الحبيب المصطفى « ١١٦ »
السيرة المحمدية العطرة
(( الهجرة .. خيمة أم معبد ))
___________
مضى صلى الله عليه وسلم في هجرته ، حتى إذا كان في القديد (( القديد وادى فى السعودية ، به مساكن قبيلة خزاعة )) .. كان هنالك خيمة لامرأة خزاعية ، مشهورة بكنيتها {{ أم معبد }} .. اسمها عاتكة ، يقول أصحاب الحديث في وصفها :
كانت أم معبد امرأة برزة جلدة ، [[ معنى برزة أي تبرز للناس في الطريق ، وتستقبل الرجال لأنها إمرأة عفيفة شريفة مسنة ، جلدة أي قوية لا يستطيع أحد أن يدوس طرفها ]] .. تختبئ بفناء خيمتها ، [[ أي تجلس في ساحة خيمتها والاختباء ، هو أن تضع قطعة قماش على ظهرها وكتفها وتجمع عليه رجليها ]] .. وكانت هذه المرأة ، تطعم وتسقي وتستضيف المسافرين ، بدون سابق معرفة بهم ، فهى امرأة معروفة لكل من اعتاد المرور فى هذا الطريق ..
___________
وكان أبو بكر صاحب القوافل والتجارة يعرفها ، فلما مروا بها ، وكانوا مرملين مسنتين ، (( أى نفذ زادهم وأصابهم القحط )) .. قال أبو بكر :
بأبي وأمي يا رسول الله .. هناك خيمة أم معبد ، لعلنا نجد عندها شيء نشتريه ..
اتجهوا إلى خيمتها ، فسلم عليها النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا أم معبد ، هل عندك من طعام أو تمر نشتريه؟؟.. فقالت : والله لو كان عندنا شيء ما أعوزناكم [[ أي لا يوجد عندنا شيء للشراء ]] .. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أم معبد ، هل عندك من لبن؟؟..
قالت : لا والله ..
فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسر الخيمة ، (( أى جانبها )) .. فوجد شاة ، فقال : ما هذه الشاة يا أم معبد؟؟..
قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم [[ يعني ضعيفة هزيلة لا تقدر على المشى مع الأغنام كى ترعى معهم ، فذهب الغنم وبقيت هى ]] ..
قال عليه الصلاة والسلام : هل بها من لبن؟؟..
قالت: هي أجهد من ذلك (تعنى أنها لضعفها، لا يمكن أن يكون بها من لبن)
قال عليه الصلاة والسلام : أتأذنين لي في حلبها؟؟..
(( تأملوا هذا الأدب النبوى ، يستأذن المرأة أولا قبل أن يقترب من شاتها ، فلا يهجم عليها ، ولا يتصرف تصرف الفضولى )) ..
قالت : والله ما ضربها من فحل قط ، [[ أي لم تحمل ولم تلد حتى تحلب يوم من الأيام ]] ..
قال : أتأذنين لي أن أحلبها يا أم معبد؟؟..
قالت : بأبى أنت وأمى ، إن رأيت بها حلبا فاحلبها !
___________
تأملوا هذا النبي الكريم حينما يتعامل مع هذه المرأة أم معبد ، بأسلوب يفيض احترامًا وإجلالًا وتقديرًا ، وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن لطيفًا مقدرًا لكل مَن يلتقي بهم ، لا من رجل ولا امرأة ، لا من مسلم ولا غير مسلم ، فهذا حق ينبغي أن يصدر من الإنسان الذي يمثل أخلاق الإسلام ، أن يُقدِّر من يلتقي به ، وأن يتحدث معه بما يليق ..
لذلك ، فلما استأذن عليه الصلاة والسلام : أتأذنين لي أن أحلبها؟ قالت : بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلبًا ، فاحلبها ..
وتأملوا هذه المرأة حينما تفدي رسول الله بأبيها وأمها ، مع أنه أول لقاء بينهما ، وما ذلك إلا لأنه أسَر قلبها ، وحلَّ به حبًّا وتقديرًا لأمرين : لَما رأت عليه من أخلاق النبوة ومهابة الفضل والشرف ، ولما كان يتعامل معها من أدب واحترام ..
___________
فدعا النبي بالشاة ، [[ أي قال قربوها ، فقربها أبو بكر ]] ..
يقول أبو بكر : فمسح صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة ظهرها وساقيها ، وسمى الله جل ثناؤه .. ودعا لشاتها قائلا : اللهم بارك لنا في شاتنا .. فاجترت ، [[ أي أصبحت تحرك فمها كأنها تأكل العشب ]] ..ثم تفاجت ، [[ تفاجت أى الضرع لمتلأ حليبا ، فتفاجت أى فتحت رجليها ]] ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم .. فمسح ضرعها صلى الله عليه وسلم ، وغسله بشيء من ماء ، ثم قال : إليّ يا أم معبد بوعاء ، قال : فأحضرت له وعاء يربض الرهط ،
[[ أي وعاء كبير ، يكفى لإشباع رهط من الناس ، والرهط هو عدد من الناس حتى عشرة أفراد ]] ..
فأحضرت له وعاء يربض الرهط ، فرفع ساقها صلى الله عليه وسلم كي يحلبها ، فحلب بها ثجاً حتى علتهُ الثّمالة ..
سبحان الله ، أنظروا إلى فصاحة اللغة العربية التي ابتعدنا عنها ..
[[ الثج أي ينزل الحليب بقوة ، ويضرب الوعاء بصوت ، فكان الحليب ينزل بقوة ، وله رغوة بيضاء علته الثمالة أي تعلوه الرغوة البيضاء التي تدل على دسم الحليب ]] ، حتى امتلأ الوعاء .. فسقى أم معبد ، فقالت : اشربوا أنتم أولا ..
قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : لا اشربي أنتِ أولاً ،
فشربت حتى رويت ..
ثم سقى أبا بكر الصديق والدليل وابن فهيرة ، حتى شربوا جميعاً .. ثم أخذ الوعاء وشرب صلى الله عليه وسلم ، وقال :
{{ ساقي القوم آخرهم شرباً }} ..
ثم عاد إلى العنزة وحلبها مرة ثانية ، عللاً بعد نهل ، [[ أي زيادة فربما احتاج أحد أن يشرب مرة أخرى ]] ، صلى الله عليه وسلم ..
___________
وقد جاء في بعض الروايات عن {{ هند بنت الجون }} ، التى تكون أم معبد خالتها ، وقد أسلمت فيما بعد .. أنه لما كان بخيمة خالتها أم معبد ، قام ليتوضأ صلى الله عليه وسلم ، فدعا بماء فغسل يديه ، ثم تمضمض ومجّ ذلك في عوسجة ، [[ أي بصق ماء المضمضة في حوض من أحواض الزرع ]] ، بجوار باب الخيمة ..
فأصبحت هي أعظم دوحة ، [[ يعني بعد فترة نبت في هذا الحوض شجرة ذات فروع كثيرة ]] ، وكان لها ثمر كبير في لون الورس ، [[ اي تشبه لون شجرة الكركم ]] .. وكانت رائحتها العنبر ، وطعمها الشهد ،
ما أكل منها جائع إلا شبع ، ولا ظمآن إلا روي ، ولا سقيم إلا برىء ، ولا أكل من ورقها بعير ولا شاة إلا درّ [[ أي در الحليب ]] ..
فكنّا نسميها المباركة ، فأصبحنا في يوم من الأيام وقد سقط ثمرها ، واصفر ورقها ، ففزعنا لذلك ، فما راعنا إلا وقد وصلنا خبر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ..
___________
ثم ترك الوعاء عندها ممتلِئاً ، وارتحل صلى الله عليه وسلم ..
فجلست أم معبد تقلب يديها ، وتكلم نفسها وتقول :
أتحلب الحائل؟!!.. والله إنه لأمر عجيب ، أتحلب الحائل؟!!..
[[ يعني شاة حائل ، لا حملت ولا ولدت ، ولم يقربها فحل .. كيف تحلب؟ ]] .. أي رجل هذا؟؟!!..
تقول أم معبد : فجاء أبو معبد زوجها ، يسوق أعنُزاً عِجافاً ، بدت عظامها لهزالها وضعفها ، يتساوكنّ هِزالاً ، [[ يعني تتمايل هذه الأعنز من شدة الضعف ]] ..
الحبيب المصطفى « ١١٧ »
( الجزءالاخير
من السيرة ، العهد المكى ).
(( وصف أم معبد ، لرسول الله صلى الله عليه وسلم )) ..
_________________________
رجع أبو معبد إلى البيت ، فلما رأى اللبن ، قال :
من أين هذا اللبن يا أم معبد ، وليس لكم في البيت حالب ولا حلوب؟؟!!!
قالت : أما والله لقد مر بنا رجل مبارك ، ها هو قد حلب الحائل ،
أنظر إلى الشاة .. فنظر إلى الشاة فوجد ضرعها ما زال ممتلئاً ، بعد كل هذا الحليب الموجود أمامه !!
فوقف أبو معبد مصدوما ، قال : يا أم معبد ، كيف حلب الحائل؟!
صِفيه لي يا أم معبد ..
فالآتى بعد ،
وصف الامرأة للرسول صلى الله عليه وسلم ، مر بها عليه الصلاة والسلام عابرا يستقي منها الماء واللبن ، لمحته عينيها فجاشت لزوجها بأوصافه عند رجوعه آخر النهار ، بهذه الكلمات التي يعجز كثير من بني الإنسان عن فهمها ، فضلا عن قول مثلها لو رأي الرسول صلى الله عليه وسلم .. وقد تكلمت باللغة العربية الفصحى ، وهى لغة القرآن ولغة أهل الجنة ، وللأسف الشديد نسيناها أو تناسيناها ، ونفتخر بلغة الغرب !!!..
_________________________
قالت فى وصف الرسول صلى الله عليه وسلم :
رأيت رجلا ... ظاهر الوضاءة ، أبلج الوجه ، حسن الخلق ، لم تعبه ثُجْلة أو نحلة ، ولم تزر به صلعة ، وسيم قسيم ، في عينيه دعج ، وفي أشفاره وَطَف ، وفي صوته صحل ، وفي عنقه سطع كأن عنقه أبريق فضة ، وفى لحيته كثاثة .. أحور ، أكحل ، أزج ، أقرن ، شديد سواد الشعر ، إذا صمت علاه الوقار ، وإن تكلم سما وعلاه البهاء ، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد ، وأحسنهم وأحلاهم من قريب ، حلو المنطق ، فصلا لا نزر
ولا هذر ، كأن منطقه خرزات نُظمن يتحدرن ، رِبعة ، لا تقحمه عين من قصر ، ولا تشنؤه من طول ، غُصن بين غصنين ، فهو أنظر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا ، وله رفقاء يحفون به ، إذا قال استمعوا لقوله ، وإذا أمر تبادروا إلى أمره ، محفود محشود ، لا عابس ولا مفَنَّد ... صلى الله عليه وسلم ،،،
تعقيبا على ما قالته .. أقول ، إن المرأة عبرٌَت بما أحست ولمست من كمال جماله ، وحسن مظهره ، وبهجة طلعته صلى الله عليه وسلم ، وبالرغم من أن أم معبد امرأة بدوية لا تقرأ ولا تكتب ، إلا أنها وصفت الرسول صلى الله عليه وسلم ، وصفا فى منتهى البلاغة ، ولو أخذنا نحن بدورنا في شرح كلامها لقلنا :
قولها ظاهر الوضاءة : أي أن جماله صلى الله عليه وسلم وحسن منظره ، يظهر لكل من رآه سواء كانت هذه الرؤية عن قُرب أم عن بعد ، والرجل الوضيء : أي حسن المنظر النظيف ، والوضاءة هى : الحسن والنظافة ..
أبلج الوجه : أي مشرق الوجه ، أبيض مضيء .. وجاء في لسان العرب : البلج تباعد ما بين الحاجبين وقيل ما بين الحاجبين إذا كان نقيا من الشعر .. وقيل الأبلج الأبيض الحسن الواسع الوجه ..
وقولها لم تُعِبْه ثُجْلَة أو نحلة : أي لم يعبه ضخامة البدن ، وعظم البطن واسترخاؤه .. ونُحلة أي نحول ودقة ، أى أنه أيضا ليس نحيلا ..
قولها ولم تُزر به صلعة : الصلع صغر الرأس ، وقيل ذهاب الشعر من مقدم الرأس إلى مؤخره ، وكذلك إذا ذهب وسطه ..
وقولها وسيم : أي حسن جميل ، الثابت الـحُسن كأنه قد وُسم ، وفلان وسيم أي حسن الوجه والسيما ، وفي صفته صلى الله عليه وسلم : وسيم قسيم ، قسيم : معناه أيضا حُسن الوجه ، القسامة هى الـحُسن ، ورجل مقسم الوجه أي قسمات وملامح وجهه جميلة ، كأن كل موضع منه أخذ قسما من الجمال صلى الله عليه وسلم ..
وقولها في عينيه دَعَج : أي أنه صلى الله عليه وسلم كان شديد سواد العين مع اتساعها ، شديد بياض بياضها ..
وفي أشفاره وطف : أي أنه صلى الله عليه وسلم كان طويل شعر الأجفان ، الوطف : كثرة شعر الحاجبين والعينين ، ومن طولها لها انعطاف فى أطرافها ..
وقولها وفي صوته صَحَل : أي أنه صوته صلى الله عليه وسلم ، كان فيه بَحَّة ولم يكن حادا بل كان فيه بحة وخشونة ..
وقولها وفي عنقه سَطَع : أي أنه صلى الله عليه وسلم كان في عنقه طول .. وفي حديث أم معبد وصفت المصطفى صلى الله عليه وسلم قالت : وكأن عنقه إبريق فضة ..
وقولها فى لحيته كثاثة : أى لحيته ليست طويلة ولا قصيرة ولكنها كثيفة ..
وقولها أحور : أي أنه صلى الله عليه وسلم ، كان مع شدة سواد سواد العين ، وشدة بياض بياضها كانت عينه حدقتها مستديرة .. وجاء في لسان العرب : الحور أن يشتد بياض بياض العين وسواد سوادها ، وتستدير حدقتها ويبيض ما حولها وترق جفونها ..
وقولها أكحل : أي أنه أسود أجفان العين ، أكحل أى الجفن به سواد مثل الكُحْل من غير كحل ..
وقولها أزج : أي أنه صلى الله عليه وسلم ، كان طويل الحاجب مع رقة فيه .. وقيل : زججت المرأة حاجبها بالمزَجّ أى رقّقته وطولته ..
وقولها أقرن : الأقرن أي مقرون الحاجبين (( قريب أو متصل الحاجبين )) .. وفي حديث أم معبد في صفة النبي صلى الله عليه وسلم أبلج الوجه ، والأبلج الذي قد وضح ما بين حاجبيه فلم يقترنا والبلج إذ لم يكن أقرن .. إذن فأم معبد أرادت بالبلج : أنه مشرق الوجه ولكنه ليس بعيد ما بين الحاجبين ، بدليل أنها وصفته بأنه أقرن وهو قريب الحاجبين ..
وقولها فصلا لا نزر ولا هذر : أي أنه صلى الله عليه وسلم كان كلامه مفصلا ، أى لا يتكلم بسرعة فيكون كلامه غير واضح ، وكان وسطا في الكلام ، لا قليل ولا كثير ، فالنزر هو القليل التافه وهو القليل في كل شيء ، والإنسان النزور هو قليل الكلام ، والهذر هو الكثير الرديء ، وهذر الرجل في كلامه أي أكثر الكلام بلا فائدة .. فرسول الله وصفته بأنه لم يكن لا هذا ولا ذاك ، إنما كان وسطا بين ذلك وذلك ، صلى الله عليه وسلم ..
وقولها كأن منطقه خرزات نظمن : أى أنه فصيح اللسان متزن ومرتٌَب فى كلامه ..
وقولها ربعة : أى أنه ليس بطويل ولا بقصير (( لا تقحمه عين من قصر ، ولا تشنوه من طول .. أى ليس به طول زائد ولا قصر زائد)) ..
وقولها غصن بين غصنين ، فهو أنظر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا : تصفه بين أصحابه الموجودين أمامها ، كأنه غصن بين غصنين ، لكنه أجملهم منظرا وأعلاهم قدرا ..
وقولها له رفقاء يحفون به : أى يتسابقون لطاعته ..
وقولها محفود : أي أنه صلى الله عليه وسلم كان محفودا من أصحابه أي معظما مكرما مخدوما ، والحَفْد : هو الخِدمة ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء القنوت وإليك نسعى ونحفد : أى نسارع في الخدمة والطاعة .. وفي حديث أم معبد ، محفود أي يخدمه أصحابه ويعظمونه ويسارعون في طاعته ..
وقولها محشود : أي أنه صلى الله عليه وسلم كان يجتمع عليه أصحابه فيحفون به ويحتشدون حوله .. ورجل محشود : أي عنده حشد من الناس أي جماعة ، يحفون بخدمته لأنه مطاع فيهم ..
وقولها لا عابس ولا مفند : أي أنه صلى الله عليه وسلم كان باشّاً جميل المعاشرة ، لا يهجن أحدا ، بل كان يوقّر الناس جميعهم صلى الله عليه وسلم ، وكان صاحبه كريم عليه .. جاء في لسان العرب : العابس هو الكريه المَلْقي ، الجهم المُحَيَّا (( تجد حاجبيه معقودان وعليهما كشرة )) ، والمفَنِّد : بكسر النون : الذي يقابل غيره بما يكره ، ومعنى قولها ولا مفَنِّد : أي أنه صلى الله عليه وسلم لا يفند غيره ، أي لا يقابل أحدا في وجهه بما يكره ، وهذا يدل على الخلق العظيم
___________
قال البيهقي في الدلائل وغيره من أهل السند :
كثرت غنم أم معبد ، حتى أحضرت بعض منها إلى المدينة .. فمر أبو بكر رضي الله عنه فرآها ،
فعرفه إبنها فقال :
يا أمي هذا الرجل الذي كان مع حالب الحائل ، [[ هكذا أصبح إسم النبى عندهم (حالب الحائل) ]] ..
فقامت إليه وقالت :
يا عبدالله ، مَن الرجل الذي كان معك؟؟..
قال أبو بكر لها : ألا تعلمين؟؟..
قالت : لا ، إلا أنه حلب الحائل ..
فقال لها : هذا رسول الله محمد بن عبدالله ..
قالت : أدخلني عليه فداه أبي وأمي ..
قال : فأدخلتها ، فاستقبلها صلى الله عليه وسلم أحسن استقبال ،
وأطعمها صلى الله عليه وسلم وأكرمها وأعطاها ، فأعلنت إسلامها رضي الله عنها وأرضاها ..
ولأنها مسلمة نأخذ الحديث عنها ، تقول أم معبد :
بقيت الشاة عندنا نحلبها في الصباح والمساء ، فوالله الذي لا إله إلا هو ، ما في أرض الله شيئاً يؤكل ، ولا شاة تحلب ، [[ يعني بالصيف والشتاء ، على مدار السنة ، رغم عدم وجود مرعى كى ترعى الغنم فيه وتأكل منه ، كنا نحلب هذه الشاه يوميا صباحا ومساءا ]] .. صلى الله عليه وسلم ،،،
_________________________
إلى هنا ، أكون قد ختمت السيرة فى {{ العهد المكي }} ، بكل مآسيه وأحزانه وآلامه ..
ولا يعني هذا أن السيرة انتهت ، ما زال أمامنا مشوار طويل في العهد المدني ..
وسيكون معنا فيما بعد ، الفاصل بين العهد المكي والعهد المدني ..
سنتناول من خلاله ، وصف النبي صلى الله عليه وسلم ، بحسب أقوال الصحابة والمقربين منه ، (( شكله ومظهره وطباعه وسلوكه )) .. ثم ننتقل للعهد المدني ، وكيف كانت يثرب قبل أن يدخلها صلى الله عليه وسلم عبارة عن مشاكل متراكمة من الصعب حلها ، فلما دخلها صلى الله عليه وسلم ، أنارت المدينة المنورة ، وكيف حل جميع مشاكلها صلى الله عليه وسلم ،،،
الحبيب المصطفى « ١١٨ »
السيرة المحمدية العطرة ..
[[ وصف الرسول صلى الله عليه وسلم ( الجزء الأول ) ]]
__________
نتهينا بفضل الله عز وجل من السيرة بالعهد المكي ..
وقد جعلت الفاصل بين العهد المكي والعهد المدني ، لذكر أوصاف النبي {{ صلى الله عليه وسلم }} وصفاته ..
ولقد مر معنا من قبل ، بعض من ذكرها يوم هِجرته ، على لسان أم معبد .. والآن دعونا نستعرض ما جاء من أوصافه وصفاته صلى الله عليه وسلم ، كما جاء ذكرها عن الصحابة الكرام ، وزوجته أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها ، وكل من تعامل معه ، صلى الله عليه وسلم
___________
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخماً مفخماً .. [[ أي له هيبة ]] ، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر .. وكان في وجهه استدارة ، [[ ليس مستديرا كما الدائرة ، بل أقرب إلى الشكل البيضاوي ]] ..
وكان النور في وجهه صلى الله عليه وسلم ، لا يفارقه في سائر أحواله .. في الرضا والغضب ، في عبادة وغير عبادة ، دائماً كان نور وجهه يتلألأ صلى الله عليه وسلم ..
تقول أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها :
كنت أخيط يوما ، فوقع المخيط من يدي ، فأخذت ألتمسه والدنيا ليل بعد العشاء فلم أجده ، فدخل صلى الله عليه وسلم ، فأشرق البيت ورأيت المخيط ..
فقلت : صلى الله عليك وسلم ، إن لَوَجهُك يارسول الله أنور من البدر ، [يعني وجهك به نور أكثر من البدر ] ..
يقول الصحابة رضوان الله عليهم أجمعون :
كان صلى الله عليه وسلم إذا جلس بيننا ، يتلألأ نور وجهه في الجدر ، [[ أي يروا نور وجهه على الجدران المقابلة له فى جلسته ]] .. ويفوح منه ريح ، أطيب من ريح المسك ..
[كان صلى الله عليه وسلم يستعمل الطيب ، وكان أحب الطيب إليه المسك ، إلا أن المسك الذي يفوح منه أكثر من الطيب الذي يضعه على جسده ]
ويقول أصحابه :
كان صلى الله عليه وسلم يحسن إلى الصبية ، ويترفق بهم .. فكان يمسح بكفه على رأس الصبي ،
فكان إذا مس صبيا ، يُعرف من بين الصبية سائر اليوم أن رسول الله قد مسه ، لِما يفوح من رأسه من ريح المسك ..
و نام يوماً في بيت أم سليم الأنصارية ، فوضعت تحت رأسه وسادة من جلد ، وكان الطقس حاراً .. فأخذ صلى الله عليه وسلم يتعرق ، [[ أي يتصبب العرق من وجهه ]] .. فأخذت أم سليم وعاء ، وظلت تجمع عرقه عن تلك الوسادة ، [[ لأن الوسادة من جلد ]] .. فكانت تجمعه وتضعه في قارورة ، فاستيقظ صلى الله عليه وسلم ، ورأى ما أقدمت عليه أم سليم ، فقال :
ما هذا يا أم سليم؟؟!!!
فقالت : بأبي وأمي أنت يا رسول الله ، نأخذ من عرقك ، فنطيب به طيبنا ، [[ أى يضعوا في عطرهم نقطة من عرقه صلى الله عليه وسلم ، فيزداد طيباً ]] ، ذلك لأنه مطيب من الله صلى الله عليه وسلم ..
وكان العرق في وجهه كأنه اللؤلؤ ، [[ أي من نور وجهه وجماله ، إذا عرق وأصبحت حبات العرق على جبينه أو عند أنفه أو خده ، تراها تضيء كأنها حب اللؤلؤ ، لما خلفها من نور جسده صلى الله عليه وسلم ]] ..
ولم يكن صلى الله عليه وسلم
بالطويل ولا بالقصير《ربعة》، ولكنه كان يطول من ماشاه أيا كان طوله ..
فجميع الصحابة رضى الله عنهم ، أجمعوا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ربعة ، ليس بالطويل ولا بالقصير .. ولكن كان يتميز بصفة خاصة تميزه عمن سواه ، وهي من خصائص النبوة ،
فكان إذا مشى مع أي رجل ، كانت هامته تعلو هامة من معه ..
وكمثال : كان عمر بن الخطاب يعرف بالطويل ..
يقول الصحابة عن عمر : كان عمر طويلا ، ولكنه كان إذا مشى مع النبي صلى الله عليه وسلم ، يكون رأس النبي أعلى من رأسه ..
وكان صلى الله عليه وسلم ، أزهر اللون ، عظيم الهامة ، [[ أي لونه أبيض ، ولكن ليس الأبيض الباهت ، وإنما كان أبيض فيه الحمرة .. فكان رأسه وخديه صلى الله عليه وسلم ، تميل إلى اللون الزهرى ]] ..
وهذا ما وصفه به عمه أبو طالب ،
لأن المعروف في زمانهم ، أن الذين يعيشون في الحجاز ، يغلب عليهم اللون الأسمر بحكم ظروف المناخ المشمسة .. فكانت آية ظاهرة وواضحة في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذا اللون المميز ، فكانت الشمس لا تؤثر في لون بشرته ..
لذلك لما مدحه أبو طالب في قصيدته المعروفة ب ((لامية أبى طالب)) ، قال فى شطر منها : {{وأبيض يستسقى الغمام بوجهه}} ..
لماذا يقول عنه هكذا ، إذا كان هنالك من يعادله أو يماثله فى اللون؟؟..
يقول أصحابه رضي الله عنهم ،
كان إذا أتي رجل من خارج المدينة لا يعرف النبى ، فوجد الناس مجتمعين ، والنبي صلى الله عليه وسلم واحد منهم لا يميز بلباس خاص .. كلهم أصحاب عمائم ، كلهم أصحاب لحى ، كلهم أهل تقوى وخشوع ،
والنبى كان لا يتصدر المجلس ، بل كان يجلس بين الصحابة ..
فيقف الغريب على باب المسجد
ويسأل : أيكم محمد رسول الله ،
فيقولون له : ذلك الرجل الأبيض ..
___________
وكان شعره صلى الله عليه وسلم ، ليس بالناعم السهل ، ولا بالأجعد [[ أي شعره فيه تموج ، ليس بالجعد ولا الناعم الخفيف ]] .. وكان له مشط ومرآة ، وعود من خشب يفرق به شعره من المنتصف ، وكان أحيانا يمشط شعره بكف يديه ..
وكان إذا صار شعره طويلا ، فرقه حتى يصبح جديلتين فرقه وجدله .. فعن أم هانىء قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم له أربع غدائر ( أى أربع ضفائر ) ..
وما حلق صلى الله عليه وسلم شعره ، إلا في نسك حج أو عمرة ، لذلك كان شعره يصل إلى منكبيه ، أي قريب من كتفيه ..
ولم يرى الصحابة شعره إلا عندما أحرم في حج أو عمره ، فما أجمعت عليه الأحاديث .. أنه لم يره الصحابة حاسرا شعره ((أى كاشف شعره)) ، لأنه كان دائما يلبس العمامة على رأسه ..
ولذلك ، فإن الأفضل لعلماء ومشايخ الأمة هذه الأيام ، الذين يصعدون المنابر ، وعلى القنوات الفضائية ، يدعون الناس إلى الله ، أن يستروا رؤوسهم اقتداءا بالنبى صلى الله عليه وسلم ، وهذا {{ شرع الله }} ..
فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاسرا رأسه ، إلا إذا أحرم أو كان في بيته ، لذا قالوا يصل شعره لمنكبيه ..
وعن حكم تغطية الرأس : {{ تغطية الرأس للمراة فرض }} ،
أما للرجال ، {{ سنة مؤكدة }} ..
وكذلك بالنسبة للدعاة إلى الله هذه الأيام (( المفروض أنهم متمسكون بالسنة )) .. تجد أكثرهم بدون لحية ، وعندما تسأل عالم يعتبر جليل عند الناس ، لم لا تطيل لحيتك؟؟.. يقول : خلينا نطبق الفرض أولا وبعدين نطبق السنة !!!
(( أنا أتحدث عن الدعاة ، هؤلاء المفترض أنهم متمسكون بالسنة ، وليس عن عامة الناس )) ..
وبعض الدعاة يقولون : دعونا نجذب الناس لأن اللحية تنفرهم !!.. لا والله ، الذي ينفر الناس أسلوب الدعوة ، أصدق الله في النية ، وليخرج كلامك من قلبك ، يصل لقلوب الناس ، فدين الإسلام له لذة لا يحتاج صراخ وتباكي ليصل للناس ، دع لسانك يطرق القلوب .. اللحية ليس لها علاقة بتنفير الناس ، أنت كداعية ، يجب عليك أن تطبق شرع الله ، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ..
____________________
كان صلى الله عليه وسلم ، واسع الجبين ، (( الجبين هو الحيز ما فوق صدغ الإنسان ، عن يمين الجبهة وشمالها )) ..
وكانت عيناه واسعتان جميلتان ، والحدقة شديدة السواد ، والرموش طويلة ، وشديدة السواد أيضا وكثيفة ..
وكان حاجبيه طويلين بحيث يصلان الى آخر العينين ، مقوسين ، شعرهما ثقيل ، ليس هناك اتصال بينهما إلا بشعر خفيف جدا ..
يقول جابر بن سمرة رضي الله عنه : كنت أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأقول إن النبي أكحل وهو ليس بأكحل ، [[ يعني كان يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قد وضع كحل في عينيه ]] ..
روي أن الله تعالى أوحى الى عيسى عليه السلام :
صدقوا النبي العربي الأنجل العينين (( أنجل العينين أى اتسعت وحسنت )) ، فكان ذلك من صفاته في الكتب السابقة ..
وكان النبي صلى الله عليه وسلم أقنى الأنف ، يعني محدب أو مرتفع من الوسط ، ولكن بصورة رقيقة وجميلة وجذابة ، يستحسنها كل من ينظر إليها ، وقد كان ذلك من صفة أنف يوسف عليه السلام ..
___________
أما فمه صلى الله عليه وسلم ،
يقول علي رضي الله عنه :
كان صلى الله عليه وسلم {{ حسن الفم }} ، وتقول عائشة رضي الله عنها :
كان أحسن الناس شفتين ، وألطفهم ختم فم .. [[ يعني شفتيه جميلتان إن كانتا مفتوحتين أو مضمومتين ]] ، صلى الله عليه وسلم ..
وكانت أسنانه صلى الله عليه وسلم بيضاء منتظمة ، وكان دائم الابتسام .. فعن عبد الله بن الحارث قال : {{ما رأيت أحدًا أكثر تبسماً من رسول الله }} ..
وكان براق الثنايا (( الثنايا هى مقدمة الأسنان )) ، و إذا تكلم رئي كالنور من بين ثناياه ..
وكان سهل الخدين ، [[ يعني الخد مستوي ، وليس منتفخاً ]]
ولم يكن وجهه بالمطهم ولا المكلثم (( المطهم الشيء الضخم المنتفخ ، والمكلثم امتلاء الخدين باللحم )) .. وكان في وجهه شيء من الاستدارة ، لكنه أقرب للشكل البيضاوى ..
وكان عدد الشيب في رأسه ولحيته ، لا يتعدى ٢٠ شعرة بيضاء .. كانت تحت شفته السفلية ، وكانت بعض الشعرات البيضاء موجودة فوق الذقن [[ عند التقاء شعر الراس مع اللحية ( السوالف) ]] ..
وكان بياض هذه الشعرات كبياض اللؤلؤ ، صلى الله عليه وسلم ..
____________________
وكان حسن اللحية ، يراها الصحابة وهم واقفون خلفه للصلاة ، طولها بقبضة اليد ، [[ تصل لأول صدره ]] ..
وكان أجمل عباد الله عنقاً [[ الرقبة ]] ، لا طويلة ولا قصيرة .. ما ظهر من عنقه للشمس والرياح ، كأنه إبريق فضة ، يتلألأ في بياض الفضة وحمرة الذهب ..
وكان صلى الله عليه وسلم ، ليس بالسمين ولا بالنحيل ، متناسق الأعضاء ، مشدود العضلات ، عريض الصدر ، ليس له كرش ،
وكان له شعر في أعلى صدره ، وهناك خط من الشعر الخفيف جدا لصرته ، صلى الله عليه وسلم ، وكان على يده شعر ..
يقول أنس رضي الله عنه :
{{ما شممت عنبراً قط ولا مسكاً أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم }} ..
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صافح رجلًا ، تبقي رائحته في يد من صافحه ..
وروي مسلم ، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال :
صليت مع الرسول ، ثم خرج فاستقبله ولدان ، فجعل يمسح خدي أحدهم واحداً واحداً ، ثم مسح خدي ، فوجدت ليده ريحاً ، كأنما أخرجها من جونة عطار ..
[[ الجونة ، هى الوعاء الذي يضع العطار فيه العطر ]] ..
وكان وجهه كالقمر [[ لشدة جماله ]] ، لو نظرت إليه لقلت أن الشمس ساطعة ..
فكان فخماً مفخماً ، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر ..
يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه ، شاعر النبي صلى الله عليه وسلم :
أحسن منك لم تر قط عيني * * * وخير منك لم تلد النساء ..
خلقت مبرئا من كل عيب * * * كأنك قد خلقت كما تشاء ..
هل أصف لكم نعيم الجنة؟؟؟..
يكفيها من النعيم والجمال أن فيها :
{سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم }
الحبيب المصطفى « ١١٩ »
وصف الرسول صلى الله عليه وسلم (( الجزء الثانى )) ..
___________
صلى الله وسلم عليك يا حبيبي يارسول الله ..
تحدثنا فى الحلقة السابقة ، عن وصف النبى من ناحية الشكل والهيئة .. دعونا الآن نتناول بالحديث ، صفاته وطباعه صلى الله عليه وسلم ..
كان يلبس ما يتيسر له من الملابس التي كانت معروفة في قومه ، فلم تكن ملابسه مميزة عن عامة الناس ..
وكان يضع على رأسه عمامة ، وهكذا كان كل العرب في ذلك الوقت ، وكان يلبس العمامة وتحتها قلنسوة ، [[ القلنسوة ، هي الطاقية كالتى يلبسها الحاج ]] .. وكان في بعض الأوقات يلبس العمامة بدون قلنسوة ، وكان لعمامته ذؤابة ، ((مثل ذيل للعمامة ينزل للخلف على ظهره بين كتفيه)) .. وقد ذكرت لكم ليلة الإسراء والمعراج عندما أخبره جبريل ، بأن يلبس عمامة سوداء لها ذؤابتان ، وكان له عمامة بيضاء وعمامة سوداء وخضراء ، وربما ألوان أخرى ..
ولم تكن عمامته صلى الله عليه وسلم كبيرة بحيث يؤذيه حملها ، ولا صغيرة لا توفي الرأس حقه من الوقاية والحماية ، بل كانت وسطا بين ذلك ..
وكان أكثر لبسه للجلباب صلى الله عليه وسلم ، ويلبس الجبة والقميص ، [مثل العباية التي يلبسها الشيوخ ]
وكان صلى الله عليه وسلم ، يلبس السروال تحت ملابسه [[ نسميه الآن بوكسر ، كان يلبسه الرجال ولكنه طويل ]] ..
وكان يلبس جميع أنواع القماش عدا {{ الحرير }} ، وكان يفضل الثياب المصنوعة من القطن ، وكان يحب اللون الأبيض في اللباس ..
___________
وكان صلى الله عليه وسلم يلبس في قدميه النعل ، [ما نسميه الصندل ] وكان يلبس الخف [[ الخف مثل الجوارب ، ولكنه من جلد ويغلق من الجانب ]] ..
هذا هو الخف ، الذى يجوز المسح عليه للوضوء ، مع مراعاة أحكام وشروط المسح على الخفين ، والآن ينطبق على الجوارب نفس أحكام المسح على الخفين ..
وكان صلى الله عليه وسلم ، يلبس خاتم من فضة مكتوب عليه : {{ محمد رسول الله }} ،
وكانت الكتابة من أسفل إلى أعلى ، لأنه صلى الله عليه وسلم أراد بذلك ، ألا يعلو اسمه على اسم الله تعالى ، فكانت الكتابة هكذا :
الله رسول محمد
وكان صلى الله عليه وسلم ، يلبس الخاتم في أصبعه الخنصر ، [[ يعني الأصبع الصغير ]] .. وكان يلبسه في يده اليسرى أحيانا ، وفي اليمنى أحيانا أخرى ..
____________________
وكان صلى الله عليه وسلم يحب الطيب ، [[ العطر ]] ..
وكان اسم عطره الذي يتطيب به {{ الغَالِيَةُ }} .. إذا أردت شراء عطر من محل العطور ، أطلب تركيبة عطر الرسول صلى الله عليه وسلم ، (( كانت تركيبته من مسك وعنبر وعود وكافور)) ..
وكان أحياناً يتطيب بالمسك وحده ، [[ ولكنه كان المسك الأصلى ، وليس المسك المغشوش الذى يباع هذه الأيام ]] ..
وكان صلى الله عليه وسلم يأكل جالسا على الأرض ، يجثو بركبتيه ، أو ينصب رجله اليمنى ويجلس على اليسرى ..
وكان صلى الله عليه وسلم ،
يأكل بأصابعه الثلاثة الإبهام والسبابة والوسطى ، وأحيانا كان يأكل بأصابعه الخمسة ، وكان يأكل بيده اليمنى ولا يأكل باليسرى (وقد نهى عن ذلك) ..
وكان صلى الله عليه وسلم إذا شرع فى الأكل ، يبدأ بالتسمية " بسم الله" .. وكان يكرم ضيفه بتقديم الطعام له وعرضه عليه مرارا وتكرارا ، وكان يحب الحلوى والعسل ، وكان يأكل اللحم مطبوخا ومشويا .. وإن كان النبى ضيفا عند قوم وقدموا له الطعام ، فلا يخرج من عندهم قبل أن يدعو لهم قائلا : (( اللهم بارك لهم فيما رزقتهم ، واغفر لهم وارحمهم )) ..
وكان لا يتكلف في أكل الطعام ، بل كان يأكل ما يقدم إليه ، وإذا لم يحب شيئا ، لا يأكله دون أن يعيبه .. فكان مثلًا لا يأكل البصل النيء ولا الثوم النيء ولا الجراد ، ولا يحب أكل الكليتين ، دون أن يعيب هذه المأكولات ..
وكان قليل الأكل ، تقول عائشة رضي الله عنها :
{{ لم يشبع يومين متتاليين }} ..
وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبيت الليالي المتتابعة لا يجد عشاء ، تقول فاطمة ابنة النبى رضي الله عنها ، أنها ناولت النبي صلى الله عليه وسلم كسرة خبز ، فقال لها :
هذا أول طعام أكله أبوكِ منذ ثلاثة أيام ..
___________
وكان صلى الله عليه وسلم يشرب ثلاثا ، يتنفس بينهم ، ويبعد الإناء عن فيه ونفسه ، وكان يجلس أثناء الشراب ..
وكان ينام على جنبه الأيمن ، ويضع يده تحت خده ..
وكان صلى الله عليه وسلم ،
ينام على الحصير ، وكان فراشه مصنوع من جلد محشو بالليف ، [[ الذي يؤخذ من النخيل ]] ..
وكانت وسادته [[ مخدته ]] ، أيضا من جلد محشو بالليف ..
وكانت مشيته صلى الله عليه وسلم ، كأنه ينحط من صبب ،[[ أي كأنه ينزل من منحدر ]] .. وكان معتدلا فى مشيته ، فلم يكن متماوتا ، ولا مهرولا مضطربا ، ولكن يمشى مشيا قويا ،
وكان كلامه صلى الله عليه وسلم ، تقول عائشة رضي الله عنها :
لم يكن يسرد الحديث كسردكم ، [[ يعني الكلام لم يكن متصلا ببعضه البعض ]] .. بل كان النبي يحدث حديثا ، لو عده العاد لأحصاه ، وكان إذا حدث بحديث تبسم في حديثه ..
وكان صلى الله عليه وسلم إذا التفت ، التفت بجميع جسده وليس برأسه فقط ، وكان يُقبل بوجهه على كل من يحدثه ، ولا ينصرف عنه النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه ، حتى يكون الرجل الذي يحدثه هو الذي ينصرف عنه أولا ..
وكان إذا صافحه أحد ، لا يكون هو أول من يسحب يده من المصافحة ، وكان يظهر الاهتمام بكل الناس ، حتى أنه جعل كل واحد من أصحابه ، يعتقد أنه خير القوم وأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لدرجة أن عمرو بن العاص رضي الله عنه ،
قال : كان صلى الله عليه وسلم يقبل بوجهه وحديثه عليّ ، حتى ظننت أني من خير القوم ..
فقلت : يا رسول الله ، أنا خيرٌ أم أبو بكر؟..
قال : أبو بكر ..
قلت : يا رسول الله ، أنا خيرٌ أم عمر؟..
قال : عمر ..
قلت : يا رسول الله ، أنا خيرٌ أم عثمان؟..
قال : عثمان ..
يقول : فصدقني ، فوددتُ أني لم أكن سألته
وكان صلى الله عليه وسلم ، لا يضحك بصوت مرتفع ، ولكن كان ضحكه أن يبتسم ..
وكان صلى الله عليه وسلم دائم التبسم ، روي الترمذي عن عبد الله بن الحارث ، قال :
ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
وكان إذا سُرٌَ ، استنار وجهه كأنه قطعة قمر ..
وكان بكائه من جنس ضحكه ، بلا شهيق وبلا صوت مرتفع ..
وكان صلى الله عليه وسلم كثير البكاء من خشية الله تعالى ، وربما زار مريضا فبكى رحمة له ..
وكانت له هيبة صلى الله عليه وسلم ، وكان هادئا رزيناً وقورا ، كما وصفته ام معبد وتحدثنا عن وصفها في الحلقة رقم "١١٧" :
((إن صمت فعليه الوقار ، وإن تكلم سما وعلاه البهاء)) ..
وكان من وقاره صلى الله عليه وسلم كما قلنا ، أنه لا يضحك بصوت مرتفع ، ولا يبكي بصوت مرتفع ، ولا يكثر المزاح ..
ولذلك كان الصحابة يجلسون في مجلسه صلى الله عليه وسلم ، كأن على رءوسهم الطير ..
وكان جل الصحابة لا يستطيعون التمعن في وجهه ، من شدة هيبته وأنواره صلى الله عليه وسلم ، ولذلك مثلا ، نجدهم احتاروا في وصف حاجبيه ، هل يوجد بين حاجبيه شعر متصل أم لا؟؟..
يقول عبدالله بن عمرو ، قال : صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما ملأت عيني منه قط حياء منه وتعظيماً له ، ولو قيل لي صفه لما استطعت ..
_________________________
ولقد رأته {{ قيلة بنت مخرمة التميمية رضي الله عنها }} ، قالت :
رأيت النبى صلى الله عليه وسلم ، وكان جالسا القرفصاء فى المسجد ، فأخذنى المنظر ، لما رأيت من جلوسه على الأرض ، ((وكأنها قارنت بينه وبين كسرى وقيصر والنجاشى ، الذين يجلسون على العروش)) .. تقول : فأرعدت ( أى أصابتنى رعشة ) ، من الخوف من الله سبحانه وتعالى ، ومن إجلال النبى صلى الله عليه وسلم ، وهو على هذه الهيئة فى جلسته ..
ودخل علي النبى إعرابي ، فلما رآه أخذ يرتعد بشدة ..
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :
هون عليك ، فإني لست بملك ولا جبار ، إنما أنا ابن امرأة من قريش ، كانت تأكل القديد بمكة ، [[ القديد هو اللحم المجفف ]] ..
صلوات ربي وسلامه عليك يا حبيبي يا رسول الله ..
الحبيب المصطفى « ١٢٠ »
(العهدالمدني - البداية)
السيرة المحمدية العطرة .. (( مشاكل المدينة ، قبل أن يدخلها صلى الله عليه وسلم ))
____________________
انتهينا في الهجرة ، عند خيمة أم معبد ، وقبل أن نشرع بحديث وصول النبي صلى عليه وسلم للمدينة ، ونزوله بقباء ، وكيف كان استقبال أهل المدينة له ..
لا بد لنا من أن نلقي نظرة على {{ مشاكل المدينة }} ، قبل دخوله عليها صلى الله عليه وسلم ..
فلقد اجتاز النبى المرحلة الصعبة في تاريخ الدعوة ، وهي مرحلة الدعوة المكية ، والتى استمرت {{ ١٣ سنة }} كانت مليئة بالاضطهاد الشديد للغاية ، والتعذيب ، والتضييق ، والحرب الإعلامية .. لكن الواقع أيضا ، أن العهد المدني ، كان صعبا وليس بالسهل أبدا ..
دعونا نرى ما الذي واجهه صلى الله عليه وسلم ، عندما هاجر إلى المدينة ، وكم تحمل نبينا صلى الله عليه وسلم من المصاعب ، في سبيل دعوته إلى الله ..
___________
١ - الحروب بين الأوس والخزرج :
كانت المدينة تموج بالحروب الأهلية بين {{ الأوس والخزرج }} ، ولقد حدثتكم من قبل عن الأوس والخزرج في الحلقة {{ ٩٦ }} ، أنهم أوس وخزرج أصلهم أخوة ، من أم واحدة اسمها {{ قيلة }} ،
وكذلك هم من سلالة رجل واحد .. وبرغم ذلك كانت هناك عداوة شديدة جدا بين قبيلتي الأوس والخزرج ، وبينهما تاريخ طويل من الحروب الأهلية ، عددها أكثر من عشرة حروب ،
آخرها كانت {{ حرب بعاث }} ، التي انتهت قبل الهجرة بخمس سنوات فقط ، وكانت أشهر وأدمى معركة بين اليثربيين ، والتى أورثت في نفوسهم الكثير من الثأر والاحتقانات ..
____________________
٢ - اليهود :
وجود ثلاث قبائل يهودية كبيرة في المدينة ، وهي قبائل :
- بني قينقاع ..
- وبني النضير ..
- وبني قريظة ..
وقد قابل اليهود الدعوة الإسلامية بالعداء الشديد ، والسبب أنهم كانوا يطمعون أن يكون نبي آخر الزمان واحدا منهم ، ثم كانت المفاجأة القاسية على قلوبهم ، أن بعث نبي آخر الزمان من العرب ..
والمغضوب عليهم اليهود ، كانوا يظنون أن خاتم الأنبياء سيكون منهم ، لأن أكثر الأنبياء ، من بني إسرائيل ..
ونبي آخر الزمان ، كان معروف وذِكرُه كان موجودا ، من لدن آدم ومن بعده على لسان الأنبياء والرسل جميعهم ، [[ من آدم إلى عيسى عليه السلام ، وكانوا مأمورين هم ومن تبعهم ، أن يتبعوا هذا النبي الأمي عندما يبعث فيهم ]] ..
قال تعالى :
{{ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ }} صدق الله العظيم ،،
جميع الأنبياء والرسل ، مأمورون باتباعه صلى الله عليه وسلم ، وكان عددهم كما جاء فى أغلب الروايات والأحاديث كالآتى :
- عدد الرسل {{ ٣١٣ }} ، ثلاثمائة وثلاث عشرة رسولا ..
- وعدد الأنبياء {{ ١٢٤٠٠٠ }} ، مائة وأربعة وعشرون ألف نبيا ..
واستدلوا على ذلك بالحديث الذي رُوي عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ، أنه قال :
《يا رسولَ اللهِ ، كمِ الأنبياءُ؟.. قال : مئةُ ألفٍ وعشرونَ ألفًا ، فقال : يا رسولَ اللهِ كمِ الرُّسلُ مِن ذلك؟.. قال : ثلاثُمئةٍ وثلاثةَ عشَرَ جمًّا غفيرًا ، قال : يا رسولَ اللهِ مَن كان أوَّلَهم؟.. قال : آدَمُ》، ((جما غفيرا ، أى جميعا لم يتخلف منهم أحد)) ..
كلهم مأمورون باتباع نبى آخر الزمان ، وهؤلاء الأنبياء والرسل ، منهم من تم ذكرهم فى القرآن وعددهم ٢٥ نبيا ورسولا ، (( ١٨ منهم تم ذكرهم فى سورة الأنعام ، والباقى فى سور متفرقة )) ، ومنهم من لم يتم ذكرهم فى القرآن .. قال تعالى :
{{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ }} .. وقال تعالى : (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا) ..
وكان مما قيل ، أن عدد الأنبياء والرسل الكلى ، ثمانية آلاف نبيا ورسولا .. وقيل أن عددهم كان ، ألف نبيا ورسولا ، وقيل غير ذلك ، وبعض مما قيل بأحاديث متفرقة عن الرسول عليه الصلاة والسلام ، والله أعلم ..
إذاً ، هذا النبي لو ظهر في أي أمة من الناس ، فهو فخر لهذه الأمة ليس بعده فخر ، لما له من كرامة ومحبة عند الله ..
اليهود لم يتوقعوا أبدا أن يكون هذا النبي من العرب ، ولا من ولد إسماعيل عليه السلام ؛ لأنه لم يخرج من سلالته ولا نبي واحد قط .. وهم فى نفس الوقت يعلمون جيدا وبمنتهى الدقة ، صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتبهم قبل تحريفها ..
قال تعالى :
{{ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }} صدق الله العظيم ،،
الشيء الوحيد الغير موجود في كتبهم ، هو نسب النبي صلى الله عليه وسلم ، موجود فقط أن اسمه {{ محمد }} ، وموجود أن اسمه {{ أحمد }} .. ولكن ليس مذكورا أنه :
{{ محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة ... إلى أن نصل إلى عدنان ... إلى أن نصل إلى إسماعيل عليه السلام }} ، وقد كان كل الأنبياء بعد إبراهيم عليه السلام ، من نسل يعقوب ابن اسحق ابن إبراهيم [[ أى أن كل الأنبياء بعد إبراهيم ، كانوا من بني إسرائيل،لأن يعقوب هو إسرائيل]
باستثناء نبي واحد هو إسماعيل عليه السلام وهو أبو العرب ، ولم يأتِ نبي واحد من نسل {{ إسماعيل }} .. وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم من نسل إسماعيل ابن إبراهيم عليهما السلام ، وكأن الله تعالى يقول لهم : أن الرسول صلى الله عليه وسلم ، {{ يعدل كل الأنبياء }} ..
___________
دعونا نوضح الآن بعض النقاط ، ((وهى خارج الموضوع)) .. التى قد يتساءل عنها البعض فيما يخص الأنبياء والرسل :
أولا : الفرق بين الرسول والنبى :
الجواب : المشهور عند العلماء ، أن النبي : هو الذي يوحى إليه بشرع ، ولكن لا يؤمر بتبليغ الناس ، يوحى إليه أن يفعل كذا ويفعل كذا ، يصلي كذا يصوم كذا ، لكن لا يؤمر بالتبليغ فهذا يقال له نبي .. أما إذا أُمر بالتبليغ فيبلغ الناس وينذرهم ، صار نبياً رسولًا ، كنبينا محمد ﷺ ، ومثل موسى وعيسى ونوح وهود وصالح وغيرهم ..
وقال قوم آخرون من أهل العلم : إن النبي هو الذي يبعث بشريعة تابعة لغيره ، أى تابعة لنبي قبله ، يقال له نبي ، أما إذا كان مستقلًا ، فإنه يكون نبيًا رسولًا .. فالذين بعثوا بعد موسى بشريعة التوراة يسمون أنبياء ، لأنهم تابعون للتوراة ..
والصواب هو الرأى الأول ، وهو أن الرسول هو الذي يبعث ويؤمر بالتبليغ ، حتى وإن كان تابعًا لنبي قبله كما جرى من داود وسليمان وغيرهم من الأنبياء بعد موسى ، فإنهم دعوا إلى ما دعا إليه موسى وهم أنبياء ورسل عليهم الصلاة والسلام .. لذلك فالرسول هو الذي يؤمر بالتبليغ مطلقًا وإن كان تابعًا لنبي قبله ، كمن كان على شريعة التوراة ، والنبي هو الذي لا يؤمر بالتبليغ ، وإنما يوحى إليه بصيام أو بصلاة أو نحو ذلك ، لكنه لا يؤمر بالتبليغ .. وعلى ذلك فإن : كل رسول نبى ، وليس كل نبى رسول ..
ثانيا : الأنبياء العرب : الأنبياء العرب ، هم الأنبياء الذين كانوا عربًا ، فقد ذكر في حديث أبي ذر الغفاري ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ذكر الأنبياء والمرسلين :
" منهم أربعة من العرب : هود ، وصالح ، وشعيب ، ونبيك يا أبا ذر .. طبعا معهم سيدنا إسماعيل جد النبى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ..
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لَمْ يبعثِ اللهُ نبيًّا إلَّا بِلُغَةِ قَوْمِهِ" ، ومن خلال الحديث وبعد معرفة من هم الأنبياء العرب ، قد يتبادر إلى الذهن أنهم تكلّموا اللغة العربية ، ولكن الصحيح أن أول من تكلّم العربية هو النبي إسماعيل عليه السلام ، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم :
"أوَّلُ مَنْ فُتِقَ لِسَانُهُ بِالْعَرَبِيَّةِ الْمُبَيَّنَةِ إسماعيلُ ، وَ هُوَ ابنُ أربعَ عشرةَ سنةٍ" ، كما تكلّم النبي محمد صلى الله عليه وسلم العربية ، أما بالنسبة لبقية الأنبياء العرب وهم هود وصالح وشعيب ، فالذي يغلب - والله أعلم - أنهم لم يتكلّموا اللغة العربية ، حيث قام الدليل على أن إسماعيل عليه السلام ، هو أول من نطق بالعربية .. وهم جميعا عاشوا في فترة زمنية سابقة لفترة النبي إسماعيل عليه السلام ، فهم تواجدوا بالمنطقة العربية ، لكنهم تحدثوا بلغة قومهم ، مثل هود الذى بعث فى قوم عاد الذين كانوا يسكنون الأحقاف باليمن (( بين عُمان وحضرموت )) .. وصالح أرسل إلى قومه ((ثمود)) وكانوا يسكنون الحجر بين الحجاز وتبوك .. أما شعيب فأرسل إلى أهل مدين وهى قرية على أطراف الشام من جهة الحجاز ..
____________________
دعونا نعود الآن إلى يهود المدينة .. بالرغم من أن عدد اليهود في المدينة كان كبيرا ،
إلا أنهم كانوا أقل عددا من {{ الأوس والخزرج }} .. ولذلك كان الأوس والخزرج أعلى منزلة من اليهود في المدينة ، وكان يهود المدينة يشعرون بالقهر في مواجهة الأوس والخزرج ، فلذلك كانوا ينتظرون نبي آخر الزمان لينتقم لهم من قهر الأوس والخزرج ، وكانوا دائما يقولون لهم بلغة التهديد ، (ليقينهم أن هذا النبى سيكون من بنى إسرائيل) :
{{قد أظل زمان نبي آخر الزمان ، نقتلكم به قتل عاد وإرم }} ..
وهذا بالطبع انحراف في التفكير ، ((وهو ليس بجديد على اليهود)) ، لأن نبي آخر الزمان لابد أن يكون للناس كافة ، ولا بد أن يكون رحمة للعالمين ، ولا يمكن أن يأتي نبي لمعاداة طائفة من الناس على حساب طائفة أخرى ..
فلما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم من نسل اسماعيل ، كان الأمر بمثابة الصدمة بالنسبة ليهود المدينة ، لذلك قرروا معاداة الرسول صلى الله عليه وسلم ، منذ أول يوم لدخوله المدينة .. قال تعالى :
{{ فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ }} صدق الله العظيم ،،
لذلك كان من أكبر المشاكل التى واجهت الرسول صلى الله عليه وسلم ، هي وجود اليهود في المدينة ، واليهود معروفون بخبثهم ومكرهم ومكائدهم ..
_________________________
٣ - المشركين :
وجود عدد كبير من المشركين في المدينة : صحيح أن أغلبية أهل المدينة كانوا مسلمون ، ولكن لم يكن كل من بالمدينة مسلمين ، فكان بعضهم لا يزال على شركه ، ولم يجبر الرسول صلى الله عليه وسلم أحد على الدخول فى الإسلام ، وهؤلاء المشركين ، كانوا يكرهون الإسلام ويكرهون المسلمين ، ويضمرون لهم البغض والعدواة ..
________________________
٤ - المنافقون :
بعد الهجرة ودخول أغلب أهل المدينة في الإسلام ، ظهرت طائفة جديدة وهي طائفة {{المنافقون}} ، والمنافق هو الذي يظهر ما لا يبطن .. وهذه الطائفة لم تكن موجودة في مكة ، لأن الإسلام كان ضعيفا ، ولكنها ظهرت بعد الهجرة ، وبعد أن أصبح للإسلام دولة ، وخصوصا بعد غزوة بدر .. وهذه الطائفة أخطر بكثير على الإسلام من المشركين ، لأن المشرك معروفة عداوته للإسلام ، فتستطيع أن تأخذ منه حذرك ، وأن تواجهه ، بينما المنافق مثل المرض الخفي ، الذي يفتك بالجسم دون أن تشعر به ..
ولذلك ، جعل الله عقاب المنافق أعظم من عقاب الكافر ..
يقول تعالى :
{{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ }} صدق الله العظيم ،،
____________________
٥ - المشكلة الإقتصادية :
ظهرت في المدينة مشكلة اقتصادية ، نتيجة هجرة عدد كبير من أهل مكة إلى المدينة ، وكانت موارد المدينة محدودة .. ولذلك لم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، أصحابه المهاجرين إلى الحبشة فى الهجرة الثانية وكانواما زالوا بها ، بأن يأتوا إليه في المدينة مع بداية الهجرة إليها ..
____________________
٦ - مشاكل المهاجرين الخاصة :
واجه المهاجرون عدد من المشاكل الخاصة ، كان أولها مشكلة السكن [[ لا يوجد بيوت يسكنوها ]] ، وثانيها مشكلة كبرى نتجت عن ترك المهاجرين أموالهم وأعمالهم فى مكة ، وكان أهل المدينة كلهم من المزارعين ، ((وهي مهنتهم الوحيدة)) ، وهذه المهنة لا يعرفها أهل مكة ، لأن أهل مكة ، كان عملهم بالتجارة فقط .. وثالثها أن المهاجرين ، شعروا بالغربة والحنين لبلدهم مكة ، وأي إنسان مغترب حديثا عن بلده ، سيشعر بما شعروا ، فأصيب المهاجرين بحالة من الحزن والاكتئاب ، حتى أن نصفهم أصابته الحمى بعد الهجرة ، [[ ما نعرفه الآن بالملاريا أو الأنفلونزا ]] ..
وكان اسم الملاريا قديما [[ البُردَاء ]] ، لأن من يصاب بهذا المرض تأتيه رعشة ، وعمق انتشار المرض بينهم إحساسهم بالغربة أكثر فى المدينة ..
[[ وعلميا فإن الإنسان عندما يصاب بالاكتئاب ، نتيجة الغربة أو لأى سبب آخر ، تقل المناعة في جسمه ، فيصبح أكثر عرضة للإصابة بالأمراض ]] ..
وأيضا لأن المهاجرين ، كانوا قد اعتادوا جوّ مكة الجاف ، فلما قدموا المدينة أصيب أكثرهم بالحمى ، (( بين الأنفلونزا والملاريا )) .. لأن المدينة صيفها رطب وشتاؤها قارس والمطر فيها دائم تقريبا ، قالت عائشة رضى الله عنها : لما قدم رسول الله ﷺ المدينة وهي أول أرض ، أصاب أصحابه منها بلاء وسقم ، وصرف الله ذلك عن نبيه ﷺ ، وأصابت الحمى أبا بكر وبلالا وعامر بن فهيرة خادم أبي بكر ، فاستأذنت رسول الله ﷺ في عيادتهم من شدة الحمى ، وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب ، فأذن لي ، فدخلت عليهم وهم في بيت واحد فوجدتهم يهذون من شدة الحمى ، فأخبرت رسول الله ﷺ قالت : فنظر إلى السماء وقال : «اللهم حبِّب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد ، اللهم بارك لنا في صاعنا ومدّنا ، وصحِّحها لنا وانقل حُمَّاها إلى الجحفة» ،
[[ معنى الدعاء : الصاع والمد هما مكيالان للحبوب ، والمعنى أنه يدعو الله أن يبارك لأهل المدينة فى تجارتهم وحرثهم وأشجارهم .. والشطر الثانى من الدعاء للمدينة قوله : صحٌِحها لنا وانقل حُمٌَاها إلى الجحفة ، وهو دعاء يخص الناحية الصحية ، أى يرجو الله أن تتحسن الأحوال الصحية فى المدينة وأن تنتقل هذه الحمى إلى الجحفة ، (الجحفة موضع بين مكة والمدينة وهو ميقات الإحرام لأهل الشام ومصر والمغرب ، يبعد عن المدينة حوالى ٣٠٠ كيلو مترا ، وكان سكان هذه المنطقة من اليهود) ]] ..
فاستجاب الله له فطيَّب هواءها وترابها وسكنها والعيش بها ..
____________________
وقد نشأت للمهاجرين أيضا ، مشكلة نتيجة اختلاف العادات والتقاليد لأهل المدينة عن أهل مكة .. فنساء المدينة شخصيتهم مع رجالهم فيها جرأة وقوة ، فى حين لم تكن شخصية نساء مكة هكذا مع رجالهم .. والسبب أن زوجات أهل المدينة ، كن يعملن في الزراعة مع أزواجهن ، أما نساء مكة فلا يعملن ، لأن عمل أزواجهن التجارة .. فبدأت زوجات المهاجرين ، يتعلمن من نساء الأنصار ، وحدثت مشاكل كثيرة في بيوت المهاجرين لهذا السبب ..
لذلك كان دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام ، لأنه شعر أن المهاجرين يواجهون مشاكل كثيرة ..
____________________
الخلاصة : أن هذا الجزء هام جدا في السيرة ، وكان لا بد أن أشرحه لكم بالتفصيل ، لنتعلم جميعا قادة ومسئولين ، كيف واجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، {{ النبي القائد }} هذه المشاكل فور وصوله إلى المدينة ، ولم يتهرب منها ، وكيف استطاع أن يتغلب عليها ، فالسيرة منهاج حياة لكل المسلمين مهما بلغت منزلتهم في الدولة ..
واستطاع صلى الله عليه وسلم ، أن يجعل من المدينة ، دولة قوية متماسكة في زمن قياسي ، دولة هزت عروش أعظم ملوك الأرض قيصر وكسرى ..
ما الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لمواجهة هذه المشاكل؟؟..
هذا ما سنعرفه في الحلقات القادمة ، بعد حديثنا عن وصوله قباء واستقبال أهل المدينة له ، ومدى اشتياقهم إليه ، خاصة الذين لم يروه من قبل ، بل سمعوا عنه ، صلى الله عليه وسلم ،،،
يتبع بإذن الله ..
الأنوار المحمدية
صلى الله عليه وسلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق