليدور على ماء ، لَـَعهدُنا بهذا الوادي وما فيه ماء ،
 فأرسلوا جرِيّاً أو جَريّتين ( رُسلاً )
 فإذا هم بالماء ،
فرجعوا ، فأخبروهم ، فأقبلوا وأم إسماعيل على الماء ،
 فقالوا :
 أتأذنين لنا أن ننزل عندكِ؟
قالت :
نعم ، ولمن لا حق لكم في الماء .
قالوا : نعم.
قال ابن عباس :
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
 فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس ( تأنس إلى الناس وترغب بمجاورتهم )

 فنزلوا ، فأرسلوا إلى أهليهم ، فنزلوا معهم ، حتى إذا كانوا بها أهل أبيات ( بنَوا بيوتاً حول الماء )
 وشب الغلام ،
وتعلم العربية منهم ( فهو عراقي الأصل وولد في فلسطين ، ولغة أبيه غير العربية ) وأنفَسَهم ( أعجبهم لما فيه من شمائل حميدة ) وأعجبهم حيث شبّ ،
فلما أدرك ( بلغ مبلغ الرجال ) زوّجوه امرأة منهم .
وكان إبراهيم عليه السلام يزورهما ويتفقدهما كل حين ..

وماتت أم إسماعيل ،
فجاء إبراهيم عليه السلام بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركتَه ( يتفقد آل بيته )
 فلم يجد إسماعيل ،
 فسأل امرأته عنه ،
فقالت : خرج يبتغي لنا – وفي رواية يصيد لنا –
 ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم ،
فقالت :
 نحن بِشَرّ ، نحن في ضيق وشدة ، وشكَت إليه ...
قال :
فإذا جاء زوجك فأقرئي عليه السلام ،
 وقولي له : يغيّرْ عتبة بابه .

 فلما جاء إسماعيل كأنه آنس ( أحسّ) شيئاً ،
فقال :
هل جاءكم من أحد ؟
قالت:
 نعم ، جاءنا شيخ كذا وكذا ، فسألَنا عنك ، فأخبرتُه ، فسأني : كيف عيشنا ؟ فأخبرته أننا في جهد وشدة .
قال :
 هل اوصاك بشيء؟
قالتْ :
 نعم ، أمرني أن أقرأ عليك السلام ،
 ويقول : غيّرْ عتبة بابك .
قال :
 ذلك أبي ، وقد أمرني أن أفارقك ..
 الحقي بأهلك ، فطلّقها ...
وتزوّج منهم أخرى .
فلبث ( غاب ) عنهم إبراهيم عليه السلام ماشاء الله ،
ثم أتاهم بعدُ ، فلم يجده ،
 فدخل على امرأته ، فسأل عنه .
قالت :
 خرج يبتغي لنا .
قال :
 كيف أنتم ؟ وسألها عن عيشتهم وهيئتهم ، فقالت :
 نحن بخير وسعة . وأثنت على الله تعالى . فقال لها :
 ما طعامكم ؟
قالت: اللحم .
 قال : وشرابكم ؟ قالت : الماء .
قال :
 اللهم بارك لهم في اللحم والماء .

قال النبي صلى الله عليه وسلم :
 ولم يكن لهم يومئذ حَبّ ، ولو كان لهم دعا لهم فيه
.
ثم دعته إلى طعامهم وشرابهم ...
ثم قال لها :
 إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام ،
 ومريه أن يثبت عتبة داره .

فلما جاء إسماعيل قال :
 هل أتاكم من أحد؟ قالت نعم ، أتانا شيخ حسن الهيئة ، وأثنت عليه ، فسألني عنك ، فأخبرته، فسألني : كيف عيشنا ؟ فأخبرته أنا بخير ..
قال إسماعيل : فأوصاك بشيء ؟ قالت: نعم ، يقرأ عليك السلام ، ويأمرك أن تثبت عتبة دارك .
قال :
 ذاك أبي ، وأنت عتبة بابي ، أمرني أن أمسكك.
ثم لبث عنهم ما شاء الله ،

ثم جاء بعد ذلك ، وإسماعيل يبري نبلاً ( يبري السهم قبل أن يركب في نصله وريشه ) له تحت دوحة ، قريباً من زمزم .
فما رآه قام إليه ،
فصنع كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد ( من المعانقة والترحيب وغير ذلك ) .

قال إبراهيم عليه السلام :
 يا إسماعيل ؛ إن الله أمرني بأمر .
قال إسماعيل : فاصنع ما أمر ربك .
قال : وتعينني ؟
قال : وأعينك .
قال : فإن الله أمرني أن أبني بيتاً ههنا . .. وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها .

فعند ذلك رفع القواعد من البيت ، فجعل إسماعيل يأتي يبالحجارة ، وإبراهيم يبني .. حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر ( الحجر الأسود ) فوضعه له . فقام عليه وهو يبني ، وإسماعيل يناوله الحجارة ، وهما يقولان

 ربنا تقبل منا ، إنك أنت السميع العليم ..

ليست هناك تعليقات:

المتابعون

أرشيف المدونة الإلكترونية