النســاطرة ( او المذهب النسطوري المسيحي )
النسطورية نسبة إلى نسطور بطريرك القسطنطينية ، الذي عارض تعليم مجمع أفسس (سنة 431) حول لاهوت أمومة العذراء مريم، واستنكر تلقيبها بـ”أم الله” وفضل دعوتها بـ “أم المسيح” فحرم المجمع برئاسة بطريرك الإسكندرية كيرلّس ممثل البابا سيليستينوس الأول نسطور، فنفي إلى البتراء في بلاد العرب (سنة 436) وتوفي سنة 451.
وصلت إلينا بعض تعاليم نسطور في مقتطفات من خطاباته وكتاباته التي حفظها التاريخ ، كما ذكرت تعاليم نسطور في حيثيات قرارات مجمع أفسس وكتابات كيرلّس الإسكندري. وأهم العقائد النسطورية هي :
نسبة مولد السيد المسيح وآلامه للطبيعة الإنسانية وليس الإلهية،
ومن ثم يرفض النساطرة نسبة الأعمال الإنسانية في شخص السيد المسيح إلى طبيعته الإلهية.
ولعل في عدم دقة التعبير والترجمات بين السريانية واليونانية واللاتينية سبب الخلاف الذي وقع بين نسطور والمجمع. أي أن الطرفين لم يتوصلا إلى تفاهم مشترك على صياغة المقولات اللاهوتية. فينتقد نسطور أن تلقب العذراء بـ “أم الله” أو “حاملة الله” (Theotokos )، إذ يعني ذلك أن مريم هي مصدر الطبيعة الإلهية. وقد يقبل نسطور بهذا اللقب على أن يضاف إليه لقب “مريم أم الإنسان” (Anthropotokos)، أو بالأحرى أكثر دقة “حاملة المسيح” أو “أم المسيح” (Christotokos).
ويعترف نسطور باتحاد الطبيعتين في المسيح، ولكنه يفسر ذلك على أنه اتحاد ذو خاصية نفسية أدبية اكثر منه اتحادا ميتافيزيقيا.
بعد مجمع أفسس وتحريم المبدأ النسطوري، وجدت النسطورية أرضا خصبة بين مشارقة السُريان القاطنين على حدود الإمبراطورية البيزنطية والفارسية، وكان ذلك عاملا مساعدا على تحقيق الانشقاق بين أبناء الكنيسة الواحدة. “بعد مجمع أفسس كان يوجد حزب نسطوري قوي في شرق سوريا حول ايباس (هيبا ) قائد المدرسة اللاهوتية في الرها ، وايباس كان على ما يظهر نسطوريا.
وفي أعقاب المصالحة اللاهوتية بين كيرلّس الإسكندري ويوحنا الأنطاكي، رفضها عدد من المطارنة وتقربوا بطريقة أوثق من الكنيسة في إيران، التي كانت قد اعتمدت رسميا النسطورية في سينودس سلوقية المنعقد سنة 486. وفي سنة 489 طرد الإمبراطور زينون النساطرة من الرها فهاجروا إلى فارس، ومنذ ذلك الحين انفصلت الكنيسة النسطورية عن الكنيسة البيزنطية التي كان مقرها الأساسي في القسطنطينية.
وقد أكد النساطرة موقفهم بطريقة أوضح في سينودس 612 عندما اعتمدوا المبادئ المخالفة للكنيسة الجامعة: طبيعتان واقنومان. وقد أقصوا تماما كلمة (Theotokos) أي والدة الإله مريم.
وقد ازدهرت هذه الكنيسة على الرغم مما لاقت من اضطهادات تحت حكم الساسانيين وغزوات الأتراك والتتر. ودليل ازدهار هذه الكنيسة مدارسها اللاهوتية في سلوقية ونصيبين، وانتشار أديارها وحركتها التبشيرية في جزيرة العرب والهند (ملابار) والتركستان والتبت حتى الصين، وقد وجد في مدينة “سين غان فو” في الصين نقش على الحجر باللغتين السُريانية والصينية، يرجع عهده إلى سنة 871″ .
نالت الأماكن المقدسة في فلسطين وخاصة القدس، حظا وافرا من اهتمام الرهبان والمؤمنين النساطرة، إذ يذكر المؤرخون رحلاتهم المتواترة إلى مصر لزيارة أديار الرهبان. وفي طريقهم إلى مصر، توقف الحجاج في فلسطين لزيارة الأماكن المقدسة، وكانت هذه الزيارة أمتع ما في رحلتهم وكوّن الحجاج القادمون إلى القدس وبعض معتنقي النسطورية من أهل البلاد جالية نسطورية في القدس منذ منتصف القرن السابع الميلادي.
ويذكرهم المؤرخ جيبون (Gibon) في عداد طوائف القدس آنذاك وهي، اليونانية واللاتينية والنسطورية. ويصف جيبون اكليروسهم بأنه فقير مقارنة بالطوائف الأخرى.
ويذكر التاريخ أول أسقف نسطوري في القدس سنة 893 تبع متروبوليت دمشق الذي لقبه “متروبوليت دمشق والقدس والساحل”. وفي منتصف القرن الحادي عشر، صار في القدس متروبوليت مقيم، وحفظ التاريخ لقبه سنة 1283 وهو “متروبوليت طرابلس والقدس” ، وتبع لمتروبوليت القدس أربعة اساقفة .
وامتلك النساطرة ديرا على جبل الزيتون وجزءا من كنيسة القيامة. وكان لهم دير في وادي الأردن بين أريحا ونهر الأردن عثر علماء الآثار على بعض بقاياه .
ومجموع أديار النساطرة في القدس ثلاثة :
– دير القديس انطونيوس القبطي
– ودير الرسل
-ودير حلول الروح القدس.
– ودير الرسل
-ودير حلول الروح القدس.
بلغ عدد النساطرة في القدس في أوج ازدهارهم 8200 أسرة أي 42 ألف نفس، ولكن فييه يشكك في الرقم الوارد في المصادر النسطورية، ويقدر الرقم الصحيح ببضع مئات .
وتلقّت الكنيسة النسطورية ضربة قاسية على يد التتر: ” كان لغزوة تيمورلنك واضطهاده (سنة 1380) أسوأ الأثر في الكنيسة النسطورية وكاد يعدمها ” . فأخذ عدد الطائفة النسطورية في القدس يتناقص بمرور الزمن، وفقدوا كثيرا من ممتلكاتهم لحساب الطوائف الأخرى، ويعتقد ميناردوس أن الربّان يوسف كان آخر الرهبان النساطرة المقيمين في القدس، وتوفي سنة 1614. وجاء بعد الربّان يوسف بعض الرهبان في زيارات متقطعة لتدبير البقية الباقية من النساطرة، وكان آخر هؤلاء الرهبان الزوار في القرن الثامن عشر .
لعل أكثر إثارة في تاريخ النساطرة في القدس، حجّهم من بلادهم البعيدة إلى الأماكن المقدسة . فقد غدت فلسطين عبر العصور ملتقى الحجيج من مختلف الأصقاع. ولم يكن الحج إلى القدس سهلا يسيرا :
فعلى الحاج النسطوري القاطن في بلاد فارس أو بلاد ما بين النهرين قطع مسافة حوالي 1200 كيلو متر ليصل إلى فلسطين مرورا بحلب. ولم تنظر السلطات المدنية دوما بعين الرضى إلى نشاط المسيحيين النساطرة التقوي.
لاقت فكرة الحج إلى القدس رواجا شعبيا، فأخذ المفكرون ورجال الاكليروس يقيّمون وينتقدون هذه الزيارات المتوالية الطويلة، مشيرين إلى سلبياتها وإيجابياتها. ومن سلبيات الحج إلى القدس :
– تفريغ الأديار من رهبانها بتوجههم للقدس،
– ونقل الأموال المحلية إلى بلاد أجنبية.
– ونقل الأموال المحلية إلى بلاد أجنبية.
كما قال السيد المسيح للسامرية أن عبادة الله يجب أن تتم بالروح والحق ، وليس بالضرورة في القدس (راجع يوحنا 21:4 – 24) ،
بينما يبرر عامة الشعب مبدأ الحج إلى القدس على أنه شرف للحجاج التبرك بقبر المسيح ومشاهدة كل مكان له صلة بحياة السيد المسيح والرسل. وكثيرا ما حدا بالمؤمنين على زيارة الأماكن المقدسة نذر قطعوه على أنفسهم أو رفع الشكر لله على انعاماته وأفضاله. وجُلّ ما يتمناه الحاج غسل ملابسه في نهر الأردن ومسحها بقبر المخلص. وعن تحضيرات الحج الروحانية :
” على الحاج التخلي عن الشهوات الأرضية ومحبة الوالدين والتفرغ للعبادة وذكر الله ”
ويوجز غريغوريوس بن العبري (Gregoire Bar Hebraeus) في نهاية القرن الثالث عشر شروط الحج التحضيرية بما يلي :-
– أن يندم الحاج على خطاياه، ويردّ ما قد سرقه من غيره، ويرجع الأمانات لأصحابها وينقّى من كل شر.
– أن المال المستخدم للإنفاق على رحلة الحج، يجب أن يكون من مصدر شرعي وليس كسبا حراما.
– أن لا يمارس الحاج عملا تجاريا أثناء رحلته إلى الأماكن المقدسة.
– إذا كان الحاج غنيا، بوسعه التزود بالمال للإنفاق على نفسه وعلى فقراء الحجاج. أما الحاج الفقير فليو كل أمره لله، ولا يضجر غيره من الحجاج بتوسلاته، بل يكتفي بما يقدم له.
ولا يحدد غريغوريوس زيا معينا للحجاج ، وينصح التزود بالإنجيل. وموعد السفر غير محدد، ولكن يفضل وصول القدس في فترة الأسبوع المقدس قبيل الأعياد الفصحية. واعتاد السريان اليعاقبة تلاوة صلاة السفر في الكنيسة على نية الحاج قبيل رحيله طالبين من الله حفظه سالما.
أما آداب السفر إلى القدس حسب غريغوريوس فأهمّها :
– أن يحذّر الحاج من نطق الشتائم والكلام الرديء،
– وأن يكون لطيف المعشر وديعا،
– وأن يسير على قدميه أن أمكن وليس ممتطيا دابته،
– وأن يرتدي زيا بسيطا ولا يتفاخر بالثياب الثمينة التي يقود ارتداؤها إلى الكبرياء.
ولكل مرحلة من مراحل السفر وزيارة الأماكن المقدسة مزامير معينة على الحاج تلاوتها. وعند وصوله إلى القدس في يوم عيد الفصح، يفضل غريغوريوس أن يرتدي الحاج ملابس بيضاء، لأنّ اللون الأبيض يرمز إلى النعمة والخلاص والأسود إلى الخطيئة والموت.
أما أهّم المشاهد المقدسة التي اعتاد الحجاج زيارتها ، فهي :
– نهر الأردن
– والجلجلة
– والقبر المقدس
– وعلية صهيون
– وجبل الزيتون.
– والجلجلة
– والقبر المقدس
– وعلية صهيون
– وجبل الزيتون.
وعلى القبر المقدس وضع الحجاج الهدايا التذكارية كالصلبان والشموع لتبريكها وتوزيعها على أصدقائهم حين عودتهم إلى بلادهم. كما زار الحجاج كنيسة الجسمانية ومهد السيد المسيح. وتصل رحلة الحجاج ذروتها ليلة سبت النور في كنيسة القيامة. ومن بين الحجاج من اختار الإقامة الدائمة في القدس ولم يعد إلى بلاده.
ويقدم غريغوريوس رأي المعارضين للإقامة في القدس : ” أن من اختار القدس مسكنا عليه أن يتحلى بصفات القداسة، فالقدس مدينة مقدسة والخطيئة فيها تحسب مضاعفة على مرتكبها “.
ومن جهة أخرى، وصف السيد المسيح القدس بأنها قاتلة الأنبياء والمرسلين (راجع متى 37:23 – 39)! فلماذا التهافت على الإقامة فيها!
وقد لقّب الحاج إلى القدس بـ “المقدسي” أي زائر القدس. ونشأت حول الحج ومغامراته قصص وروايات خرافية لا تمت إلى وقع الأحداث بصلة، وان دلّ ذلك الأدب على شيء فعلى شعبية الحج في الأوساط النسطورية وأثره في المخيلة الشعبية.
وعند وصول الحاج إلى بلاده كان يجرى له استقبال وصلاة في كنيسة الرعية، ويقدم الهدايا للكنيسة والأصدقاء. ويبدو أنّ استقبال الحاج كان أفخم وأهم على المستوى الكنسي لدى السُريان منه لدى النساطرة.
وعند وفاة الحاج يتم تكفينه بالكفن الذي جلبه من القدس وقد باركه على قبر السيد المسيح وتشير الصلوات الجنائزية في ذلك العصر إلى زيارة الحاج إلى الأماكن المقدسة كعلامة لتقواه ومكانته الاجتماعية.
تابع قلّة الحجاج والرهبان سفرهم من فلسطين إلى مصر، لزيارة الأديار القبطية في الصحراء. وقد عدّ الرهبان النساطرة واليعاقبة مصر بلاد الرهبنة ، إذ نشأت في صحاراها الحياة النسكية والرهبانية. وهكذا كانت القدس ملتقى الثقافات والأمم والكنائس المسيحية على مرّ العصور، ومعبرا وطريقا للفكر والحياة الروحية بين المؤمنين.
اتحد السواد الأعظم من النساطرة بالكنيسة الكاثوليكية في القرن السادس عشر، وعرفوا آنذاك بالكلدان. والكلدان اسم عرقي قديم أطلقته روما على النساطرة المتحدين بها. بينما سمّي النساطرة غير المتحدين بروما بالأرثوذكس أو الآشوريين. ويبلغ عدد النساطرة 80 ألفا في العراق وإيران وسوريا، 5 آلاف في الهند، 25 ألفا في الأمريكيتين .
ذكر ان من اقوال نسطور الاتي :
• المسيح يا هيبا مولود من بشر والبشر لا يلد الآلهة.. كيف نقول أن السيدة العذراء ولدت ربا ونسجد لطفل عمره شهور.لان المجوس سجدوا
• إنني أفكر كثيرا في أفلوطين وفي مصر فأرى أن كثيرا من أصول الديانة أتت من هناك لا من هنا!!!…
• الرهبنة. حب الاستشهاد.علامة الصليب.كلمة الإنجيل..حتى الثالوث هو فكرة ظهرت أولا بنصوع عند أفلوطين!!!…
• أرى أن آريوس كان مفعما بالمحبة.. وأقواله هي محاولة لتخليص ديانتنا من اعتقادات المصريين القدماء في إلهتهم فقد كان أجدادك يعتقدون في ثالوث الهي زواياه ايزيس وابنها حورس وزوجها أوزير الذي أنجبت منه من دون مضاجعة… فهل نعيد بعث الديانة القديمة ؟ لا ولا يصح أن يقال عن الله انه ثالث ثلاثة.الله يا هيبا واحد لا شريك له في إلوهيته ولقد أراد اريوس أن تكون الديانة لله وحده!!…
ذكر الدكتور / محمد عابدالجابري في مقال له في جريدة الاتحاد الامارتية باسم ( الجزيرة العربية كفضاء لحرية الاعتقاد ) ما نصه :
أما الفرق الأخرى التي انشقت عن الكنيسة الرسمية وحاولت تجاوز عقيدة التثليث بخطاب فلسفي، يطرح مشكلة العلاقة بين ما هو إلهي وما هو بشري، بين اللاهوت والناسوت، فقد انحصرت في اثنتين رئيسيتين:
إحداهما حاولت تجاوز هذه المشكلة بالفصل بين الطبيعتين، البشرية والإلهية في شخص السيد المسيح، بينما حاولت الأخرى الجمع بينهما في كل واحد .
أما الفرقة الأولى، فقد سُميت باسم مؤسسها نسطوريوس (النسطورية ) الذي ظهر في أنطاكية شمال سوريا مؤكداً على اتحاد اللاهوت والناسوت في شخص المسيح، وعلى كون مريم هي والدة السيد المسيح الإنسان لا غير، ناكراً ومستنكراً اعتبارها ‘ أم الإله ‘ كما تنص على ذلك العقيدة الرسمية•• الخ• لقيت آراؤه اهتماما كبيراً، فاستدعي إلى القسطنطينية وعين بطريركا لها• ولكن رجال الدين في الكنيسة القبطية بالإسكندرية، وكانت أكثر تمسكا بعقيدة التثليث، شنوا عليه حملة قوية، كانت النتيجة أن رفض المجمع الكهنوتي المنعقد في أفسوس عام 431م العقيدة النسطورية وتقرر نفي صاحبها نسطوريوس إلى البتراء في بلاد العرب سنة 436 (وتوفي سنة 451م)• ومع ذلك، فقد انتشرت العقيدة النسطورية، في العراق وفارس حيث حصل تبنيها هناك، فاستقلت الكنيسة النسطورية .
وسام موميكا
وسام موميكا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق