الأحد، 1 أكتوبر 2023

الحبيب المصطفى « ١١١ » الى 115 السيرة المحمدية العطرة

 الحبيب المصطفى « ١١١ »

     السيرة المحمدية العطرة ..    ( حصار بيت النبي صلى الله عليه وسلم )

___________

جاء فتيان قريش المختارون من كل حدب وصوب ، حسب اتفاق قريش ، إلى دار النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحاطوا بالدار إحاطة السوار بالمعصم ..  


أنظروا إلى الموقف الآن : دار محاصرة من كل جوانبها بسيوف مشرعة ، وبعد أن أُحكِمَ الحصار .. كيف يخرج النبى صلى الله عليه وسلم منها ، للذهاب إلى دار أبى بكر الصديق ، حسب الاتفاق الذى تم بينهما؟؟..  


هنا يأتي جبريل ويقول للنبي : أخرج الآن .. 

كيف أخرج الآن يا جبريل ، والدار مُحاصرة من كل الجهات؟؟..

ألم تأخذ بالأسباب وتتوكل على الله ؛ لتتعلم كل أمتك أنه من توكل على الله فلن يخيبه الله .. أليس هم يحاصرون دارك من جميع الجوانب ، وتوكلت على الله ، و تحمل القرآن في صدرك؟؟..

أعادها جبريل : أخرج الآن ؛ لتعرف الأمة الإسلامية كلها أن في القرآن أسرارًا ، السر فى القرآن .. فالقرآن ليس لبيوت العزاء ، ولا لافتتاح الحفلات ، ولا لتزيين الحوائط .. 

{{ القرآن دستور يُعمل به }} ؛ لأن فيه آيات إيمانية ، يعرف المؤمن كيف يواجه أعداءه بها .. 

 قال تعالى : {{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }} ..


أنظروا ماذا قال له جبريل ، وكأنه يعطينا درسا ، أن في القرآن اسرارًا ، كلما كان قلبك عامرا بالإيمان ، يصب عليك القرآن من أسراره ، ولكل مجتهد نصيب .. 


قال له جبريل  : يا محمد خذ حفنة من تراب ، [[ من داخل البيت ، فبيت النبي ما كان فيه بلاط ولا سيراميك ، كانت أرضيته من تراب ]] ..

قال خذ حفنة من تراب ، واقرأ عليها صدر سورة ياسين : 

بسم الله الرحمن الرحيم ..

{{ يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (٦) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٧) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (٩) }} صدق الله العظيم ،،

والسر هنا كان في الآية الأخيرة :

{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ}

 اقرأ يا محمد ، على حفنة التراب ، ثم اخرج وضع التراب على رؤوسهم جميعا ، فإنه لن يراك أحد ..

[[ كان يمكن أن يخرج فيضع جبريل جناحه عليه فلا يراه أحد .. ولكن لتعلموا إلى قيام الساعة ، سر القرآن الذي بين أيدينا ، القرآن بحاجة إلى قلب مفتوح ]] ..

جبريل قال للنبي اقرأ آيات من سورة ياسين على حفنة من تراب ولن يراك أحد ، ولم يثبت أبداً لا بحديث ولا بنص فى السيرة ، ولا حتى برواية موضوعة ، أنه قال له أنهم لن يسمعوك ..

ولكن أنظروا إلى إيمان النبي الكامل ، وهو العبد الكامل ، أيقن أنه  لن يراه أحد ولن يسمعه أحد ..

___________

عندما أخذ صلى الله عليه وسلم حفنة التراب ، وأراد الخروج .. قدٌَر الله وكل شيء عنده بمقدار [[ ولو تواعدتم لاختلفتم فى الميعاد ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولا ]] ..

عند خروجه من باب بيته ، سمع  أبو جهل يتحدث إلى فتيان قريش المرابضين حول بيت النبى ، (( يريد أن يسليهم ، حتى يظلوا متيقظين فلا يملوا أو يناموا )) .. فيقول عبارات بها تهكم واستهزاء بالنبى صلى الله عليه وسلم ..

قال أبو جهل لهم : يزعم محمد هذا ، ويشير لهم إلى بيت النبي ، 

[[ يعني هذا الموجود بين أيدينا الآن ، وما هى إلا ساعات حتى يخرج لصلاة الصبح ، فنقوم بتقطيعه بسيوفنا ]] ..

يزعم محمد هذا ، أنه إن آمنتم به وصدقتموه ، بعثتم بعد موتكم 

وكان لكم جنان كجنان الأردن والشام .. وإن أنتم لم تؤمنوا به ولم تصدقوه ، بعثتم بعد موتكم وكانت لكم نارا ذات لظى تحرقون بها .. فضحك الفتيان جميعا بسخرية ، فى نفس اللحظة التى كان صلى الله عليه وسلم ، يفتح باب بيته كي يخرج .. [[ فما خرج متسللا ، بل خرج قائما على قدميه ]] ..

سمع النبى قول أبي جهل ، فقال بأعلى صوته : نعم  أنا أقول هذا ، وأنت واحد منهم يا أبا جهل .. 

[[ النبي يتكلم !.. وقد قال له جبريل لا يراك أحد ، ولم يقل له لن يسمعك أحد ]] .. إنه إيمان النبي الكامل ، وثقته بالله عز وجل .. قال لأبى جهل : نعم أنا أقول هذا وأنت واحد منهم ..

[[ أي الذين سيدخلون نار ذات لظى ، أبو جهل منهم .. وذلك من أنباء الغيب أن أبا جهل لن يُسلم فيما بعد ، وسيدخل النار ]] ..

ثم خرج ووضع التراب على رؤوسهم واحداً واحداً وهو يردد :

{{ وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون }} .. 

فما ترك منهم فتى ، إلا ووضع التراب على رأسه .. 

___________ 

وكان من الممكن أن يخرج الرسول صلى الله عليه وسلم من البيت قبل قدوم المشركين ، وكان من الممكن أن يدعو الله عز وجل ، أن يأتيه بالبراق ، كما حدث في رحلة الإسراء والمعراج ، فيحمل الرسول من مكة إلى المدينة .. لكن الله عز وجل أراد ذلك ؛ ليكون درسًا لكل المسلمين إلى قيام الساعة ، لإثبات أن الأمر كله بيد الله ، وأنه دون توفيق الله عز وجل لا يتم أمر من الأمور ، وأيضا ظهرت المعجزة الظاهرة في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وعلى جانب آخر ، كان من الممكن أن يأخذ الله عز وجل أبصار المشركين ، فلا يقع على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أذى طيلة حياته ، ولكن هذا لم يحدث .. لقد أُلقِي على ظهره سلا الجزور ورحم الشاة ( ما يخرج من الناقة والشاة أثناء الولادة وهى المشيمة وما يتصل بها) ، وسب بأفظع الألفاظ ، ورجم بالحجارة في الطائف ، وأصيب في أُحُد أكثر من إصابة .. لم يأخذ الله عز وجل بأبصار المشركين في كل هذه المواقف ، ليُعلّم المسلمين طبيعة الطريق ، فطريق المسلم فيه كثير من الإيذاء ، وكذلك فيه كثير من الأخذ بعيون المشركين ، وعيون أعداء الله عز وجل ، يحدث ذلك مع كل المؤمنين ، نعم يكون الأمر واضحًا كمعجزة مع الأنبياء ، لكن قد يفعله الله عز وجل مع المؤمنين دون أن يطلع الناس عليه ، فيأخذ عنهم أبصار أعدائهم ، ويكفينا في ذلك قول الله عز وجل : {إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} صدق الله العظيم ،،

خلاصة القول : إن حياة الداعية وحياة الناس أجمعين بيد الله عز وجل ، والله عز وجل يكتب أحيانًا ابتلاء للمؤمن وفي ذلك حكمة ، وأحيانًا يكتب له نجاةً من الأذى وفي ذلك حكمة أيضًا ، ولا تسير الأمور إلا بقدر الله عز وجل { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } صدق الله العظيم ،،

ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين يحاصرون البيت ، وفيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وانطلق إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ..

___________

وقبل أن يخرج صلى الله عليه وسلم ، كان قد قال لعلي رضي الله عنه : يا علي ، أنظر فإنهم يحيطون بالدار ، وينظرون من خلل الباب .. [[ الخلل أي الشقوق الموجودة بالباب ، وكان الباب ألواح خشب مجمع بعضها على بعض ، وفيها شقوق .. ولأن الدار فيها سراج وفي الخارج ظلام ، فكان من بالخارج يمكن أن يرى بسهولة من بالداخل ، بالنظر خلال هذه الشقوق ]] ..

 قال لعلى : انظر إنهم ينظرون من خلال الباب ، فعليك أن تشغلهم عني ساعة ، [[ أخذا بالأسباب والحكمة ، انظروا إلى حُسن التوكل على الله ولكن مع الأخذ بالأسباب .. اعقل وتوكل ]] .. فعليك أن تنام فى فراشي هذا يا علي ، وأن تتغطى ببردي الأخضر هذا [[ أي الذي يتغطى به النبى عند نومه ، وكل قريش تعرفه ]] .. تغطى ببردي الأخضر هذا ، حتى إذا كان الفجر ، علموا أنك علي ... 

ثم تقوم برد الودائع لأصحابها ، وتلحق بي إلى يثرب .. 

من هذه الكلمات : [[ رد الودائع ثم تلحق بي ، وصلت الرسالة ]] .. عرف سيدنا علي ، ما دام النبى يقول له ، ارجع الأمانات ثم الحق بى إلى يثرب .. إذاً فهو لن يقتل لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى ، فهو يعى جيدا ما يقول .. وقد نفٌَذ علي ما أمره به الرسول دون تردد .. 

من هذا يتضح ، أن دروس الهجرة لم تكن في شخص النبي صلى الله عليه وسلم فقط ، بل كانت في شخص أصحابه أيضاً رضوان الله عليهم .. 


يتبع بإذن الله ..

الأنوار المحمدية 

صلى الله عليه وسلم

الحبيب المصطفى «  ١١٢ »

     السيرة المحمدية العطرة .. 

(( علي بن أبي طالب ينام على فراش النبي صلى الله عليه وسلم ))

________________________

خرج النبي كما ذكرنا متوكلا على ربه ، وهو يتلو القرآن .. فلم يروه ولم يسمعوه ، ووضع التراب على رؤوسهم ، ثم مضى متوجهاً إلى دار الصديق ، بعد أن ترك علي رضي الله عنه وأرضاه ، لكى ينام في فراشه ، وشرح له ما يجب عليه عمله من المبيت فى مضجعه ، ورد الأمانات فى اليوم التالى لأصحابها ، ثم اللحاق به فى المدينة .. وقبل أن يفارقه ، أراد أن يعبر علي عن سعادته باختياره لأداء هذه المهمة ، فما كان منه إلا أن أهوى إلى الأرض ساجداً (( يقال أنها أول سجدة شكر كانت فى الإسلام )) ، فلمّا رفع رأسه قال للنبى : « إمضِ لما أمرت ، فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي (سويداء القلب أى حبة القلب وأعماقه) ، ومُرني بما شئت أكن فيه كمسرتك واقع منه بحيث مرادك ، وإن توفيقي إلّا بالله » .. ثم ضمّه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدره ، وبكى إليه وبكى عليّ  لفراق رسول الله ، ثم افترقا ..

__________________

وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال له : إنه لن يخلص إليك شيء تكرهه .. وعلى هذا ،  فالنبي صلى الله عليه وسلم علم أن عليا لن يُقتل ، وكان ذلك كله بتدبير الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ..


وقد عرفت هذه الليلة بليلة المبيت ، وهو إسم الليلة التي بات فيها عليّ بن أبي طالب في فراش الرسول حفاظاً عليه ، وحين كان الرسول في طريق المدينة ، أنزل الله عليه الآية التالية في شأن علي بن أبي طالب - حسب رواية أكثر المفسرين - في حادثة ليلة المبيت :

《وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ》صدق الله العظيم ،،


وهذه الآية الشريفة المعروفة بآية ليلة المبيت ، تعتبر عند   الشيعة ، إحدى أهم الآيات الواردة في فضائل علي بن أبى طالب رضى الله عنه وأرضاه ..


وكان قد ذكر بعض العلماء والمفسرين ومنهم إبن عباس ، أن هذه الآية ، (كما جاء ذكره بالحلقة ١٠٦ بالسيرة) .. نزلت فى الصحابى الجليل صهيب إبن سنان الرومى ، بعد أن تنازل لقريش عن كل ما يمتلك ، لقاء السماح له بالهجرة ، كى يلحق بالنبى عليه الصلاة والسلام فى المدينة .. والله أعلم ،،

_________________________

نام علي بالفراش ، وطال الوقت على قريش ، وأخذوا ينظرون ..

وكلما نظروا من شقوق الباب ، يرون رجل مغطي ونائم .. فيقولون : هذا هو محمد نائم ، إلا أنهم شكّوا في الأمر ، لأن علي كان يتقلب بالفراش ، وهم يعلمون من طباع النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه كان إذا نام ، إضطجع على شقه الأيمن ولا يتقلب ..

 فساورهم الشك ، ولكن كانوا يقولون : هو محمد في برده نائم .. حتى إذا طال انتظارهم ، حدثوا بعضهم بعضاً فقالوا :

ألا نقتحم عليه داره؟؟..

{{ وهذا درس فى الأخلاق خذوه ، ولو كانوا غير مسلمين .. فالحكمة ضالة المسلم ، أينما وجدها إلتقطها }} ..


قالوا : ألا نقتحم عليه داره ، لماذا ننتظر حتى الفجر؟؟..

فقال بعضهم ، ((ويقال أبو لهب هو من قال)) : ماذا تقولون؟!!..

إنها لسبة في العرب ، أي عار هذا؟؟.. كيف إذا تحدثت العرب وقالوا : إقتحموا في الليل على بنات عمهم في خدورهن !!..  

قالوا : لا ، بل ننتظره حتى يخرج لصلاة الفجر ..

[[ كانوا كفار حقا ... ولكنهم عرب من معدن كريم وعندهم نخوة برغم كفرهم .. فرفضوا هذه الفكرة ]] ..


وقيل أنه عندما كان الإمام علي نائما ، في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم .. هبط جبريل فجلس عند رأسه ، وميكائيل عند رجليه ، وجعل جبريل يقول : 《بخ بخ ، مَن مثلك يا ابن أبي طالب!! والله عزّ وجلّ يباهي بك الملائكة》..

_________________________

إنتظرت قريش ، حتى إذا كان قبيل الفجر .. جاءهم رجل من قريش ، (( ويقال جاءهم إبليس ، كما جاءهم من قبل ، ولكن ليس بصورة شيخ نجدي حتى لا يُكتشف أمره ، بل جاء بصورة رجل عادي )) .. فقال لهم : ويحكم ماذا تنتظرون؟؟.. 

قالوا : ننتظر محمد حتى إذا خرج قتلناه بسيوفنا .. 

فقال لهم : قبٌَح الله وجهكم ، قد خرج محمد منذ ساعة ، وما ترك رجل منكم إلا ووضع على رأسه التراب ، إلتمسوا رؤوسكم .. فوضعوا أيديهم على رؤوسهم  ، وإذا التراب على رؤوسهم .. قالوا : كيف خرج؟؟..

قال لهم : قد خرج وأنتم نائمون ..

قالوا : لم ننم أبداً .. 

قال لهم : لقد خرج ووضع التراب على رؤوسكم .. 

وبين مصدقين ومكذبين ، أخذوا يتشاورون : نقتحم عليه .. لا ، لا نقتحم ، فقرروا الانتظار ، حتى إذا كان الفجر ، قام علي رضي الله عنه من الفراش ليتوضأ لصلاة الفجر .. فلما رأوه أنه علي !!!!! ، جن جنونهم ، فطرقوا الباب بشدة وقالوا : 

إفتح يا علي ، ففتح علي الباب .. 

قالوا : يا علي أين محمد؟؟.. 

قال لهم : لا أدري ، أجعلتمونى عليه رقيبا؟؟!!.. 

[[وعلي فعلاً ، لا يعلم أن النبي في غار ثور ، فلم يخبر النبي أحد عن خطة الهجرة ، إلا أبو بكر الصديق ]] ..

 قال : لا أدري !!!

[[وقريش يعلمون علم اليقين ، أنه إذا قال أحد من أصحاب محمد لا أدري ، فهو صادق ، أصحاب محمد لا يكذبون ]] ..

قالوا : ويلك قد شككنا أن محمدا هو الذي بالفراش ..  

قالوا : يا علي ألا تعلم أين ذهب؟؟.. 

قال : قلت لكم لا أدري ..  


وبرغم علمهم أن عليا لم يكذب ، قيل أنهم من شدة غيظهم ، أقبلوا عليه يضربونه ، ثم أخرجوه من البيت ، وحبسوه في المسجد الحرام لمدة ساعة ، وضربوه ضربا مبرحا حتى كادوا يقتلونه ، (( ولم يشأ علي أن يرد عليهم حتى لا تتطور الأمور ، ذلك لأنه كان وحيدا وقد هاجر كل المسلمين فلم يتبقى سوى المستضعفين منهم الذين لم يتمكنوا من الهجرة ، فضلا عن حرصه على عدم إثارة المشاكل كى يُكمل ما أوصاه به النبى من رد الأمانات إلى أصحابها ثم اللحاق به .. والأهم من ذلك أن الله عز وجل لم يكن قد شرع الجهاد ضد المشركين بعد ))   .. ثم أطلقوا سراح علي رضى الله عنه وأرضاه ، وتوجّهوا نحو المدينة يطاردون النبي ..

________________________

وهذا درس آخر فى الهجرة عن أخلاق العرب .. [[ لم يأخذوا علي كرهينة للضغط على الرسول ]] ..

ولم يقولوا إبن عمه ، وشارك فى الخطة ونام بفراشه كى يضللنا .. 


 مضمون الدرس هنا ، يتضح لنا من أنهم رغم كفرهم ، لم يُقدِموا على ما فعله الحجاج بن يوسف الثفى مثلا ((بالرغم من أنه كان واليا مسلما)) ، فى فترة خلافة الأمويين  .. عندما أمسك بشاب ذو نسب وإبن شيخ عشيرة ، ووضعه بالسجن بدون ذنب ، لمجرد أنهم كانوا يريدون القبض على رجل من نفس العشيرة وهرب منهم !!!..

ولم يطلق سراحه إلا بعد أن ذهب أبوه (( شيخ العشيرة )) للحجاج ودخل عليه بكل هدوء وقال : يا حجاج إن رجالك أخذوا إبني من غير ذنب ، ووضعوه بالسجن .. 

فقال الحجاج : وهل يُعقل هذا؟..

قال : نعم .. 

قال الحجاج له : لماذا أخذوه؟.. 

قال له : يطلبون رجل من العشيرة قد هرب واختفى فلم يجدوه ، وكوني شيخ العشيرة أخذوا إبني مكانه !! 

فقال الحجاج مبتسماً : نعم هذا يحدث كثيراً .. 

ألم تسمع قول الشاعر :

( ولرب مأخوذ بذنب عشيرة .. ونجا المُقَارِف صاحب الذنب ) ،

"المُقَارِف أى من اقترف الذنب"


فصاح الشيخ الجليل بالحجاج ، دون هيبة أو تردد وقال : 

يا حجاج !! .. ولكن سمعنا الله عز وجل يقول في القرآن الكريم غير هذا ، فقد قال تعالى على لسان نبيه يوسف :

{{ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذًا لَّظَالِمُونَ }} ..

فماذا كان رد فعل الحجاج؟؟.. 

(( رغم ظلمه وفسقه ، ولكن لم يستطع أن يتعدى نص قرآني فيه كلام الله )) ..

أنظروا إلى موقف الحجاج لما سمع الآية ، تحمل معنى عكس ما قال الشاعر .. أطرق برأسه مخزياً ، وقال : 

قطعت حجتي ، قطع الله لسانك .. أطلقوا له ولده .. 


قريش لم تفعل هذا وهم كفار ، وفعل هذا الحجاج وهو والى مسلم ، ولاه الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان على مكة والمدينة والطائف ثم أضاف إليها العراق .. فلم تأخذ علي رضي الله عنه رهينة ، بدلا من محمد صلى الله عليه وسلم مطلوبهم ، وللأسف الشديد ، ما أكثر ما نسمع (وفى دول إسلامية) ، عن تكرار ما فعل الحجاج فى العصر الحالى ..


معذرة للإطالة وذكر أحداث خارج الموضوع أحيانا ، ولكنى أعمد إلى ذلك ، حتى يكتمل المعنى ونأخذ العبرة ، فالسيرة للتأسى وليست للتسلى .. 



>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
 الحبيب المصطفى  « ١١٣ »

السيرة المحمدية العطرة ..  

(( الهجرة غار ثور ))

___________

جاء النبي إلى أبي بكر ، وكان أبو بكر قد جهز راحلتين للسفر ،فأعطاهما 

النبي عليه الصلاة والسلام لعبد الله بن أرَيْقِط ، على أن يأتى بهما في غار ثور بعد ثلاث ليالٍ ، ويكون دليلًا لهما ، فخرجا ليلة ٢٧ صفر سنة ١٤ من البعثة النبوية ، الموافق ١٢ سبتمبر سنة ٦٢٢م ، وحمل أبو بكر معه ماله كلّه .. ((فكان معه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف)) ، فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته ، (( الخوخة هي باب صغير كالنافذة الكبيرة )) .. ثم عمدا إلى غار ثور ، وهو كهف في جبل بأسفل مكة ..

 قال ابن اسحاق : ولم يعلم فيما بلغني بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد حين خرج ، إلا علي بن أبي طالب ، وأبو بكر الصديق ، وآل أبي بكر ، وعبد الله ابن أريقط ..


خرج صلى الله عليه وسلم من مكة ، وهو في الطريق وقف  على مشارف مكة ، ونظر إليها وقال : 

{{والله إنك لخير أرض الله ، وأحب أرض الله إلى الله عز وجل ، ولولا أني  أُخْرجت منك ما خرجت }} ..

___________

توجهوا إلى جبل ثور ، الذي يوجد فيه غار ثور ، وسمي الجبل بهذا الاسم عند قريش [[ لأن من نظر الى الجبل من بعيد ، يراه كأنه فى صورة رأس الثور ]] ..


يقع غار ثور على بعد نحو ٤ كيلو مترات عن مكة المكرمة في الجهة الجنوبية من المسجد الحرام ، وارتفاعه نحو ٧٤٨ مترا من سطح البحر ، وهو عبارة عن صخرة مجوفة ارتفاعها متر وربع ، وله فتحتان شرقية وأخرى غربية ، وهي التي دخل منها النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر في رحلة الهجرة النبوية ..

فصعدوا إلى الجبل ، وهي مسافة كبيرة جدا .. [[ تحتاج ساعتين لصعوده  ، نظرا للوعورة الشديدة لطريق الصعود فوق الجبل حتى بلوغ الغار ]] ..

وهم يصعدون للجبل ، أنزل الله علي رسوله ، آيات من سورة القصص :

{{ وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ }} ..

وأنزل عليه أيضا يطمئن قلبه ، وعد من الله له :

{{ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ }} صدق الله العظيم ،،

يعني ستعود مرة أخرى لمكة يا رسول الله .. 


وكانت طبيعة أرض الجبل خشنة ، يقول أبو بكر الصديق : عندما وصلنا لغار ثور ، فنظرت إلى قدمي النبي صلى الله عليه وسلم في الغار وقد تقطرتا دماً ..

____________________

والآن دعونا نسلط الضوء على دور كل فرد من أفراد عائلة أبى بكر ، حسب المهام التى حددها أبو بكر لكل منهم ، طوال الأيام الثلاثة التى سيقيم خلالها النبى عليه الصلاة والسلام وصاحبه أبو بكر الصديق رضى الله عنه بغار ثور ...  

أولا .. عبد الله بن أبي بكر :

كان عبد الله غلامًا شابًا ، معروف بالفطنة والذكاء وحُسن التلقي لما يسمعه .. وكان اختياره ، اختيارا دقيقا للمهمة التي سيُكلَّف بها وهي :

١ - التسمُّع لما يقوله أهل مكة – كما في رواية البخاري : “فلا يسمع أمرًا  إلا وعاه حتى يأتيهما وبيخبرهما به”.

٢ - المبيت عند النبي صلى الله عليه وسلم في الغار حين يختلط الظلام ، ناقلاً لهما ما سمعه ، ثم المغادرة في وقت السحر ، فيصبح مع قريش كبائت فيهم ..

والذي يصف المخاطر التي تحيط بالدعوة وينقلها إلى القيادة لا بد أن يكون دقيقًا فيما يسمع ويرى وينقل ، لأن كثيرًا من ناقلى الأخبار ، يُهوِّلون ولا ينقلون صورة دقيقة للقيادة عن هذا الواقع ، وهو ما يترتب عليه ترتيب أحكام خاطئة أو تصوّرات غير واقعية للمستقبل الذي ينتظر الدعوة .. ويمكن أن نطلق على شخصية عبد الله بن أبي بكر أنها شخصية “منضبطة” في التلقي ، والأداء والضبط ، ولو كان شخصية “مُهَوِّلة” للأحداث ، أو “متساهلة” في تقدير الخطر ، لكان من الممكن أن تطول فترة مكوث النبي صلى الله عليه وسلم في الغار أو تقصر تبعًا للوصف الذي يتلقاه ..


ثانيا .. أسماء بنت أبي بكر :

وقد مثلت أسماء وأختها عائشة ، جهاز إمداد وتموين للنبي وأبي بكر في الغار ، وسط محاولات المشركين المحمومة للعثور عليهما .. أما عائشة فقد كانت لا تزال صغيرة السن ، وبالرغم من ذلك شاركت أختها في إعداد الطعام في البيت ، وأما أسماء فكانت تنقل الطعام من البيت إلى الغار ، رغم أنها كانت فى الشهر السابع من حملها ، وقد كانت رضي الله عنها مؤهلة لذلك ، لصبرها وقوة احتمالها ، وتكتمها الأمر وحسن تصرفها في الأمور ..

ولا غرابة في ذلك ، فالمرأة ليست عنصرًا مهملاً في الدعوة ، لأنها يمكن أن تقوم بأدق الأدوار حساسية ، والتي لا يمكن للرجال أن يقوموا بها ، لما يتعرضون له من رصد ومتابعة وتضييق .. لقد علَّمتنا أسماء أولاً كيف تخفي أسرار المسلمين عن الأعداء ، وكيف تقف صامدة شامخة أمام قوى البغي والظلم .. وعلمتنا ثانيًا حسن التصرف في الأمور ، فعندما دخل عليها جدها أبو قحافة - وكان قد ذهب بصره - فقال : والله إني لأراه (( يقصد أبى بكر )) ، قد فجعكم بماله مع نفسه (( أى لم يترك لكم مالا وأخذ معه كل ماله )) .. قالت : كلا يا أبت ، إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا .. قالت : فأخذت أحجارا فوضعتها فى كوة ، ثم وضعت عليها ثوبا ، ثم أخذت بيده فقلت : يا أبت ضع يدك على هذا المال .. قالت : فوضع يده عليه ، فقال : لا بأس إذا كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن ...  قالت : ولا والله ما ترك لنا شيئًا ، ولكني أردتُ أن أُسكِّن الشيخ .. 

وحقا إن الإنسان ليعجب كيف استطاعت تلك الشابة ، أن تتصرف هذا التصرف العاقل؟!.. إنها لتربية أبي بكر ، القريب من بيت النبوة ..


ثالثا .. عامر بن فهيرة :

وهو الراعي البسيط ، مولى أبي بكر رضي الله عنه وخادمه ، وقد انحصرت مهمته في :

١- تقديم اللبن واللحم إلى صاحبي الغار ..

٢- تبديد آثار أقدام السائرين إلى الغار بأغنامه ، كي لا يتفرسها القوم ، فيصلوا إلى صاحبي الغار ، (( آثار أقدام عبد الله وأسماء ، ذهابا إلى الغار والعودة منه .. فكان يرعى الغنم فى طريق سيرهما ، فتبدد آثار أقدام الغنم ، آثار أقدامهما )) .. وهي - كما نرى - وظيفة مزدوجة ، منها ما هو في جانب للإمداد والتموين (مشاركة مع أسماء بنت أبي بكر) ، ومنها - وهو الأخطر من وجهة نظرنا والأهم - تبديد الآثار لئلا يتعرف عليها المشركون ، مشكِّلاً بذلك جهاز “تشويش وتمويه” على الكفار ..

وعامر بن فهيرة كان شخصية بسيطة ، فهو مجرد راعي غنم ، فلذلك لن تتجه إليه الكثير من الأنظار ، فالعرب كانوا لا يلتفتون إلى مواليهم ، أما الإسلام فيما بعد فقد محا ذلك ، وجعل خيرية الرجل بإيمانه وتقواه ..

وهذا درس للدعوة أن تستفيد من إمكانات أقل وأصغر رجل - إن صح التعبير - فربما يملك هذا ما لا يملكه الكثيرون من أصحاب الفكر ، وربما قدم للدعوة في المجالات التي يتقنها ما لا يستطيعه غيره ، خاصة من هؤلاء المشهورين المعروفين المرصودين ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث قال : 

“إنما تنصرون بضعفائكم” ..

___________

نرجع لقريش : 

لم تجد قريش النبى صلى الله عليه وسلم في البيت ، فجن جنونهم .. وصرخ فرعون هذه الأمة أبو جهل ، واستنجد بقريش  فأخذوا يبحثون عنه في كل أجزاء مكة ، ثم عمدوا إلى استخدام الناس الذين يعرفون تقفى الأثر {{ خبراء آثار الاقدام }} ، فكانت تنتهي آثار الأقدام عند جبل ثور ..

اندهشوا جميعا ، لماذا جبل ثور؟؟.. إن المهاجر من مكة إلى لمدينة ، يجب أن يسلك جهة الشمال ، لأن المدينة تقع شمال مكة ، فهذا طريق المدينة .. ولكن جبل ثور يقع جنوب مكة ، ويبعد مشياً على الأقدام ساعة ونصف ، فوقفوا مذهولين ..

 قالوا : من أراد من أهل مكة الذهاب ليثرب ، عليه أن يسلك الطريق شمالا وليس جنوبا ، [[ وكان هذا تمويه من رسول الله ]] .. ومع ذلك فالأثر أخذهم إلى هناك ، فهم لا يكذبون أنفسهم ، حيث كانوا يعرفون الأثر لا على الرمال فقط ، ولكن حتى على الصخر ،  انتهى الأثر هناك .. 

أعادوا سؤال خبير الأثر :أين اتجه؟. قال : ليس إلا إلى الجبل ، فالأثر من دار محمد ، إلى دار أبي بكر أثر واحد .. ومن دار أبي بكر إلى هنا أثر رجلان اثنان ، 

فاشتعل أبو جهل من الغضب .. 

___________

اتجه أبو جهل إلى بيت أبي بكر ؛ لأن ذلك أسهل من أن يصعدوا الجبل ، وقرع الباب بشدة .. 

تقول أسماء بنت أبي بكر : ففتحت له ، وإذا أبو جهل يقف بالباب مغضباً ..

قال : يا بنت أبي بكر ، أين ذهب أبوك ؟. 

قلت : والله لا أدري ، [[ وهي فعلاً  حتى هذه اللحظة ، كانت لا تدري .. فبنات أبي بكر ، وحتى عائشة زوجة النبي ، كانت لا تعلم أين اتجه النبي تلك الليلة ، إلا أنه خرج مهاجرا .. وقد عرفوا المكان فيما بعد ]] ..

قالت : والله لا أدري .. 

فلم يملك أبو جهل نفسه من شدة الغضب .. قالت : 

فرفع يده وكان سفيهاً ، ولطمني على وجهي بشدة !!!.. 


بقى الرسول صلى الله عليه وسلم ، مع أبي بكر ثلاثة أيام في الغار ، وأسماء بنت الصديق رضي الله عنها وأرضاها عندما علمت ، كانت كما ذكرنا ، تحمل لهم الطعام كل يوم ..

 لماذا أسماء؟. 

 لماذا ليست عائشة مثلاً ؟

لماذا ليس علي رضي الله عنه ، وكان شابا قويا عمره تجاوز ٢٢ سنة ، ويتحمل هذه الرحلة الشاقة كل يوم؟


 السبب أن {{ أسماء رضي الله عنها }} كما ذكرنا ، كانت في ذلك الوقت حامل في الشهر السابع ،

فلا يمكن أن يشك فيها أحد ..

لكن من المؤكد أن عليا كان مثار شك ، وعائشة كانت طفلة .. 

وبالمناسبة أتدرون أسماء كانت حامل بمن؟؟..

كانت حامل في {{ عبد الله بن الزبير بن العوام }} رضي الله عنه .. الذي كان أول مولود بعد الهجرة ، فقد ولدته اسماء بعد شهرين في المدينة المنورة ..

 عبد الله بن الزبير ، الذي قُتل على يد الحجاج .. وكان الحجاج يستهزيء به ، فيقول لعبدالله : 

يا ابن ذات النطاقين ، يقصد أسماء .. 

لماذا سميت ذات النطاقين؟؟..

لُقِّبت أسماء - رضي الله عنها - بذات النِّطاقَين ، بعد حادثة الهجرة النبويّة من مكة إلى المدينة .. وأصل هذه القصة مرويٌ عن أسماء - رضي الله عنها - في صحيح مسلم دون رفع ذلك الخبر إلى النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ، قالت : صنعتُ سُفْرةَ رسولِ اللهِ - صلّى الله عليه وسلّم - ( السفرة هى ما يحمل فيه المسافر طعامه ) ، في بيتِ أبي بكرٍ حين أرادَ أن يهاجرَ إلى المدينةِ ، فلم نجدْ لسُفرتِه ، ولا لسِقائِه ما نربطُهما به ، فقلت لأبي بكرٍ : واللهِ ما أجدُ شيئًا أربطُ به إلا نِطاقِي ، قال : فشُقِّيهِ باثنيْن ، فاربِطِيه بواحدِ السقاءِ وبالآخرِ السُّفرةِ ، ففعلتُ .. وقيل شدت السفرة والسقاية بنصفه وتطوقت بالنصف الآخر ، فلذلكَ أطلق النبى صلى الله عليه وسلم عليها : ذات النطاقين ..

 [[ النطاق : هو الحزام ، فكانت المرأة عندما تلبس الثوب في قريش ، كان ثوب المرأة فضفاض ، فتربطه بقطعة قماش على خصرها ، حتى تستطيع أن تمشي بسهولة ، لأن الثوب إذا نزل على الارض ، تتعثر بمشيها ]] .. فقامت بشقّ نطاقها إلى نصفين واستعملته كما ذكرنا .. فلما رآها النبي صلى الله عليه وسلم ، تسير بلا نطاق وتتعثر .. بشرها النبي صلى الله عليه وسلم وقال : 

يا أسماء ، والذي نفسي بيده ، لقد أبدلك الله نطاقين في الجنة .. 

[[ وهذه بشارة لأسماء بالجنة ]] رضي الله عنها .. 

___________

نعود للحجاج ، الذى كان يعاير عبد الله بن الزبير بذلك ، فدخلت أسماء رضي الله تعالى عنها على الحجاج وقالت : 

بلغني أنك تقول و تعاير ولدي عبدالله ، بابن ذات النطاقين ..

نعم يا حجاج ، {{  أنا والله ذاتُ النطاقين }} .. كنت أرفع بهما طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وهما في الغار ..


عندما لم تجد قريش النبى ، ولم يعثروا له على أثر داخل مكة ، قرروا صعود الجبل ..  


الحبيب المصطفى  « ١١٤ »

    السيرة المحمدية العطرة 

    (( قريش عند غار ثور ))


نعود للوراء قليلا ، وبالتحديد لحظة أن وصل النبى عليه الصلاة والسلام ، وصاحبه أبو بكر الصديق رضى الله عنه وأرضاه ، لمدخل غار ثور .. وقبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم للغار قال الصدٌِيق : 

بأبي وأمي لا تدخله حتى أستكشفه لك ، [[يعني أدخل أنا أولا أشوف إذا فيه شيء يؤذي]] .. فقال له صلى الله عليه وسلم : أتحب يا أبا بكر ، إن كان به شيء ، أن ينزل بك قبلي؟؟..

قال : نعم لا أراك تصاب بمكروه .. 

فنزل الصدٌِيق في الغار ، وتفقد الغار من الداخل فلم يجد به شيء ، ولكن وجد فيه شقوق بين الصخور ، خاف أن يكون بداخلها أفاعي أو حشرات مؤذية ، حتى إذا ناموا خرجت من الشقوق .. فأخذ أبو بكر يمزق من ثوبه ، ويسد هذه الشقوق .. 

ثم قال : أدخل يا رسول الله ، فدخل والليل كان ظلاما دامسا ..

دخل النبي ومن شدة التعب ، وضع رأسه فى حجر الصدٌِيق ونام ، وبقي الصديق سهران؛ خوفا على رسول الله ، وفى هذه الأثناء ، وجد أبو بكر فتحة بحائط الغار لم تُسد بعد ، فأغلقها أبو بكر بكعب قدمه خوفا على النبى من أن يخرج منها حشرة تلدغه ، وقد حدث بعدها أن لُدِغَ أبو بكر ، فلم يبعد قدمه عن الفتحة ، وبكى فنزلت دمعه على وجه النبى وهو نائم فى حجره ، فاستيقظ النبى صلى الله عليه وسلم وعرف ما حدث ، فدعا له وبصق فى مكان اللدغ ، فبرأ بإذن الله تعالى .. 

فلما طلع الفجر وانتشر النور ، نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر وقد تقطعت ثيابه ، 

وعليه منها ما يستر عورته !!!

قال : يا أبا بكر ، أين ثوبك؟؟..

فاستحى الصديق وأنزل رأسه .. وقال : سددت به هذه الشقوق يا رسول الله ، خشية أن يخرج منها ما يؤذيك {{ الحديث في البخاري}} .. 

فبكى النبي صلى الله عليه وسلم حتى ابتلت لحيته ، ثم رفع يديه وقال .. اللهم إن الصدٌِيق قد أَوجَب .. [[ يعني عمل كل ما عليه ]] .. فاجعله يا رب معي في درجتي حيث كنت في الجنة ، هنيئا للصدٌِيق ، ينال درجة النبي في الجنة ..

___________

كان دعاء النبى لأبي بكر الصديق أن ينال هذه الدرجة ؛ لأن الصدٌِيق  أنفق ماله كله على الدعوة إلى الله وعلى المستضعفين ، ولما هاجر لم يترك في بيته درهما ولا دينارا ، وقد ذكرنا سابقا كيف أنفق ماله ، ونزل فيه من قبل قوله تعالى : 

{{ وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يرضى }} صدق الله العظيم ،،

 وعد من الله سبحانه وتعالى ، 

أن يعطى أبا بكر يوم القيامة ، حتى يرضى ، رضى الله عنه وأرضاه .. 

وفي آية أخرى ، أنزل الله لرسوله في سورة الضحى : 

{{ والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى }} ..

الآية الأولى لأبي بكر ، ((ولسوف يرضى)) .. والآية الثانية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، 

((ولسوف يعطيك ربك فترضى)) .. فيقول صلى الله عليه وسلم : 

والله لا أرضى ، وواحد من أمتي في النار .. (أمته الذين اتبعوه وأحبوه) ، اللهم اجعلنا منهم 


نعود الآن لقريش وأبي جهل ، فقد قرروا الذهاب إلى جبل ثور ..

وقال أبو جهل : اصعدوا الجبل ، ((وصعود الجبل مهمة صعبة كما ذكرنا)) .. فأخذوا فى الصعود لأعلى الجبل بسيوفهم وعصيهم ، 

وكانوا جمع كبير من قريش وعلى رأسهم أبو جهل وأمية بن خلف .. وكانت الشمس محرقة والجو حار جدا ، حتى وقفوا بباب الغار ..


وكان النبى وصاحبه ، عندما دخلا الغار ، أمر الله شجرة فنبتت في وجه الغار فسترته بفروعها ، وبعث الله العنكبوت فنسجت ما بين فروعها نسجاً متراكماً بعضه على بعض ، وأمر الله حمامتين (من الحمام البرى) ، فوقفتا وباضتا على مدخل الغار واحتضنت إحداهما البيض داخل العش ، وعندما وصل المشركون إلى غار ثور حيث انتهى أثر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبه ، فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا : "لو دخل هاهنا أحد لم يكن نسج العنكبوت على بابه ، ولكان الحمام طار من العش .. وازداد القرشيون اقتناعا بأن الغار ليس فيه أحد ، عندما رأوا شجرة تدلى أحد فروعها على فوهة الغار ، ولا سبيل للدخول فيه إلا بازالة تلك الفروع ، فضلا عن ازالة نسيج العنكبوت ، وكل ذلك كان معجزة من المعجزات التى هيأها الله سبحانه وتعالى للنبى وصاحبه ..


فوقفوا على فم الغار ، إلا أن الله ردهم بفضله وقدرته ، يقول أبو بكر : لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه (( وفى رواية أخرى ، لو نظر أحدهم من موقع قدمه لأبصرنا )) .. فقال له النبي : 

«يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما» رواه البخاري ومسلم .. وقد ذكر الله هذه الحادثة في كتابه الكريم فقال سبحانه :

《إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ》سورة التوبة ،،

___________

وقيل أن أبا بكر سمع حديث المشركين ، عند وقوفهم بباب الغار .. قالوا لبعضهم البعض : الآن وصلنا لنهاية الأثر ، ألا ندخل كى نفتش الغار لنرى ما بداخله .. 

قال بعض شبابهم : هيا ندخل الغار ونفتشه ..

فقال أبو جهل لأحدهم : أتريد أن تدخل الغار ؟!! ..

قال : نعم .. و لما صعدنا إذاً؟!!..

قال له أبو جهل : ألا ترى ما بباب الغار ، إن عليه نسيج عنكبوت من قبل أن يولد محمد ، [[ وكانت العنكبوت قد نسجت خيوطها على باب الغار ، وجاء أمر الله ، فامتلأت الخيوط بالغبار والشوائب فورا حتى يبدو النسيج قديما ]] ..

ثم قال أبو جهل : أنظر إلى الحمامتين ، لو كانا قد دخلا الغار ، ألا تهج الحمامتان؟؟.. ،

 ألا يمزق نسيج العنكبوت؟؟..

ثم قال محذرا : أحذركم وأياكم أن تدخلوا إلى الغار ، ولا تقتربوا منه فيكون فيه ما يؤذيكم ، [[ يعني حية أو حشرات سامة ]] .. ثم قال :

 ارجعوا وابحثوا في غير هذا المكان ، فانصرفوا جميعا ..


وكان مما قيل أيضا ، أنه عندما  علم النبي صلى الله عليه وسلم ، بما كان من حديث المشركين على باب الغار ، ورأى الحمامتين وعرف أن وجودهما كان من ضمن أسباب رجوع المشركين وعدم دخولهم للغار ، رفع يديه وبارك عليهما ودعا لهما .. 

فنزلت الحمامتين إلى الحرم ، [[ وكل ما ترى من الحمام الآن في الحرم المكي والمدني ، من نسلهما فيما بعد ]] ..

___________

والجدير بالذكر ، أن الكثير من العلماء ، أنكروا نسيج العنكبوت  وبيض الحمام على باب الغار ، 

 ويقولون أنزل الله سكينته عليه ، وأيده بجنود لم تروها .. 


فقد اختلف العلماء في حديث نسيج العنكبوت ، فحسن إسناده الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» وابن كثير في «البداية والنهاية» .. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة ، وقال أحمد شاكر في تحقيق المسند : في إسناده نظر ، وقال محققو المسند : إسناده ضعيف والله أعلم ،،

وأما قصة الحمامتين ، فقد ذكرها ابن كثير في «البداية والنهاية» .. وقال رواها ابن عساكر ثم قال : هذا حديث غريب جدا من هذا الوجه ، وضعفها كذلك محققو المسند في الموضع المشار إليه سابقا .. وقال الألباني في «السلسلة الضعيفة» : واعلم أنه لا يصح حديث في عنكبوت الغار والحمامتين على كثرة ما يذكر ذلك في بعض الكتب والمحاضرات التي تلقى بمناسبة هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فكن من ذلك على علم ..

وأما ستر الملائكة (جنود الله) للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، فقد رواه الطبراني في «الكبير» من حديث أسماء بنت أبي بكر ، وهو حديث طويل وفيه : 

فقال أبوبكر لرجل يراه مواجه الغار : يا رسول الله إنه ليرانا ، فقال النبى : كلا إن ملائكة تسترنا بأجنحتها ... 


والمقصود مما جاء ، فى رأى هؤلاء : أن رواية العنكبوت والحمام إسنادها ضعيف ، وإنما أرسل الله ملائكة غطتهم بأجنحتها فلم يبصرهما المشركون .

وفى رأيى .. أنه أيا كان ما أرسل الله من جنوده على اختلاف أنواعهم ، فهم جند من جنود الله ، يأتمرون بأمره وينفذون مشيئته .. ولقد قاموا بتنفيذ ما أمروا به على الوجه الأكمل ، فلا داعى لكثرة الجدال فى هذه الأمور ، وإنما أردت أن أذكر كل ما جاء من آراء فى شأن هذه الحادثة .. 

أليس الجراد والقمل والضفادع ، جند من جنود الله ، سلٌَطها الله على فرعون ومن معه ، لنصرة بنى إسرائيل؟؟.. 

أليست الريح جند من جنود الله ، سلطها على جيش المشركين يوم الأحزاب ، فكانت سببا فى هزيمتهم وانسحابهم ، ونصرة الرسول وجيش المسلمين؟؟..

والأمثلة على ذلك كثيرة ، لا يسع المجال لذكرها .. 

يقول الله تعالى : {{ وما يعلم جنود ربك إلا هو }} صدق الله العظيم ،،

_______________________

مكث النبي عليه الصلاة والسلام وصاحبه الجليل ، ثلاثة أيام فى غار ثور ، إختباءا من المشركين المطاردين لدعوة الحق ، وبعد خروجهما من الغار توجها للمدينة المنورة مباشرة ..


واتجهت أقوال تاريخية إلى أن غار ثور ، هو أول حصن في الإسلام تحصّن فيه الرسول الكريم وصاحبه الصديق بعد إعلان الدعوة السماوية ، حيث أوى إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر رضي الله عنه ، وهما في طريقهما إلى المدينة في رحلة الهجرة النبوية ، فدخلا فيه ، حتى إذا هدأ طلب قريش لهما واطمأنا لذلك ، تابعا طريقهما ..


الحبيب المصطفى « ١١٥ »

السيرة المحمدية العطرة 

(( الهجرة ، سراقة بن مالك ))

___________

رجعت قريش من غار ثور .. 

وكانت جائزتها كما ذكرنا من قبل ، [[ ١٠٠ ناقة من حمر النعم عن كلا منهما ، أي عن النبى صلى الله عليه وسلم ١٠٠ ناقة ، وعن أبي بكر ١٠٠ ناقة ، لمن يردهما أحياء أو أموات ]] ..

وأخذت قريش تبحث في كل مكان طمعا بالجائزة ، والنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه ، مقيمان في الغار مدة ثلاثة أيام ، 

إلى أن خفّت حدة البحث عنهما ، وكانت تأتيهما الأخبار من خلال عبد الله بن أبى بكر .. ثم خرجا من الغار ليلة غرة ربيع الأول من السَّنة الرابعة عشرة من البعثة ، 

ووافق يوم الإثنين كما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس أنه قال : ولد نبيكم يوم الإثنين ، وخرج من مكة يوم الإثنين ، ونبيء يوم الإثنين ، ودخل المدينة يوم الإثنين ، وتوفي يوم الإثنين ..

 

هكذا كان هذا الحدث الذي سجَّله القرآن ، وعظَّم من شأنه ، ونلاحظ أن قريشًا لم ينقطع سعيها بغية الوصول إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، لأنهم يدركون جيدا ، أنه إن خرج من بين أظهرهم وَجد مَن يُعينه ، ولن يمكنهم بعدئذٍ أن يُسيطروا عليه ولا أن يمنعوه من دعوته ، لعلمهم بأنه يؤثر في القلوب تأثيرًا عظيمًا ..

___________

عندما اطمأن النبي قال لأبي بكر : انزل يا أبا بكر ، وانظر موعد {{ عبد الله بن أريقط }} ..


فنزل أبو بكر في اليوم الرابع ، 

وكان على موعد معه في مكان معين ، [[ والراحلتان كانا مع عبد الله بن أريقط ]] .. فاختبأ أبو بكر حتى ظهر عبدالله أولاً ، ونظر أبو بكر ، وجال بنظره حول عبد الله بن أريقط ، هل من أحد خلفه؟؟.. كى يتأكد ، هل هو ما زال على عهده معهم ، أم أن هناك خيانة وسيبلغ عنهم؟؟..

حتى إذا وجده ينتظر منفردا ولا يوجد أحد بالقرب منه ، ظهر له أبو بكر وعرف منه صدق النية ،  وأنه سيكون دليلهم إلى يثرب ..

وكان المتفق عليه ، أن يسلك بهم طريق لا تسلكه القبائل ، ولا تعرفه قريش ..

فلما تأكد أبو بكر من عدم خيانته ، قال : انتظرني ها هنا ، ثم غاب أبو بكر ورجع بالنبي صلى الله عليه وسلم .. 

وقدم إليه أحسن الناقتين ، فركبها صلى الله عليه وسلم وأطلق عليها اسم {{ القصوى }} ، وهذه الناقة هى التي عندما دخل صلى الله عليه وسلم بها المدينة ،  قال : دعوها إنها مأمورة ، [[ يعني إن الله يأمرها ويوجهها ]] ... 


انطلق صلى الله عليه وسلم فى رحلته إلى المدينة ، يصحبه {{ أبو بكر الصديق ، وعامر بن أبي فهيرة خادم أبو بكر ، كى يخدمهما ويعينهما ، والدليل عبدالله بن أريقط ، الرجل الخبير بالطريق }} ، فكانوا ثلاثة ، والدليل رابعهم ..

___________

 فلما كانوا على مسافة غير بعيدة  من مكة ، لحق بهم رجل {{ من بني مدلج }} ، واسمه {{ سراقة بن مالك المدلجي }} ..

والسؤال الآن : كيف استدل سراقة على مكانهم ، وقد سلكوا الطريق الساحلى ، وهو طريق لا تعرفه قريش ، لمن يرغب فى الذهاب من مكة إلى المدينة ؟؟.. 

الجواب : كان سراقة جالس بين قومه ، والكل يتحدث ، مكة بضواحيها وكل من حولها .. ترصد أخبار النبى المطلوب محمد عليه الصلاة والسلام ، وحديث بني مدلج لا ينقطع ، عن النبى وصاحبه والجائزة ٢٠٠ ناقة من حمر النعم .. فجاء شاب مسرعا يلهث إلى سراقة ، وقال : 

يا سراقة .. لقد أبصرت سوادا في طريق الساحل ، بين الثلاثة أشخاص أو أربعة .. يا سراقة ، لا آراهم إلا محمد وأصحابه .. 

يقول سراقة : {{ وقد أسلم فيما بعد رضي الله عنه }} ، يقول : فغمزت له بعيني ، [[ لغة الهمز التي تنزه النبي عنها ، إذ لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين ، والمقصود الغمزة .. وللأسف هى منتشرة بين المسلمين فى عصرنا الحالى ، بشكل كبير ]] ..

قال : غمزت له بعيني حتى لا يسترسل فى الكلام .. 

ثم قلت : لا .. ليس محمد وصحبه ، هذا فلان وفلان .. 

[[ يعني اخترع قصة لا أصل لها ، كى يتكتم على الخبر ]] ، هذا فلان وفلان ، ذهبوا ونحن نعلم وهم يبحثون عن ضالة لهم .. 

قال سراقة : وشغلت القوم بحديث جانبى ، بعيد عن صلب الموضوع ، ثم خرجت من مجلسي ، وكان سراقة هو سيد القوم ، فلم يسأله أحد 

قال سراقة : فدخلت الدار وأمرت جاريتى أن تخرج بفرسى ، وأن تضعها بعيداً عن نظر القوم .. 

قال : ثم أخذت رمحي فجعلت زجه بالأرض ، [[ الزج هو الحديدة فى أسفل الرمح ]] ، حتى لا يلمع مع ضوء الشمس ويراه قومه ..  وأخذت أخط برمحي الأرض ، حتى أتيت فرسى ، فركبتها ..

فما زالت تقربني إلى طريق الساحل حتى رأيت محمدا وصحبه ، فدنوت منهم حتى هممت أن أرمي برمحي ، فعثرت بي فرسي فألقتني عن ظهرها ، فقمت فزجرتها ثم ركبت على ظهرها ، حتى دنوت منهم وأصبحت أسمع قراءة محمد وهو يقرأ القرآن ، حتى لو ألقيت برمحي لأصبت .. 

قال : فساخت يدا فرسي في الرمال [[ أى غرزت يدا فرسى بالرمال ]] .. قال : 

وتوقفت فرسي بهذه الرمال فعلمت أنه ممنوع .. 

فقلت : يا محمد أنا سراقة بن مالك .. وها أنا قد أدركت ، قف أكلمكم .. 

قال : فسمعته يقول لأبي بكر ولم يلتفت : قل له يا ابا بكر ، ماذا تبتغي منا؟؟..

فقال أبو بكر : ماذا تبتغي منا؟؟..

قال : أكلمكم ..

فكرر أبو بكر السؤال : ماذا تبتغي منا؟؟.. 

قال : يا محمد ، قد علمت أن أمرك ظاهر [[ أي أن الله قد منعني أن أصل إليك ، فعلمت أنك مؤيد من الله ]] ..

قد علمت أن أمرك ظاهر ، أريد منك {{ كتاب عهد وميثاق ألقاك به يوم تَفتَح مكة }} ..


سبحان الله .. ها هو سراقة يطارد النبي صلى الله عليه وسلم ، ويبشره بفتح مكة من الآن ..

فقال رسول الله لأبي بكر : أكتب له كتاب والقيه إليه .. فكتبه أبو بكر على قطعة من عظم ، ويقال كتبه عامر بن فهيرة على رقعة جلد .. 

فقلت : يا محمد يا ابن سيد قومه ، قف أكلمك ..

قال : فوقف واستدار ، ((وكان لا يلتفت صلى الله عليه وسلم)) ، كان إذا أراد أن يلتفت التفت بكلّ جسمه ، فوقف واستدار ، وقال : نعم يا سراقة؟؟.. 

قلت : إن معي مال وطعام ، أعرض عليكم مساعدة .. 

فقال النبي : لا حاجة لنا بمالك ولا طعامك ..

قال سراقة : هذا سهم من كنانتي يعرف بريشتي ، ستأتون على غنم لي مع الراعي ، خذوا منها ما شئتم .. [[ يعني هذا سهم مني ، معروف ، وستجدون راعي بالطريق معه غنم لي ، أعطوه السهم كعلامة وخذوا من الغنم ما شئتم ]] ..

فقال له صلى الله عليه وسلم : بارك الله في غنمك لا حاجة لنا بذلك .. قلت : 

يا محمد إني على يقين بأن أمرك ظاهر ، وإني أعلم أنك دعوت عليّ وعلى فرسي حتى ساخت بالرمال ، فادعو الله أن يطلقها ، وسأرجع ولن يأتيكم مني شر أبداً .. وهذا كتاب عهد بيني وبينك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم إن كان صادقاً فأطلق له فرسه ..

قال : فنفضت الفرس يداها من الرمال ، وخرج لهم غبار ملىء السماء كأنه دخان ، يقول سراقة : ثم قال لي رسول الله : عمّي عنا الأخبار من هذا الوجه ، [[ يعني كلما لقيت أحد ، أرجعه وقل له أنهم لم يسلكوا هذا الطريق ]] ..

وإن كانت قريش جعلت لك مئة ناقة من حمر النعم ، فأنا أقول لك يا سراقة : لك سواري كسرى إن أنت وفيت .. [[ سواري كسرى !! ، شيء عظيم .. شخص مطارد من قومه يبشره بسواري كسرى ، اللاتي يضرب بهم المثل ، من يستطيع أن يصل لكسرى حتى يصل لسواري كسرى .. سواري كسرى ، إحداها فقط تاجه من الذهب ، كان كسرى لا يضعه على رأسه لأنه ثقيل جدا ، ولأن العنق لا يستطيع أن يحمله ، فكان معلق بجنزير من الذهب الخالص بالسقف فوق العرش ، إذا جلس كسرى كان التاج يوضع فوق رأسه معلقا بالجنزير ، فلا يكون ثقله محمٌَل على رأسه .. يوعده النبي بسواري كسرى !!! ]] ..

____________________

رجع سراقة ، وكان كلما لقى شخص بالطريق ، يقول له : كفيتم هذا الوجه .. (( يعنى لا تبحثوا فى هذا الطريق ، لا يوجد أحد هنا )) ، ارجعوا وابحثوا في غيره ..

يقول أنس : فكان سراقة أولَ النهار ، جاهدًا حريصًا مبالغًا في البحث عن رسول الله وايصالِ الأذيَّة به ، وكان آخرَ النهار مَسْلَحَةً له [[ يعني : حارسًا له بسلاحه رضي الله عنه وأرضاه ]] ، وقد أسلم سراقة فيما بعد ، بعدُ أن رأى من هذه المعجزة العظيمة ..


والآن : دعونا نأخذ أول بشارة لسراقة ونتقدم بالأحداث ، 

فَتَح النبي صلى الله عليه وسلم مكة ، وسراقة لم يظهر ولم يأت ، وخرج النبي إلى حُنين وانتصر .. فأقبل سراقه يدس نفسه بين الخيل والرجال ، 

فأخذوا أصحاب النبي يبعدونه ، 

ويقولون له : دونك دونك [[ أي ابتعد ]] .. فرفع سراقة الكتاب الذي كتبه له أبو بكر ، وصرخ بين جموع الناس : يا محمد أنا سراقة بن مالك وهذا كتابك لي يوم الهجرة .. 

فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ادنوه مني ، يوم وفاء وبر .. قال : فدنوت منه وقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله .. (( فتأخر إسلام سراقة حتى سنة ثمان من الهجرة ، أى بعد فتح مكة وغزوة حنين )) ..

قال : فنظرت إلى ساقه صلى الله عليه وسلم فكانت كأنها لب النخل .. [[ أي بيضاء جميلة ]] ..

قال : فأحببت أن أبقى قليلا معه ، فأخذت أفكر بسؤال أسأله حتى لا يبعدوني عنه ، فلم يخطر ببالي إلا أن قلت : يا رسول الله ،

إنني أبني لإبلي أحواض ، وأضع فيها الماء ، فتأتي الإبل الغريبة فتشرب منها ، هل يكون لي بذلك أجر؟؟.. 

فقال له صلى الله عليه وسلم : نعم ، في كل كبد حره أجر ، [[ أي في كل مخلوق عطشان تسقيه أجر لك عند الله ]] ..

قال سراقة : فأقمت عنده قليلاً ثم انصرفت .. 

____________________

ومضت الأيام ورحل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ، وولي الخلافة أبو بكر الصديق ، ورحل إلى الرفيق الأعلى .. ثم جاء عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه ،

 وفتحت بلاد فارس ، وانهزم كسرى على يد سعد بن أبي وقاص ، وأرسل التاج والسواري مع الغنائم إلى عمر بن الخطاب .. فلما وصلت إلى المدينة ، وضعها عمر بالمسجد النبوي ، ونظر إلى سواري كسرى وبكى عمر .. وقال : أين سراقة بن مالك؟؟.. 

قالوا : رجل كبير بالسن يلزم في بيته ، قال : أحضروه .. 

فجاء سراقة يتكئ بين رجلين من الصحابة ، حتى دخل المسجد النبوي ، فقال له عمر بن الخطاب : يا سراقة .. أتذكر وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لك؟؟.. قال سراقة : أجل .. 

فأعطاه عمر سواري كسرى ، 

ووضع السوار في يده ، تنفيذا لهذا الوعد النبوى الذى أخبر به النبى ، وهى كما يقول العلماء : معجزة من معجزاته عليه الصلاة والسلام .. فوقف سراقة أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وأجهش بالبكاء وابتلت لحيته ، وقال أشهد أنك رسول الله .. أشهد انك رسول الله .. أشهد انك رسول الله ..


ويقال : دعا الفاروق عمر رضي الله عنه ، سراقة بن مالك فألبسه قميص كسرى وسراويله وخفيه وقلده سيفه ووضع على رأسه تاجه وألبسه سواريه ، عند ذلك هتف المسلمون الله أكبر الله أكبر هذا ما وعدنا الله ورسوله ، وقال عمر : الله أكبر والحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز الذي كان يقول أنا رب الناس ، وألبسهما سراقة بن مالك بن جعشم أعرابياً من بني مدلج ، ثم أركب سراقة فرسا طاف به المدينة المنورة احتفاءا والناس حوله ، وسراقة يردد قول الفاروق ..

____________________

نعود إلى طريق الهجرة .. 

بعد أن تركهم سراقة عائدا إلى مكة ، مضى الرسول عليه الصلاة والسلام وصاحبه وخادمه ودليلهم ، فى طريقهم إلى المدينة المنورة ، تحوطهم عناية الله سبحانه وتعالى ..


الحبيب المصطفى  « ١١٦ »

السيرة المحمدية العطرة

 (( الهجرة .. خيمة أم معبد ))

___________

مضى صلى الله عليه وسلم في هجرته ، حتى إذا كان في القديد (( القديد وادى فى السعودية ، به مساكن قبيلة خزاعة )) .. كان هنالك خيمة لامرأة خزاعية  ، مشهورة بكنيتها {{ أم معبد }} .. اسمها عاتكة ، يقول أصحاب الحديث في وصفها : 

كانت أم معبد امرأة برزة جلدة ، [[ معنى برزة أي تبرز للناس في الطريق ، وتستقبل الرجال لأنها إمرأة عفيفة شريفة مسنة ، جلدة أي قوية لا يستطيع أحد أن يدوس طرفها ]] .. تختبئ بفناء خيمتها ، [[ أي تجلس في ساحة خيمتها والاختباء ، هو أن تضع قطعة قماش على ظهرها وكتفها وتجمع عليه رجليها ]] .. وكانت هذه المرأة ، تطعم وتسقي وتستضيف المسافرين ، بدون سابق معرفة بهم ، فهى امرأة معروفة لكل من اعتاد المرور فى هذا الطريق .. 

___________

وكان أبو بكر صاحب القوافل والتجارة يعرفها ، فلما مروا بها ، وكانوا مرملين مسنتين ، (( أى نفذ زادهم وأصابهم القحط )) .. قال أبو بكر : 

بأبي وأمي يا رسول الله .. هناك خيمة أم معبد ، لعلنا نجد عندها شيء نشتريه ..

اتجهوا إلى خيمتها ، فسلم عليها النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا أم معبد ، هل عندك من طعام أو تمر نشتريه؟؟.. فقالت : والله لو كان عندنا شيء ما أعوزناكم [[ أي لا يوجد عندنا شيء للشراء ]] .. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أم معبد ، هل عندك من لبن؟؟.. 

قالت : لا والله .. 

فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسر الخيمة ، (( أى جانبها )) .. فوجد شاة ، فقال : ما هذه الشاة يا أم معبد؟؟.. 

قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم [[ يعني ضعيفة هزيلة لا تقدر على المشى مع الأغنام كى ترعى معهم ، فذهب الغنم وبقيت هى ]] ..

قال عليه الصلاة والسلام : هل بها من لبن؟؟.. 

قالت: هي أجهد من ذلك (تعنى أنها لضعفها، لا يمكن أن يكون بها من لبن)

قال عليه الصلاة والسلام : أتأذنين لي في حلبها؟؟.. 

(( تأملوا هذا الأدب النبوى ، يستأذن المرأة أولا قبل أن يقترب من شاتها ، فلا يهجم عليها ، ولا يتصرف تصرف الفضولى )) .. 

قالت : والله ما ضربها من فحل قط ، [[ أي لم تحمل ولم تلد حتى تحلب يوم من الأيام ]] ..

قال : أتأذنين لي أن أحلبها يا أم معبد؟؟.. 

قالت : بأبى أنت وأمى ، إن رأيت بها حلبا فاحلبها !

___________

تأملوا هذا النبي الكريم حينما يتعامل مع هذه المرأة أم معبد ، بأسلوب يفيض احترامًا وإجلالًا وتقديرًا ، وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن لطيفًا مقدرًا لكل مَن يلتقي بهم ، لا من رجل ولا امرأة ، لا من مسلم ولا غير مسلم ، فهذا حق ينبغي أن يصدر من الإنسان الذي يمثل أخلاق الإسلام ، أن يُقدِّر من يلتقي به ، وأن يتحدث معه بما يليق ..

 لذلك ، فلما استأذن عليه الصلاة والسلام : أتأذنين لي أن أحلبها؟ قالت : بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلبًا ، فاحلبها ..

وتأملوا هذه المرأة حينما تفدي رسول الله بأبيها وأمها ، مع أنه أول لقاء بينهما ، وما ذلك إلا لأنه أسَر قلبها ، وحلَّ به حبًّا وتقديرًا لأمرين : لَما رأت عليه من أخلاق النبوة ومهابة الفضل والشرف ، ولما كان يتعامل معها من أدب واحترام ..

___________

فدعا النبي بالشاة ، [[ أي قال قربوها ، فقربها أبو بكر ]] ..

يقول أبو بكر : فمسح صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة ظهرها وساقيها ، وسمى الله جل ثناؤه .. ودعا لشاتها قائلا :  اللهم بارك لنا في شاتنا .. فاجترت ، [[ أي أصبحت تحرك فمها كأنها تأكل العشب ]] ..ثم تفاجت ، [[ تفاجت أى الضرع لمتلأ حليبا ، فتفاجت أى فتحت رجليها ]] ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم .. فمسح ضرعها صلى الله عليه وسلم ، وغسله بشيء من ماء ، ثم قال : إليّ يا أم معبد بوعاء ، قال : فأحضرت له وعاء يربض الرهط ، 

[[ أي وعاء كبير ، يكفى لإشباع رهط من الناس ، والرهط هو عدد من الناس حتى عشرة أفراد ]] .. 

فأحضرت له وعاء يربض الرهط ، فرفع ساقها صلى الله عليه وسلم كي يحلبها ، فحلب بها ثجاً حتى علتهُ الثّمالة ..

 سبحان الله ، أنظروا إلى فصاحة اللغة العربية التي ابتعدنا عنها .. 

[[ الثج أي ينزل الحليب بقوة ، ويضرب الوعاء بصوت ، فكان الحليب ينزل بقوة ، وله رغوة بيضاء علته الثمالة أي تعلوه الرغوة البيضاء التي تدل على دسم الحليب ]] ، حتى امتلأ الوعاء .. فسقى أم معبد ، فقالت : اشربوا أنتم أولا .. 

قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : لا اشربي أنتِ أولاً ،

فشربت حتى رويت .. 

ثم سقى أبا بكر الصديق والدليل وابن فهيرة ، حتى شربوا جميعاً .. ثم أخذ  الوعاء وشرب صلى الله عليه وسلم ، وقال : 

{{ ساقي القوم آخرهم شرباً }} .. 

ثم عاد إلى العنزة وحلبها مرة ثانية ، عللاً بعد نهل ، [[ أي زيادة فربما احتاج أحد أن يشرب مرة أخرى ]] ، صلى الله عليه وسلم ..

___________

وقد جاء في بعض الروايات عن {{ هند بنت الجون }} ، التى تكون أم معبد خالتها ، وقد أسلمت فيما بعد .. أنه لما كان بخيمة خالتها أم معبد ، قام ليتوضأ صلى الله عليه وسلم ، فدعا بماء فغسل يديه ، ثم تمضمض ومجّ ذلك في عوسجة ، [[ أي بصق ماء المضمضة في حوض من أحواض الزرع ]] ، بجوار باب الخيمة ..

فأصبحت هي أعظم دوحة ، [[ يعني بعد فترة نبت في هذا الحوض شجرة ذات فروع كثيرة ]] ، وكان لها ثمر كبير في لون الورس ، [[ اي تشبه لون شجرة الكركم ]] .. وكانت رائحتها العنبر ، وطعمها الشهد ،

ما أكل منها جائع إلا شبع ، ولا ظمآن إلا روي ، ولا سقيم إلا برىء ، ولا أكل من ورقها بعير ولا شاة إلا درّ [[ أي در الحليب ]] ..

فكنّا نسميها المباركة ، فأصبحنا في يوم من الأيام وقد سقط ثمرها ، واصفر ورقها ، ففزعنا لذلك ، فما راعنا إلا وقد وصلنا خبر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ..

___________

ثم ترك الوعاء عندها ممتلِئاً ، وارتحل صلى الله عليه وسلم ..

فجلست أم معبد تقلب يديها ، وتكلم نفسها وتقول : 

أتحلب الحائل؟!!.. والله إنه لأمر عجيب ، أتحلب الحائل؟!!..

[[ يعني شاة حائل ، لا حملت ولا ولدت ، ولم يقربها فحل .. كيف تحلب؟ ]] .. أي رجل هذا؟؟!!..


تقول أم معبد : فجاء أبو معبد زوجها ، يسوق أعنُزاً عِجافاً ، بدت عظامها لهزالها وضعفها ، يتساوكنّ هِزالاً ، [[ يعني تتمايل هذه الأعنز من شدة الضعف ]] .. 


يتبع إن شاء الله ..

وصف أم معبد للرسول صلى الله عليه وسلم ،،،

الأنوار المحمدية 

صلى الله عليه وسلم

ليست هناك تعليقات:

المتابعون

أرشيف المدونة الإلكترونية