الشيخ الصيفى
قد لا يعرف الكثيرون اسمه، لكنه شيخ قراء القرآن الكريم فى مصر، من نقصده هو الشيخ محمد الصيفى، الذى شغل منصب وكيل رابطة القرآن التى يعود إنشاؤها إلى عام 1937، والتى أصبحت فيما بعد نقابة مهنية لقراء القرآن.
محمد محمد الصيفى، مولود عام 1885 فى قرية البرادعة التابعة لمركز قليوب، حفظ القرآن كاملا فى كتاب القرية، ثم تلقى علوم الفقه والتفسير والحديث فى الأزهر الشريف، إلا أنه أهتم اهتماما كبيرا بعلم تجويد القرآن، وما يتصل به من علوم القراءات، ومخارج الحروف، وأحكام الوقف والابتداء، بالإضافة إلى قراءة القرآن بالتغنى، حتى أتم دراسته بالحصول على شهادة العالمية من الأزهر عام 1911، لكنه لم يسع للعمل فى وظيفة تناسب شهادته، حبا فى تلاوة القرآن.
اتجه إلى التلاوة فى الحفلات والمناسبات، حتى ذاع صيته واحتل اسمه مكانا بارزا بين الموهوبين من كبار القراء، إلى أن أقر قارئا لمسجد السيدة فاطمة النبوية رضى الله عنها، بحى الدرب الأحمر، عام 1915.
ثورة 1919، ألهمت كثيرا من الوطنيين أفكار عن الاتحادات الوطنية المستقلة والروابط الاجتماعية، وهو ما دفع شيخنا إلى تأسيس رابطة لقراء القرآن الكريم، لا سيما وأن صداقة ربطته مع معظم قراء جيله، ولكن الفكرة انتظرت كثيرا حتى ظهرت إلى النور عام 1937.
لاشك أن موت الملك أحمد فؤاد الأول كان حدثا مهما للشيخ الصيفى، حيث كان أحد أربعة قراء أحيوا مأتم الملك، التى كانت تذاع فى الإذاعة.
وكأنه فيلم سينمائى، صوت الرجل يعجب المسؤولين فى الإذاعة، فسارعوا فى التعاقد معه لتقديم تلاوات عبر برامج الإذاعة، وهى الخطوة التى سبقه فيها الشيخ محمد رفعت، وهو الذى قرأ فى افتتاح الإذاعة عام 1934.
بداية الشيخ فى الإذاعة كانت تتراوح بين تلاوة أو تلاوتين أسبوعيا، ثم انتظمت بعد ذلك لتصبح تلاوة أسبوعية يوم الأربعاء، وحتى نهاية الأربعينيات، وبعدها صار يتلو يومى الأربعاء والجمعة من كل أسبوع، حتى انتهى من تسجيل القرآن الكريم كاملًا.
أما على مستوى التلاوة فى المساجد فقد انتقل الشيخ الصيفى من مسجد فاطمة النبوية للقراءة بمسجد الإمام الحسين بعد وفاة الشيخ على محمود عام 1943، ليتسع المجال أمام أسماع أعداد أكبر من المستمعين للقرآن الكريم، ما زاد من شعبيته وضاعف من الطلب على سماع تلاوته، حتى عده البعض من القراء أعظم صوت رتل القرآن فى عصره بعد الشيخ محمد رفعت، ومن هؤلاء الشيخ طه الفشنى الذى نقل عنه الراحل العظيم محمود السعدنى قوله إن أعظم الأصوات بالنسبة إليه هو صوت المرحوم الصيفى.
كان الشيخ الصيفى يمتلك صوتا قويا وقورا، لا يهتم بالجماليات، وكان أكثر القراء اتباعا لطريقة الحدر فى قراءة القرآن، والحدر فى مراتب القراءة هو الإسراع مع مراعاة أحكام التجويد.
كانت التلاوة الأخيرة للشيخ الصيفى من مسجد السيدة زينب رضى الله عنها فى صلاة فجر يوم السبت 8 رمضان الموافق 30 أبريل 1955، ونقلتها الإذاعة المصرية فى الثانية والنصف من صباح ذلك اليوم، لتنقطع مشاركة الشيخ فيما نقلته الإذاعة من احتفالات ومناسبات دينية خلال خمسة أشهر، حتى خرجت الصحف فى صباح يوم الخميس 29 سبتمبر 1955 لتعلن نبأ وفاته، وشيعت جنازته من جامع القبة الفداوية المطل على شارع رمسيس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق