د.المطعني ويوسف شاهين بين التكريم والإهمال**
بقلم د. ناجح إبراهيم
فقدت الدعوة الإسلامية فارسا ً من فرسانها .. وزاهدا ً من زهادها .. ومدافعا ً قويا ً عن الإسلام والدين .. وهو الدكتور / عبد العظيم المطعني .
ورغم أنني لم أشرف بلقاء الدكتور المطعني في لقاء خاص إلا أنني أذكر له موقفا ً جميلا ً وطريفا ً في الوقت نفسه .. حيث أنه كان سيحاضر في معسكر الجماعة الإسلامية بجامعة القاهرة .. وكان وقتها لم يطلق لحيته بعد .. فقال له بعض أصدقائه هؤلاء الشباب متشدد في مسألة اللحية ولا يقبل أن يحاضر في المعسكر شيخ بدون لحية .. وأخشى أن يحدث لك مكروه .. فقال : لا .. هؤلاء أولادي وأنا أحبهم .. وأشعر أنهم يحبونني وأنا سأذهب إليهم وأحاضرهم .. فأنا لا أستغني عن لقائهم .. وأظن أنهم لا يستغنون عن أمثالنا من الدعاة .
* وفعلا ً جاء إلي المعسكر وحاضر فيه .. واستقبل بشخصه وكلامه استقبالا ً طيبا ً .. ولقي قبولا ً واسعا ً بين الإخوة الحاضرين .
* والحمد لله أن الدكتور عبد العظيم المطعني أكمل هديه الظاهر بلحيته الجميلة البيضاء .. ليكمل له نور الظاهر والباطن .. وطهارة القلب والجوارح .. واكتمال خيرهما .
ورغم دخولي المعتقل لسنوات طويلة فلم تنقطع صلتي اليومية أبدا ً بالدكتور المطعني عن طريق برامجه وأحاديثه الطيبة في إذاعة القرآن الكريم .. وخاصة برنامجه اليومي عن بلاغة القرآن .. فقد كان كلامه ينفذ إلي القلوب دون وساطة .
* وفي الحقيقة لا يعرف قيمة إذاعة القرآن الكريم سوي المعتقلين وأشباههم الذين يشعرون بقوة أن هذه الإذاعة عبارة عن جامعة إسلامية تهدي القلوب .. وتثري الفكر .. وتطهر النفوس من أدرانها ..
* وحينما تستمع للدكتور / المطعني يدخل كلامه إلي قلبك مباشرة دون تكلف .. وقد واظبت علي سماعه أكثر من عشرين عاما ً كاملة قبل الانشغال في محاضرات السجون التي تلت تفعيل المبادرة في أواخر سنة 2001 م .
وقد كان د. المطعني يعتبر شباب الحركة الإسلامية جميعا ً أبناء ً له دون تعصب لفريق دون الآخر .. ودون تصنيف لهذا عن ذاك .. وكان يعتبرهم جميعا ً أولادا ً له وذلك منذ السبعينات وحتى أواخر حياته .
* وبفقد هذا العالم الجليل تكون الدعوة الإسلامية قد خسرت خلال أعوام قليلة .. مجموعة من الدعاة البارزين الذين أثروا الدعوة إلي الله .. وتركوا بصمة قوية للخير من بعدهم .. وعلي رأسهم الشيخ الشعرواي والغزالي وكشك وحسن أيوب .. وغيرهم .. وهؤلاء تركوا فراغا ً كبيرا ً لم يملؤه أحد من بعدهم حتى الآن .
* فساحة الدعوة الإسلامية الآن راكدة لا تجديد فيها ولا نشاط .. وهناك حالة من الركود للفكر الإسلامي تلمسه في نوعيات الكتب الدينية المنتشرة بين شباب الحركة الإسلامية .. والتي تشبه إلي حد كبير ملخصات الامتحانات لطلبة الجامعات .. والتي يتكلم أكثرها عن الجن والمس به .. والتداوي بالأعشاب وما شابه ذلك .. وكيفية العلاج من العين .
* وكأن الأمة الإسلامية دون غيرها من الأمم ركبها الجن وتلبس بها .. مع اعترافنا بوجود الجن .. وأن العين حق .. ولكن مشكلة الأمة الإسلامية وكذلك الحركة الإسلامية أكبر من ذلك وأعمق .. وأشد خطرا ً من ذلك .
* وتأخر الأمة والحركة الإسلامية لم ينتج عن الجن والعين .. ولكنه نتيجة لفساد القلوب وتخلف العقول وغياب الضمير الوازع .. والاهتمام بالمظهر دون الجوهر .. وبالشكل دون المضمون .. وظاهر الإثم وباطنه.
* والدكتور عبد العظيم المطعني يختلف عن غيره من علماء الأزهر .. فهو عالم موسوعي يهتم بالقضايا المعاصرة .. ويشتبك مع واقع مجتمعه وآفاته .. كما يهتم بالعلوم الأكاديمية وخاصة العلوم البلاغية وتفسير القرآن الكريم .
ولذلك كانت كتاباته شديدة التنوع والثراء .. وتجمع بين الواجب الشرعي والواقع العملي ..
* وكان الدكتور المطعني من علماء الأزهر القلائل الذي لم يقتصر علي طريقة واحدة في تبليغ دعواته .. فقد كان يحاضر .. ويدرس .. ويكتب الكتب .. ويكتب في الصحافة مثل الأهرام والنور وآفاق عربية والمساء .. كما كان ضيفا ً ثابتا ً علي برنامج إذاعة القرآن الكريم .. وضيفا بين الحين والآخر في بعض القنوات الفضائية الإسلامية .
* ولذلك كان له باع كبير في التصدي لكثير من القضايا المعاصرة ومنها علي سبيل المثال لا الحصر .. تصديه للمخالفات الشرعية في قوانين المرأة والطفل .. والذي حاولت جهات كثيرة تمريرها رغما ً عن رفض أغلبية الشعب المصري لها .. وذلك لأنها لا تتوافق مع دينه وثقافته وعاداته الاجتماعية الصحيحة .. ولا تناسب الواقع المصري بحال من الأحوال .. بل إن بعضها يخالف الفطر السليمة التي فطر الله عليها الإنسان عامة والمسلم خاصة .
* ورغم علم الدكتور / المطعني وأقدميته كأستاذ جامعي في الأزهر الشريف إلا أنه لم ينل أي منصب رسمي .. وهو لم يسع لذلك في يوم من الأيام .. وكذلك المناصب تعرف أصحابها .. فلم تسع إليه المناصب أيضا ً .. ولم يحزن علي ذلك يوما ً .
* فقد كان عفيفا ً متعففا ً في الدنيا وجاهها ومناصبها .. وأكثر ما كان يشغله هو الدعوة إلي الله والتبتل في محراب العمل للإسلام والدين .
* وقد رحل الدكتور / المطعني عن الحياة في نفس الأسبوع الذي مات فيه المخرج / يوسف شاهين .. المعروف بأشياء يعف القلم عن ذكرها .. والذي كان يكره الأذان والحجاب .. والذي سألته ذات مرة المذيعة الخليعة / هالة سرحان سؤالا ً فاحشا ً في احدي برامجها قائلة له : من هي الممثلة التي اكتشفتها في الفراش ؟ .. هكذا دون حياء أو مواربة .. وهذا السؤال تكرر عشرات المرات في تتر الإعلان عن البرنامج .
* لقد مات الدكتور المطعني ويوسف شاهين في أسبوع واحد .. ولك أن تقارن بين حجم التكريم والاهتمام والاحتفاء الإعلامي بيوسف شاهين في كل أجهزة الإعلام الرسمية وغير الرسمية .. من صحف ومجلات وتلفزيون وإذاعة وقنوات فضائية .. ومدي الإهمال لهذا العالم الأزهري الجليل الذي خدم الدعوة الإسلامية ردحا ً طويلا ً من الزمان .. وكأن أوطاننا ليست أوطان الدعاة والعاملين للإسلام .. ولكنها أوطان غيرهم .
* وقد بلغت مؤلفات الدكتور المطعني أربعين كتابا ً معظمها صدر عن مكتبة وهبة الشهيرة .. ومنها علي سبيل المثال لا الحصر :-
* " افتراءات المستشرقين علي الإسلام عرض ونقد ".. ويعرض فيه أربعين طعنا ً من طعون المستشرقين في الإسلام ويرد عليهم ردا ً واضحا ً جليا ً .
* " سماحة الإسلام في الدعوة إلي الله والعلاقات الإنسانية منهاجا ً وسيرة " .
* " مصادر الإبداع بين الأصالة والتزوير " .
* " هذا بيان للناس الشبهات الثلاثون المثارة لأفكار السنة النبوية " .
* جريمة العصر قصة احتلال المسجد الحرام " .
* أوروبا في مواجهة الإسلام الوسائل والأهداف " .
* الإسلام في مواجهة الأيدلوجيات المعاصرة .
* " الارتداد عن الدين بين الأدلة الشرعية وشبهات المنكرين " .
* " خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية " .
* التفسير البلاغي للاستفهام في القرآن الكريم " .
* الفقه الاجتهادي الإسلامي بين عبقرية السلف ومآخذ ناقدية " .
* ملاحظات موضوعية حول فتوي إسلام المرأة دون زوجها .. وهل يفرق بينهما " .
رحم الله د. عبد العظيم الطعني .. وأجزل له المثوبة والعطاء .. وجزاه الله عن الإسلام والدعوة الإسلامية خيرا ً .. وأخلف الله علي الحركة الإسلامية خيرا ً .. وجمعنا وإياه في مقعد صدق عند مليك مقتدر .