(إني أريد الانتحار)
فقلت له تمهل فإن عواقبه في الآخرة وخيمة، فقال (وهل تظنني سأدخل الجنة إن لم أنتحر ؟ أنا في كل الأحوال داخل للنار) فقلت له ما الذي فعلته لكي تضمن لنفسك النار ؟ إنك تعلم أني لا أعرفك ولا تعرفني وأنك تكلمني من وراء شاشة شبكة الإنترنت بحساب وهمي فلا بأس أن تصارحني لأساعدك في النصيحة، أجبني عن أسئلتي بصدق: أولست مسلماً ؟
قال: أنا مسلم والحمد لله، فقلت له: أمارستَ سحراً ؟ قال لا، قلت أذهبت لكاهن أو عراف أو ساحر ؟ قال لا، فقلت هل قتلتَ نفساً ؟ قال لا، قلت أعذّبت نفساً ؟ قال لا، قلت أسرقت مالاً أو أكلت حق غيرك ؟ قال لا، قلت أتسببت في سجن شخص بريء ؟ قال لا، قلت له: أأنت مدمن على الخمر أو المخدرات ؟ قال لم أذق أيا منها في حياتي، قلت فما هو ذنبك الذي جعلك تيأس ؟ أأنت عاق لوالديك ؟ أتشهد الزور ؟ قال لا، قلت: أتأكل لحم الخنزير أم تأكل مالاً حراماً ؟ أتلعب القمار ؟ قال لا أفعل أيا من هذه "أعوذ بالله" قلت له "إذًا فيبدو أنك خفت من الزنا، أتمارس الزنا ؟" قال "لا أبدا"، قلت: فما بك ضمنت النار لنفسك ؟ ماذا فعلت تحديداً ؟
فقال: ((أنا مقصر في صلاة الجماعة، ولا أعفي لحيتي، كما أن إزاري أسفل الكعبين ولست ملتزماً في غض البصر)) فقلت له: لو تولت أمك حسابك أكانت لتدخلك النار من أجل ما ذكرت ؟ قال "لا" قلت: لماذا ؟ قال لأن أمي تحبني وهي رحيمة بي، فقلت له قال النبي ﷺ ((لله أرحم بعباده من هذه المرأة بولدها)) واعلم أن الرحمة التي وزّعت على كل الخلائق بمن فيهم أمك وأمي وأمهات البشر والجن والحيوانات والحشرات والمخلوقات التي لا نعلمها لو اجتمعت جميعاً فهي رحمة من مائة رحمة ألقى واحدة في الدنيا وأمسك عنده 99 رحمة للآخرة أي أني عندما أقول بأن الله أرحم بك من أمك فإني لا أقصد أنه أرحم منها بنسبة قليلة أو بمجرد الضعف وإنما رحمة الخلائق مجتمعة ببعضها تصل إلى نسبة 1% من رحمة الله بخلقه، أي بك وبي وبأمك وكل الخلائق، فهل تعتقد بعد كل هذا الكلام أنك ضامن للنار ؟
ثم إن المسائل التي ذكرتَها غير مجمع على تحريمها إلا مسألة غض البصر فهي محرمة على تفصيلٍ واختلاف بين العلماء في المحرم منها ومع ذلك فهي من الصغائر، أما اللحية فمختلف في حكمها ما بين مجيز لحلقها كالشافعية وما بين محرم لحلقها والمحرمون اختلفوا أيراد بالحديث مطلق الإعفاء أم الإعفاء المطلق وإن أريد الأول فهل لها حد شرعي أم عرفي أم صُوَري فمنهم من أجاز التخفيف منها بشرط ألا تحلق بالكلية ومنهم من حدها بالقبضة أما أصحاب القول الثاني فهم الذين أوجبوا إعفاءها بإطلاق والراجح عندي هو جواز حلقها كما ذهب لذلك الشافعية، وأن الإعفاء بغض النظر عن كون المراد منه الوجوب أم الاستحباب أم الجواز فإن المراد مطلق الإعفاء لا الإعفاء المطلق،
وكذلك الإسبال اختلف فيه هل المحرم الإسبال للخيلاء أم لغير الخيلاء والراجح أن المحرم هو الإسبال للخيلاء أما لغير خيلاء فاختلف العلماء ما بين قائل بالجواز والكراهة والتحريم، والأرجح عندي هو الجواز لقول النبي ﷺ لأبي بكر ((لستَ من يفعل ذلك من خيلاء))،
وأما صلاة الجماعة فمِن الفقهاء من رآها فرض كفاية ومنهم من رآها مستحبة ومنهم من قال بوجوبها والأرجح عندي أنها فرض كفاية مستحبة للأعيان، فإن كان هناك من أداها سقطت عن الجميع وكان المشارك فيها أعلى أجرا من مصليها في البيت وإن لم يؤدها أحد وقع الذنب على الجميع. وأما غض البصر فإني لستُ أشجع على عدم غض البصر فلا شك أنه أزكى للنفس، وهو محرّم على كل حال، ولكن هل عدم غضك للبصر يعني اليأس من رحمة الله إلى درجة أن تستسلم وتساوي بين ذلك وبين الانتحار ؟
هذه نتائج الترهيب المفرط التي تسبب للناس الاكتئاب وسوء الظن بالله عز وجل.
فإن كنت ترى أسلوبي ومنهجي غريبا ومتساهلا فاعلم أن النبي ﷺ قال ما هو أكثر تساهلا منه لمن فعل ذنبا أعظم من ذنبك فعن أنس رضي الله عنه قال: كنت عند النبي ﷺ فجاء رجل فقال:(( يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه عليّ، ولم يسأله النبي ﷺ ، فحضرت الصلاة فصلى مع النبي ﷺ ، فلما قضى النبي ﷺ الصلاة، قال ـ أي الرجل ـ : يا رسول الله إني أصبت حدا فأقم فيّ كتاب الله، فقال رسول اللَّهﷺ : " أليس قد صليت معنا؟ " قال: بلى. قال: " فإن الله قد غفر ذنبك)). [رواه البخاري ومسلم].
وقال رسول اللَّهﷺ : ((إن رجلا أذنب ذنبا , فقال : يا رب , إني أذنبت ذنبا فاغفره . فقال الله : عبدي عمل ذنبا , فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به , قد غفرت لعبدي , ثم عمل ذنبا آخر فقال : رب , إني عملت ذنبا فاغفره . فقال تبارك وتعالى : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به , قد غفرت لعبدي . ثم عمل ذنبا آخر فقال : رب , إني عملت ذنبا فاغفره لي . فقال عز وجل : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به , قد غفرت لعبدي , ثم عمل ذنبا آخر فقال : رب , إني عملت ذنبا فاغفره . فقال عز وجل : عبدي علم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به , أشهدكم أني قد غفرت لعبدي , فليعمل ما شاء)). [رواه مسلم].
وفي رواية للبخاري قال الله ((غفرت لعبدي لثلاثا فليعمل ما شاء)).
وفي صحيح مسلم أن النبي ﷺ : ((إن لله عز وجل مائة رحمة، فمنها رحمة يتراحم بها الخلق وبها تعطف الوحوش على أولادها، وأخر تسعة وتسعين إلى يوم القيامة)).
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال ((والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الفاجر في دينه الأحمق في معيشته، والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الذي قد محشته النار بذنبه، والذي نفسي بيده ليغفرن الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس رجاء أن تصيبه)) [رواه الطبراني]
عَنْ أَبِي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((لقد أُرِيتُ رجلًا يتقلَّبُ في الجنَّةِ في شَجَرةٍ قطعَها مِنْ ظَهْرِ الطريقِ، كانت تُؤذِي المسلِمينَ)). [رواه مسلم]
وعن أبي هريرة أيضا أن النبي ﷺ قال: ((نزَعَ رجلٌ لم يَعْمَلْ خيرًا قطُّ غُصْنَ شوكٍ عن الطريقِ، إما كان في شجرةٍ فقَطَعَه وألقاه ، وإما كان موضوعًا فأَماطَه، فشَكَرَ اللهَ له بها؛ فأدَخَلَه الجنةَ)) [رواه أبو داوود، وصححه الألباني].
وقال النبي ﷺ : ((قالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ: فإذا ماتَ فَحَرِّقُوهُ واذْرُوا نِصْفَهُ في البَرِّ، ونِصْفَهُ في البَحْرِ، فَواللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عليه لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذابًا لا يُعَذِّبُهُ أحَدًا مِنَ العالَمِينَ، فأمَرَ اللَّهُ البَحْرَ فَجَمع ما فِيهِ، وأَمَرَ البَرَّ فَجَمع ما فِيهِ، ثُمَّ قالَ: لِمَ فَعَلْتَ؟ قالَ: مِن خَشْيَتِكَ وأَنْتَ أعْلَمُ، فَغَفَرَ له)) [رواه البخاري]
وقال النبي ﷺ ((إن رجلاً لم يعمل خيرًا قطُّ ، وكان يُدايِنُ الناسَ ، فيقولُ لرسولِه:خذ ما تَيسَّرَ واتركْ ما عَسُرَ ، وتَجاوزْ لعل اللهَ تعالى، أن يتجاوزَ عنا، فلما هلك قال اللهُ عز وجل له:هل عَمِلتَ خيرًا قطُّ؟ قال:لا إلا أنه كان لي غلامٌ وكنتُ أُداينُ الناسَ ، فإذا بعثتُه ليتقاضى، قلتُ له: خذ ما تَيسَّرَ، واترك ما عَسُرَ، وتجاوزْ ، لعل اللهَ يتجاوزُ عنا، قال اللهُ تعالى:قد تجاوزتُ عنك)). [صححه الألباني في صحيح الترغيب]
فزالت أفكار الانتحار عن ذلك السائل وزادت طمأنينته وحبه لله عز وجل حتى قال (كنت أعبد الله على خوفٍ فصرت أعبده على حبٍّ أيضاً وصار لي أمل في الرجاء).
منقول بتصرف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق