alt="حكم الخروج على الحاكم الجائرعند أهل السنة والجماعة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا إله غيره، أول بلا ابتداء وآخر بلا انتهاء، لا يفنى ولا يبيد ولا يكون إلا ما يريد. لا شيء مثله ولا شيء يعجزه. " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴿الشورى: ١١﴾" وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة وجاهد في سبيل الله حتى آتاه اليقين، صلواتك ربي وسلامك عليه كل ما طلع الليل والنهار. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴿النساء: ١﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴿الأحزاب: ٧٠ - ٧١﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴿آلعمران: ١٠٢﴾ أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألها، وإن ما توعدون لآت، وما أنتم بمعجزين. المقدمة من المسلمات التي لا خلاف فيها عند علماء السلف أن مذهب أهل السنة والجماعة هو الخروج على الحاكم إذا كفر. ولكن الخلاف وقع في الخروج على الحاكم المسلم إذا جار أو فسق أو دعى إلى بدعة. وقد راق لحكام هذا الزمان أصحاب المذهب القائل بعدم الخروج، فقربوا أهله وجعلوهم على رأس المؤسسات الدينية ليكونوا السيف الذي يفتك بأهل الحق والدعاة الصادقين. فتجد هؤلاء العلماء رحماء لينون مع الحاكم الظالم المبدل لشرع الله وغلاظ أشداء مع المخالفين يصفونهم بأقذع الأوصاف. فعظم شأن هؤلاء العلماء، فأصبح ديدنهم الذب عن السلاطين المبدلين لشرع الله وأضفاء الشرعية على ولايتهم، حتى وصل الأمر عند هؤلاء العلماء أن جعلوا الخروج على الحاكم إذا كفر مسألة فيها نظر وتتعلق بالمصالح والمفاسد، ثم جعلوا القدرة شرط صحة لا يجوز الخروج إلا إذا تحققت، وادعوا الإجماع عند أهل السنة والجماعة على عدم الخروج على الحاكم إذا جار. ثم قالوا أن الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله المبدل لشرع الله ليس بكافر ليدخلوه في خانة الحاكم الجائر أو المبتدع، لينازعوا المخالف في مسألة الخروج عليه. فمن أهم مبررات علماء السلاطين بالقول بعدم الخروج على حكام عصرنا أنهم حكام جور، والخروج قد يؤدي إلى مفسدة ويؤثر على مصلحة الدعوة، ويصفون المخالف الذي يقول بالخروج على هؤلاء الحكام بالجهل والحماس والثورية والإنشائية. فواعجباه، أهم أكثر علماً بمصلحة الدعوة وعندهم حكمة أكثر من السلف الذين كانوا يرفضون تولي القضاء عند الحاكم الذي يحكم بالشرع لظلمه. ويصدعون بالحق ولا يثنيهم عن قول الحق السجن والتعذيب، فلا يقولوا مصلحة الدعوة تثنينا عن قول الحق. أفعلماء هذا الزمان أعلم أما أخلص أما أفهم من علماء السلف، فليجيبوا. فما أظن علماء عصرنا إلا مداهنون للحكام جبناء في قول الحق إلا من رحم ربي ممن ينتمي للطائفة المنصورة. فليقرؤا سيرة الإمام النابلسي[1] الذي سلخ جلده حياً ليعود عن قول الحق فما فعل. فوقف – رحمه الله - في وجه الحاكم العبيدي وقال الحق، وهذه قصته نسردها لعل عباد مصلحة الدعوة يعودوا لعبادة الله. قال الذهبي في ترجمة أبي بكر النابلسي: قال أبو ذر الحافظ: سجنه بنو عُبيد ،وصلبوه على السنة، سمعت الدارقطنَّي يذكره ويبكي، ويقول كان يقول، وهويُسلخ:{كَانَ ذَلَكَ فِي الكِتَابِ مَسْطُوراً}. قال أبو الفرج بن الجوزي:أقام جوهر القائد لأبي تميم صاحب مصر أبا بكر النابلسي، وكان ينزل الأكواخ فقال له: بلغنا أنك قلت:إذا كان مع الرجل عشرة أسهم، وجب أن يرميَ في الروم سهماً،وفينا تسعة. قال:ما قلت هذا،بل قلت:إذا كان معه عشرةُ أسهم، وجب أن يرميكم بتسعة، وأن يرمي العاشر...فيكم أيضاً؛فإنكم غيرتم الملة،وقتلتم الصالحين،وادعيتم نور الإلهية، فشهَره ثم ضربه ثم أمر يهوديا فسلخه، وقال ابن الأكفاني: (سُلِخ ،وحُشِيَ تبناً-علف الماشية-،وصُلب)،وقيل: (سُلخ من مفرِقِ رأسه حتى بلغ الوجه، فكان يذكر الله، ويصبر حتى بلغ الصدر،فرحمه السلاخ، فوكزه بالسكين موضع قلبه، فقضى عليه،وقيل: ((لما سُلخ كان يُسمع من جسده قراءة القرآن))[2]، فرحم الله الإمام النابلسي رحمة واسعة. وقد انقسم العلماء في هذه المسألة إلى طائفتين. الأولى تذهب إلى عدم جواز الخروج على الحاكم الجائر، والآخرى تذهب إلى جواز الخروج على الحاكم الجائر. فالغاية من هذا البحث إثبات أن القول بالخروج على الحاكم الجائر من أقوال أهل السنة والجماعة وليس قول الخوارج أو البغاة. بل هناك من خرج على الحاكم الجائر من كبار الأئمة وأهل العلم من أمثال الحسين بن علي وعبدالله ابن الزبير – رضي الله عنهما – وسعيد ابن جبير وابن الأشعث – رحمهما الله – وكذلك النفس الزكية خرج على أبو جعفر المنصور. فكما هو واضح أن كبار أئمة أهل السنة قالوا بالخروج، وخرجوا على حكام الجور الذين إذا ما قورنوا بحكام اليوم لعدوا حكام عدل، لقد أقاموا الدين وقاموا بالجهاد وفتحوا البلاد، وعندما ظلموا خرج الأئمة عليهم. يتالف هذا البحث من مقدمة ، ومبحثين، وخاتمة. المبحث الأول : يتضمن ثلاثة مطالب: الأول: عقد الإمامة وإلتزامات الإمام اتجاه الأمة، والثاني: طاعة الإمام، والثالث: الأسباب التي ينعزل الإمام بها. المبحث الثاني : يتضمن مطلبين الأول: أهل المذهب القائل بعدم الخروج على الحاكم الجائر. والثاني: أهل المذهب القائل بجواز أو وجوب الخروج على الحاكم الجائر. الخاتمة : تدور حول الترجيح بين المذهبين وواقع حكام عصرنا وحكم الخروج عليهم. المبحث الأول يدور هذا المبحث حول كيفية عقد الإمامة، ووجوب طاعة الإمام وحدود الطاعة، وبما يعزل الإمام. وينقسم إلى ثلاثة مطالب: الأول: عقد الإمامة وإلتزامات الإمام اتجاه الأمة، والثاني: طاعة الإمام، والثالث: الأسباب التي ينعزل الإمام بها. المطلب الأول: عقد الإمامة الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع وإن شذ عنهم الأصم، واختلف في وجوبها هل وجبت بالعقل أو الشرع[3]. وهناك شروط يجب أن تتوفر في أهل الإمامة، وكيفية انعقادها، كل هذا مذكور في كتب الفقه لمن أراد أن يعرفها، فهذا ليس موضع ذكرها. ولكن هناك إلتزامات من أمور العامة يجب على الإمام أن يأديها ويعمل على إقامتها، لأن هذه الإلتزامات من مستحقات الرعية على الراعي ومن ضمن مسؤولياته، وهذا ثابت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ـ عن عبد الله بن عمر ـ رضى الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته"[4]. وتتلخص هذه الإلتزامات فيما يلي[5] : 1. حفظ الدين على أصوله المستقرة وما أجمع عليه سلف الأمة، فإن نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة عنه أوضح له الحجة وبين الصواب وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود، ليكون الدين محروساً من خلل، والأمة ممنوعة من زلل. 2. تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين وقطع الخصام بين المتنازعين حتى تعم النصفة، فلا يتعدى ظالم ولا يضعف مظلوم. 3. حماية البيضة والذب عن الحريم ليتصرف الناس بالمعايش وينتشروا في الأسفار آمنين من تغرير بنفس إو مال. 4. إقامة الحدود لتصان محارم الله تعالى عن الانتهاك وتحفظ حقوق عباده من إتلاف واستهلاك. 5. تحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة حتى لا تظفر الأعداء بغرة ينتهكون فيها محرماً أو يسفكون فيها لمسلم أو معاهد دماً. 6. جهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمة ليقام بحق الله تعالى في إظهاره على الدين كله. 7. جباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع نصاً واجتهاداً من غير خوف ولا عسف. 8. تقدير العطايا وما يستحق في بيت المال من غير سرف ولا تقتير ودفعه في وقت لا تقديم فيه ولا تأخير. 9. استكفاء الأمناء وتقليد النصحاء فيما يفوض إليهم من الأعمال ويكله إليهم من الأموال، لتكون الأعمال بالكفاءة مضبوطة والأموال بالأمناء محفوظة. 10. أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور وتصفح الأحوال، لينهض بسياسة الأمة وحراسة الملة، ولا يعول على التفويض تشاغلاً بلذة أو عبادة، فقد يخون الأمين ويغش الناصح، وقد قال الله تعالى: يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴿ص: ٢٦﴾ فإذا قام الإمام بحقوق الأمة التي ذكرت آنفاً، فقد أقام حق الله فيهم وبرأت ذمته أمام الله، فوجب على الأمة أن تؤدي الحقوق الواجبة عليها للإمام وهي السمع والطاعة والنصرة. فلو نظرت رحمك الله وتأملت في حال حكام هذا الزمان لوجدتهم لا يلتزمون بشيء مما ذكر آنفاً، فلا حفظوا ديناً، ولا نفذوا الأحكام، ولا حموا بيضة المسلمين بل أعانوا الكفار على احتلال بلاد المسلمين، ولا أقاموا الجهاد، بل هم أسوء من حكام الغرب الكافر، لأنهم لا تقوم سياستهم على الانحياز لشعوبهم بل يدأبون بالعمل ضد مصالح شعوبهم، ويعادونهم، فتجد أحدهم منذ أن يحكم حتى يهلك وهو متبع أسياده الأمريكان والأنجليز. فوالله إنهم في ميزان الشيطان جواسيس وخونة، فلا هم أقاموا ديناً ولا أقاموا دنيا. المطلب الثاني: طاعة الأمام وحدودها فلقد فرض الله علينا طاعة أولي الأمر فينا وهم الأمراء والعلماء كما قال شيخ الإسلام ابن تيميه، وثبت ذلك في كتاب الله، بقوله سبحانه: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴿النساء: ٥٩﴾"، وعلى لسان رسوله صلى الله علية وسلم قال: " من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني "[6] . فطاعة الإمام واجبة ما أقام الدين ولم يأمر بمعصية، وعلى المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " السمع والطاعة على المرء المسلم، فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة"[7]. وروى البخاري في صحيحه عن عبادة بن الصامت قال دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذعلينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان[8]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع " . قالوا يا رسول الله ألا نقاتلهم قال " لا ما صلوا " [9]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم " . قالوا قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك قال " لا ما أقاموا فيكم الصلاة لا ما أقاموا فيكم الصلاة ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة "[10] . الواضح من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن طاعة الإمام مقيدة بإقامة الصلاة أي إقامة الدين، وأن لا نرى كفراً بواحاً فيه من الله برهان. فإن لم يقم الدين وأظهر الكفر البواح، فلا سمع ولا طاعة. فإذاً،لا طاعة للإمام إذا أمر بمعصية أو إذا لم يقم الدين. فإذا طبقت هذه القاعدة على حكام عصرنا (مع إيماننا الكامل بأنهم كفار خارجون عن ملة الإسلام لتبديلهم شرع الله وموالاتهم أعداء الإسلام وتمكين الأعداء من رقاب المسلمين، فما تركوا باباً من أبواب الكفر إلا وولجوا فيه ولا ناقضاُ من نواقض الإسلام العشر إلا وفعلوه، ولكن محاججة لمرجئة العصر الذين يقولون عنهم حكام جور وواجب طاعتهم)، فما يأمرون إلا بمعصية ولا يقيمون إلا دين الغرب الملحد ودين ماركس ودين إليزابيث. فها هم نحوا شريعة خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم، ويحكمون بشريعة ياسق العصر، دساتير الانحلال والانحطاط، ويجبرون المسلمين على التحاكم إليها، وينشرون الرذيلة ويعيثون في الأرض الفساد. فقل لي بربك، هل هناك معصية أكبر من إجبار الناس على التحاكم إلى شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم. فكيف نطيع من بدل الدين وأهلك الحرث والنسل، كيف نطيع من ينصر الكفار على المسلمين في العراق وأفغانستان وتسبب في قتل أكثر من مليون طفل عراقي بمساعدة الكفار في فرض الحصار على العراق إبان التسعينيات من القرن الماضي، وسمح للطائرات الأمريكية بالانطلاق من أرضه لضرب المسلمين بأفغانستان، ولقد أنكر شيخنا الإمام حمود بن عقلاء الشعيبي على حكام الجزيرة هذا الفعل، فاستدعاه جهاز الأمن للتحقيق فلم يلبث بعدها إلا أياماً معدودة ثم توفاه الله، والراجح مقتولاً على أيدي طاغوت الجزيرة مسموماً كما شهد بهذا ثقات. قال تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴿الإسراء: ٣٣﴾ . وعن عبدالله ابن عمر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم"[11]، عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار"[12] ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من اعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله عز وجل مكتوب بين عينيه ايس من رحمة الله "[13]. فلا سمع ولا طاعة لمثل هؤلاء الطواغيت. لأن الطاعة لهم تكريساً للظلم والرضى به، وهذا خلاف لدعوة الإسلام التي جاءت لرفع الظلم وتحرير الناس من الاستبداد والاستعباد وتكريس العدل، وليقوم الناس بالقسط، قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴿الحديد: ٢٥﴾ . المطلب الثالث: بما يعزل الإمام فالمقصود من الإمامة كما ذكرالماوردي من إلتزامات الإمام (انظر ص 4) حفظ الدين على أصوله المستقرة، وإقامة الحدود وتحكيم الشرع، والجهاد في سبيل الله. فلا تصح بيعة الإمام إلا إذا قام بهذه الإلتزامات وحرص على تنفيذها، لإن إمامته لا تصح إلا إذا بايع الأمة على القيام بهذه الإلتزامات وإلا وجب خلعه بالإجماع. وقد يعزل الإمام لأسباب كثيرة قد ذكرها الأئمة في كتب الفقه والآثر. قال الماوردي: وإذا قام الإمام بما ذكرناه من حقوق الأمة (هذه الحقوق ذكرت في المطلب السابق) فقد أدى حق الله تعالى فيما لهم وعليهم، ووجب له عليهم حقان: الطاعة والنصرة ما لم يتغير حاله. والذي يتغير به حاله فيخرج به عن الإمامة شيئان: أحدهما: جرح في عدالته. والثاني: نقص في بدنه. فأما الجرح في عدالته وهو الفسق فهو على ضربين: أحدهما: ما تابع فيه الشهوة. والثاني: ما تعلق فيه بشبهة. فأما الأول منهما: فمتعلق بأفعال الجوارح وهو ارتكابه للمحظورات، وإقدامه على المنكرات تحكيماً للشهوة وانقياداً للهوى، فهذا فسق يمنع من انعقاد الإمامة واستدامتها، فإذا طرأ على من انعقدت إمامته خرج منها، فلو عاد إلى العدالة لم يعد إلى الإمامة إلا بعقد جديد. وأما الثاني منهما: فمتعلق بالاعتقاد المتأول بشبهة تعترض فيتأول لها خلاف الحق، فقد اختلف العلماء فيها. فذهب فريق منهم إلى أنها تمنع من انعقاد الإمامة ومن استدامتها ويخرج بحدوثه منها لأنه لما استوى حكم الكفر بتأويل وغير تأويل وجب أن يستوي حال الفسق بتأويل وغير تأويل. وقال كثير من علماء البصرة: إنه لا يمنع من انعقاد الإمامة ولا يخرج به منها كما لا يمنع من ولاية القضاء وجواز الشهادة. وأما ما طرأ على بدنه من نقص فينقسم ثلاثة أقسام: أحدها: نقص الحواس، والثاني: نقص الأعضاء، والثالث: نقص التصرف[14]. وهناك تفصيل لكل قسم من الأقسام الثلاثة ليس هذا موضع ذكرها لأنها ليست محل البحث ومخافة أن يطول المقام. وقال العلائي [15] – رحمه الله - في ( المجموع المُذْهَب في قواعد المذهب ) : " الإمام الأعظم إذا طرأ فسقُه ، فيه ثلاثة أوجُهٍ : أحدها : أنه ينعزل ، وصححه في البيان .الثاني : لا ينعزل ، وصححه كثيرون ، لما في إبطال ولايتِه من اضطراب الأحوال . الثالث : إنْ أمكنَ استتابَتُه أو تقويمُ أَوَدِهِ ، لَم يُخلع ، وإنْ لَم يمكن ذلك ، خُلِعَ " [16]. وقال القاضي عياض – رحمه الله - لا تنعقد الإمامة لفاسق ابتداءً، وحكاه عن القاضي عياض النفيس العلوي[17]. وكذلك ذكر الإمام القرطبي – رحمه الله – في تفسير قول الله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴿الحجرات: ٦﴾ " فبعد أن ذكر عدة مسائل حول هذه الآية، ثم ذكر قول ابن العربي، حيث قال " قَال ابن العربي : ومن العجب أن يجوز الشافعي ونظراؤه إمامة الفاسق. ومن لا يؤتمن على حبة مال كيف يصح أن يؤتمن على قنطار دين. وهذا إنما كان أصله أن الولاة الذين كانوا يصلون بالناس لما فسدت أديانهم ولم يمكن ترك الصلاة وراءهم، ولا استطيعت إزالتهم صُلي معهم ووراءهم ، كما قال عثمان : الصلاة أحسن ما يفعل الناس ، فإذا أحسنوا فإحسن ، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم . ثم كان من الناس من إذا صلى معهم تقية أعادوا الصلاة لله ، ومنهم من كان يجعلها صلاته. وبوجوب الإعادة أقول، فلا ينبغي لأحَدٍ أن يترك الصلاة مع من لا يرضى من الأئمة، ولكن يعيد سراً في نفسه، ولا يؤثر ذلك عند غيره." [18] وكذلك لا يكون الظالم إماماً كما ذكر الجصاص في تفسير آية : وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴿البقرة: ١٢٤﴾ . وقد روي عن السدي في قوله تعالى : ** لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } أ نه النبوةَ . وعن مجَاهد : أنه أَراد أن الظالم لا يكون إمامًا ، وعن ابن عباس أَنَّه قَال : " لا يلزم الوفَاء بعهد الظالم ، فإِذا عقد عليك في ظلم فَانقضه " . وقَال الحسن : " ليس لهم عند اللَّه عهد يعطيهم عليه خيرًا في الآخرة " [19]. فكما هو واضح من كلام الأئمة أنه لا تنعقد الإمامة لفاسق وإذا طرأ عليه الفسق وجب خلعه. فهذا دليل واضح على عدم جواز انعقاد الإمامة لحكام عصرنا لأن فسقهم لا يخفى إلا على أعمى البصر والبصيرة، فوجب خلعهم بقول الأئمة وتنصيب إماماً عادلاً متى أمكن ذلك. لأن خطر بقاء هؤلاء الحكام على الدين شديد، وكلما طال بقاؤهم، زاد هدم الدين، واستشرى الفساد وترسخ الباطل وضعف الحق. المبحث الثاني يتضمن مطلبين، الأول: أهل المذهب القائل بعدم الخروج على الحاكم الجائر. والثاني: أهل المذهب القائل بجواز أو وجوب الخروج على الحاكم الجائر. المطلب الأول: أهل المذهب القائل بعدم الخروج على الحاكم الجائر عمدة أهل هذا المذهب من العلماء والأئمة، هي قوله سبحانه: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴿النساء: ٥٩﴾"، والأحاديث النبوية التي ذكرت في هذا الباب في كتب الحديث ومنها: عن عبادة بن الصامت قال دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذعلينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان[20] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع " . قالوا يا رسول الله ألا نقاتلهم قال " لا ما صلوا " [21]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم " . قالوا قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك قال " لا ما أقاموا فيكم الصلاة لا ما أقاموا فيكم الصلاة ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة" [22]. وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، قلت يا رسول الله إنا كنا بشر فجاء الله بخير فنحن فيه فهل من وراء هذا الخير شر قال " نعم ". قلت هل وراء ذلك الشر خير قال " نعم " . قلت فهل وراء ذلك الخير شر قال " نعم " . قلت كيف، قال " يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداى ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس " . قال قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك قال " تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع " [23]. ننتقل إلى ذكر أقوال العلماء الذين قالوا بعدم جواز الخروج على الحاكم الجائر. يعتبر الحنابلة على رأس أهل هذا المذهب والمشهور من قولهم هو بعدم جوازالخروج على الحاكم الجائر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : والصبر على جور الأئمة أصل من أصول أهل السنة والجماعة[24] . وقال ايضاً - رحمه الله - : وكان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة ؛ كما كان عبد الله ابن عمر وسعيد بن المسيب وعلي بن الحسين وغيرهم ينهون عام الحرة عن الخروج على يزيد ، وكما كان الحسن البصري ومجاهد وغيرهما ينهون عن الخروج في فتنة ابن الأشعث، ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم، وإن كان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم والدين. وكذلك قال - رحمه الله - : ولهذا لما أراد الحسين - رضي الله عنه - أن يخرج إلى أهل العراق لما كاتبوه كتباً كثيرة :أشار عليه أفاضل أهل العلم والدين كابن عمر وابن عباس وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن لا يخرج، وغلب على ظنهم أنه يقتل [25]. فأهل العلم قد نصحوا الحسين - رضي الله عنه - مخافة أن يقتل، ولو كانوا يرون الخروج حرام قطعاً لذكروا له الدليل وأمروه بعدم الخروج، ولكن كانت نصيحة يريدون منها المصلحة حسب ما رأوها، وأما الحسين - رضي الله عنه – قرر الخروج لظنه أن المصلحة في الخروج. قال الإمام أبو جعفر الطحاوي: ولا نرى الخروج على أئمّتنا ولا ولاة أمرنا و إن جاروا ، ولا ندعوا عليهم ، ولا ننزع يداً من طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضةً ، ما لم يأمروا بمعصيةٍ ، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة [26]. وهذا لا يمثل رأي الأحناف لأنه المشهور من مذهب أبو حنيفة الخروج على أئمة الجور، وقد رد الإمام الجصاص على الطحاوي في هذه المسألة، يقول الإمام الجصاص وهومن أئمة المذهب الحنفي، وقد توفي بعد الإمام الطحاوي بحوالي خمسين عاماً : وكان مذهبه رحمه الله ( أي الإمام أبي حنيفة) مشهوراً في قتال الظلمة وأئمة الجور [27] ( وسنذكر كلام الجصاص كاملاً في المطلب القادم إن شاء الله) . فمن أين للطحاوي – رحمه الله – هذه العقيدة التي خالف بها عقيدة إمام المذهب أبي حنيفة وما الشيء الذي جعله يخالف إمام المذهب. قال أبي الحسن الأشعري: و يرون الدعاء لأئمّة المسلمين بالصلاح و أن لايخرجوا عليهم بالسيف [28]. وقال الإمام البزدوي : إذا فسق الإمام يجب الدعاء له بالتوبة ، ولا يجوز الخروج عليه لأنّ في الخروج إثارة الفتن و الفساد في العالم [29]. قال الباقلاني: بعدما ذكر فسق الإمام و ظلمه بغصب الأموال ، و ضرب الأبشار ، و تناول النفوس المحرّمة ، و تضييع الحقوق ، و تعطيل الحدود. لاينخلع بهذه الامور ولا يجب الخروج عليه ، بل يجب و عظه و تخويفه ، و ترك طاعته في شيء ممّا يدعو إليه من معاصي الله [30]. قال الإمام النووي رحمه الله : " وأما الخروج على أئمة الجور وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين ، وإن كانوا فسقة ظالمين ، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته ، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق ، وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل وحكى عن المعتزلة أيضاً فغلط من قائله مخالف للإجماع ، قال العلماء وسبب عدم انعزاله، وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء ، وفساد ذات البين فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه " [31]. وكذلك نقل ابن حجر - رحمه الله - الإجماع على عدم جواز الخروج على السلطان الظالم: فقال: قال ابن بطال: " وفى الحديث حجة على ترك الخروج على السلطان ولو جار وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء" [32]. وكلام النووي وابن حجر – رحمهما الله - في دعوى الإجماع رد عليه بعض أهل العلم وأستنكروه، منهم بن حزم وغيره، وكيف وقع الإجماع بعد الصحابة وكثيراُ من أهل العلم لم يقل بانعقاد الإجماع بعد الصحابة ومهنم الإمام أحمد ابن حنبل حيث قال من ادعى الإجماع فقد كذب. وكذلك استدل أهل هذا المذهب بالمفسدة المترتبة على الخروج من إراقة الدماء، واستبدال الأمن بالخوف، والفساد في الأرض، فقالوا هذه الأمور أعظم من الصبر على جور الحاكم. وكذلك استدلوا بعبارات لبعض الصحابة في إنكار قيام الحسين رضي الله عنهم أجمعين على يزيد. قال ابن كثير - رحمه الله -عن خروج الحسين - رضي الله عنه -: ولما استشعر الناس خروجه : أشفقوا عليه من ذلك ، وحذروه منه ، وأشار عليه ذوو الرأي منهم والمحبة لـه بعدم الخروج إلى العراق ، وأمروه بالمقام بمكة ، وذكروا ما جرى لأبيه وأخيه معهم [33]. وبلغ ابنَ عمر - رضي الله عنهما - أن الحسين - رضي الله عنه - توجّه إلى العراق فلحقه على مسيرة ثلاثة ليال ، فقال : أين تريد ، قال : العراق ، وهذه كتبهم وبيعتهم ، فقال لـه ابن عمر : لا تذهب ، فأبى، فقال ابن عمر : إنّي محدثك حديثاً : إن جبريل - عليه السلام - أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فخيّره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا ، وإنّك بضعة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يليها أحدٌ منكم أبداً ، فأبى أن يرجع ، فاعتنقه ابن عمر وبكى وقال : استودعك الله من قتيل .وقال سعيد بن ميناء سمعت عجّل حسين - رضي الله عنه - قدره والله ، ولو أدركته ما تركته يخرج إلاّ أن يغلبني . وجاءه أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - فقال: يا أبا عبد الله ؛ إني لكم ناصح ، وإنّي عليكم مشفق ، وقد بلغني أنه قد كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج فلا تخرج إليهم ، فإنّي سمعت أباك - رضي الله عنه - يقول بالكوفة : والله لقد مللتهم وأبغضتهم وملّوني وأبغضوني . وقال عبد الله بن مطيع العدوي - رضي الله عنه - : إنّي فداك وأبي وأمي ؛ فأمتعنا بنفسك ولا تسر إلى العراق ، فوالله لئن قتلك هؤلاء القوم ليتخذونا عبيداً وخولاً . وكما هو واضح من عبارات الصحابة أنهم لم ينهوا الحسين – رضي الله عنه - عن الخروج لعدم جواز الخروج، ولكن خوفاُ عليه من القتل، ولمعرفتهم بخيانة أهل الكوفة وأنهم ليسوا أهل نصرة. ولا حجة لسدنة حكام عصرنا بهذا الأقوال للنهي عن الخروج على أسيادهم. لأن الصحابة أرادوا مصلحة الحسين ومصلحة المسلمين، والدين كان قائماً والجهاد نافذاً، فرؤا أن مقتل الحسين مفسدة. أما الأمرمع حكام عصرنا مختلف تماماً، فليس هناك أي مصلحة في عدم الخروج عليهم، فالدين قد هدم والشريعة قد نحيت، وهل هناك مفسدة أعظم من هدم الدين وإكراه المسلمين على التحاكم إلى القوانيين الوضعية وشريعة الغرب الملحد. والضروريات الخمس قد وضعت لحفظ الدين، فإذا الدين لم يحفظ فالدم الدم والهدم الهدم حتى يقام الدين وتحكم الشريعة. قال الشوكاني: وقد استدل القائلون بوجوب الخروج على الظلمة ومنابذتهم بالسيف ومكافحتهم بالقتال بعمومات من الكتاب والسنة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا شك ولا ريب أن الأحاديث التي ذكرها المصنف في هذا الباب وذكرناها أخص من تلك العمومات مطلقاً وهي متواترة المعنى كما يعرف ذلك من له أنسة بعلم السنة ولكنه لا ينبغي لمسلم أن يحط على من خرج من السلف الصالح من العترة وغيرهم على أئمة الجور فإنهم فعلوا ذلك باجتهادهم وهم أتقى لله وأطوع لسنة رسول الله من جماعة ممن جاء بعدهم من أهل العلم ولقد أفرط بعض أهل العلم كالكرامية ومن وافقهم في الجمود على الأحاديث حتى حكموا بأن الحسين السبط رضي الله عنه وأرضاه باع على الخمير السكير الهاتك لحرم الشريعة المطهرة يزيد بن معاوية لعنهم الله، فيا لله العجب من مقالات تقشعر منها الجلود ويتصدع من سماعها كل جلمود[34]. والواضح من كلام الشوكاني – رحمه الله - أنه لا يخطئ الإمام الحسين بخروجه على يزيد وقد أغلظ على من قال بهذا ووصفهم بالجمود على الأحاديث، وهذا يدل على أن المسألة ليست محسومة بعدم الجواز، بل هي اجتهادية وإن الأحاديث حمالة لأكثر من وجه، وأن من خرج من السلف، قد فعلوا ذلك باجتهادهم ولو كانت الأحاديث قطعية الدلالة لنزلوا عند حكم الله ورسوله لأنهم كما وصفهم الشوكاني أنهم أتقى لله وأطوع لسنة رسول الله. المطلب الثاني: أهل المذهب القائل بجواز الخروج على الحاكم الجائر قال ابن المبارك رحمه الله: وهل أفسد الدين إلا الملوكُ وأحبار سوء ورهبانها قبل عرض أقوال العلماء القائلين بجواز الخروج على الحاكم الجائر لا بد من التعريف بالبغاة وذكر الشروط التي يجب أن تتوفر فيهم. فلا يمكن لأحد كائن من كان أن يسمي الخارج على الحاكم الظالم الجائر باغياُ، لأن البغاة لا بد أن تتوفرفيهم شروط قد وضعها العلماء . قال النوويُّ رحمه اللهُ : " الباغي في اصطلاح العلماء : هو المخالفُ لإمامِ العدلِ ، الخارجُ عن طاعته بامتناعهِ من أداءِ واجبٍ عليه أو غيرِه . أن يكون لهم شوكة وعدد بحيث يحتاج الإمام في ردهم إلى الطاعة إلى الكلفة، ببذل مال، وإعداد رجال، ونصب قتال "[35] . فالبغاة لا بد أن تتوفر فيهم أربعة شروط [36] : 1. الخروج عن طاعة الحاكم العادل التي أوجبها الله على المسلمين لأولياء أمورهم. 2. أن يكون الخروج من جماعة قوية، لها شوكة وقوة، بحيث يحتاج الحاكم في ردهم إلى الطاعة، إلى إعداد رجال ومال وقتال، فإن لم تكن لهم قوة ، فإن كانوا أفراداً، أو لم يكن لهم من العتاد ما يدفعون به عن أنفسهم، فليسوا ببغاة، لأنه يسهل ضبطهم وإعادتهم إلى الطاعة . 3. أن يكون لهم تأويل سائغ يدعوهم إلى الخروج على حكم الإمام ، فإن لم يكن لهم تأويل سائغ كانوا محاربين، لا بغاة. 4. أن يكون لهم رئيس مطاع يكون مصدراً لقوتهم، لأنه لا قوة لجماعة لا قيادة لها. وقال الخليلُ بنُ إسحاق المالكي في مختصره : الباغيةُ : فرقةٌ خالفت الإمام بمنع حق ، أو لقلعِه ، فللعدلِ قتالهم وإِن تأولوا . انتهى بعد أن استقر لدينا من هم البغاة، ننتقل إلى ذكر أقوال الأئمة والعلماء القائلين بجواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالسيف لأن الخروج على الحاكم الجائر أو المبتدع فرع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لقد اجمعت الأمة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي على المنكر بدون خلاف من أحد يعتد بخلافه لقول الله سبحانه وتعالى : وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿آلعمران: ١٠٤﴾. ولقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده إن استطاع، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان، ليس بعد ذلك من الإيمان شيء" [37]. ولكن اختلفوا في كيفية الأمر بالمعروف والنهي على المنكر أتكون بالقلب واللسان فقط أو تكون كذلك باليد وسل السيوف . وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه تلا قوله تعالى : " يا أيها الناس عليكم أنفسكم لايضركم من ضل إذا اهتديتم " فقال : أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية فتضعونها في غير موضعها وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه ، أوشك أن يعمهم بعقابه ". وقد ورد " إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه" [38]. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من نبي بعثه الله قبلي إلا كان له من أمته حواريون ، وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف ، يقولون مالا يفعلون ، ويفعلون مالا يؤمرون ، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل " [39]. قال ابن رجب معلق على هذا الحديث : " وهذا يدل على جهاد الأمراء باليد " [40]. وقال ابن حزم – رحمه الله – عن القائلين أن الكيفية تكون بالقلب واللسان، قد وجب عندهم بلا خلاف سل السيوف مع الإمام العدل إذا قام عليه فاسق، وقد روى ابن حزم عن ابن عمر أنه قال لا أدري من هي الباغية؟ ولو علمتها ما سبقتني أنت ولا غيرك إلى قتالها. وكذلك قال رحمه الله إنّ سل السيوف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب ، إذا لم يمكن دفع المنكر إلا بذلك [41]. والآن ننتقل لذكر أقوال العلماء الذين قالوا بجواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بسل السيوف والخروج على الحاكم الجائر. فلنبدأ بذكر مذهب سيد الفقهاء أبي حنيفة – رحمه الله - : فالمشهور من مذهبه جواز قتال حكام الجور والظلمة، والقول بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالسيف. وننقل ما ذكر الإمام الجصاص – رحمه الله – عن أبي حنيفة في هذا المسألة، وقد رد الإمام الجصاص وأغلظ القول على من أنكر على أبي حنيفة مذهبه في الخروج على أئمة الجور وقولهم بأن أبى حنيفة يرى إمامة الفاسق فقال: "وهذا إنما أنكره عليه أغمار أصحاب الحديث الذين بهم فُقِد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى تَغلب الظالمون على أمور الإسلام، فمن كان هذا مذهبه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كيف يرى إمامة الفاسق" [42]. وفي هذا رد على الإمام الطحاوي من إمام حنفي من كبار أئمة المذهب الحنفي. ولقد أيد الإمام أبو حنيفة وساعد كل من خرج على أئمة الجور في عصره، كزيد بن علي في خروجه على الخليفة الأموي فقد أمده أبو حنيفة بالمال، وكان ينصح الناس ويأمرهم بالوقوف إلى جانبه، وهذا ما ذكره الجصاص في هذه المسألة:" وقضيته في أَمر زيد بن علي مشهورة وفي حمله المال إليه وفتياه الناس سراً في وجوب نصرته والقتَال معه " [43]. وكذلك مساندته لمحمد ابن عبد الله الملقب بالنفس الزكية ودعوت الناس وحثهم على مناصرته ومبايعته، وقال بأن الخروج معه أفضل من جهاد الكفار، كما ذكر ذلك الجصاص: " وكذلك أمره مع محمد وإِبراهيمَ ابني عبد اللَّه بن حسن. وقال لأَبي إسحاق الفزاريِ حينَ قَال له : لمَ أشرت على أَخي بالخروج مع إبراهيم حتى قتل ؟ قَال : مخرج أَخيك أَحب إلي من مخرجك " . وكان أَبو إسحاق قد خرج إلى البصرة " [44]. وقد نقل الموفق المكي وابن البزاز صاحب الفتاوى البزازية وهم من أجلة الفقهاء مثل هذا عن أبي حنيفة، ورأي أبو حنيفة واضح جلي أنّ الجهاد لتخليص الناس والمجتمع المسلم من سطوة الحاكم الجائر المبتدع أفضل من قتال الكفارالأصليين. وكذلك ذكر الجصاص أن كبار التابعين قد نابذوا الحجاج بالسيف، حيث قال: " وقد كان الحسن وسعيد بن جبير والشعبي وسائر التَابعين يأْخذون أَرزاقهم من أَيدي هؤلاء الظلمة ، لا على أَنهم كانوا يتولونهم ولا يرون إمامتهم ، وإِنما كانوا يأْخذونها على أَنها حقوق لهم في أَيدي قوم فجرة . وكيف يكون ذلك على وجه موالاتهم وقد ضربوا وجهَ الحجاج بالسيف ، وخرج عليه من القرَاء أربعة آلاف رجل هم خيار التابعين وفقهاؤهم فَقَاتلوه مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بالأهواز ثمَ بالبصرة ثمَ بدير الجماجم من ناحية الفرات بقرب الكوفة وهم خالعون لعبد الملك بن مروان لاعنون لهم متبرئون منهم " [45]. كذلك حين ثار عبد الرحمن بن الأشعث على الدولة الأموية في زمن ولاية الحجاج الظالمة وقف إلى جانبه آنذاك أكابر الفقهاء أمثال سعيد بن جبير والشعبي وابن أبي ليلى وأبي البختري، ويذكر ابن كثير أن فرقة عسكرية من القُرَّاء (يعني العلماء والفقهاء) وقفت معه ولم يقل واحد من العلماء الذين قعدوا عن القيام معه أن خروجه هذا غير جائز، والخطب التي ألقاها هؤلاء الفقهاء أمام جيش بن الأشعث تترجم نظريتهم ترجمة أمينة، قال بن أبي ليلى: " أيها المؤمنون إنّه من رأى عُدْواناً يُعمل به ومُنكراً يُدعى إليه فأنكره بقلبه فقد سلم وبرئ، ومن أنكره بلسانه فقد أجر وهو أفضل من صاحبه، ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الظالمين السفلى فذلك الذي أصاب سبيل الهدى ونُور في قلبه اليقين، فقاتلوا هؤلاء المحلّين المحدثين المبتدعين الذين قد جهلوا الحق فلا يعرفونه وعملوا بالعدوان فلا ينكرونه ". وقال الشعبي: " يا أهل الإسلام قاتلوهم ولا يأخذكم حرج في قتالهم، فوالله ما أعلم قوما على بسيط الأرض أعمل بظلم ولا أجور منهم في الحكم، فليكن بهم البدار". وقال سعيد بن جبير: " قاتلوهم ولا تأثموا من قتالهم بنيّة ويقين، وعلى آثامهم قاتلوهم على جورهم في الحكم وتجبرهم في الدين واستذلالهم الضعفاء وإماتتهم الصلاة " [46]. أما نجم العلماء ومفتي المدينة الإمام مالك فقد روى ابن جرير عنه أنه أفتى الناس بمبايعة محمد بن عبد الله بن الحسن الذي خرج سنة 145هـ، فقيل له : " فإن في أعناقنا بيعة للمنصور، فقال: إنما كنتم مكرهين وليس لمكره بيعة، فبايعه الناس عند ذلك عن قول مالك ولزم مالك بيته " [47]. وقد أفتى الإمام مالك - رحمه الله - للناس بمبايعة محمد بن عبدالله بن حسن عندما خلــع الخليفة المنصور ، حتى قال الناس لمالك : في أعناقنا بيعة للمنصور ، قال : إنما كنتم مكرهين ، وليس لمكره بيعة ، فبايع الناس محمد بن عبدالله بن حسن عملا بفتوى الإمام مالك .[48]. وقد ذكر ابن العربي أقوال علماء المالكية : " إنما يقاتل مع الإمام العدل ، سواء كان الأول ، أو الخارج عليه ، فإن لم يكونا عدلين ، فأمسك عنهما إلا أن تراد بنفسك ، أو مالك ، أو ظلم المسلمين فادفع ذلك ". [49] وكذلك قال ابن العربي : " وقد روى ابن القاسم عن مالك : إذا خرج على الإمام العدل ، خارج وجب الدفع عنه ، مثل عمر بن عبد العزيز ، فأما غيره فدعه ، ينتقم الله من ظالم بمثله ، ثم ينتقم الله من كليهما ، قال الله تعالى: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ﴿الإسراء: ٥﴾ ، قال مالك : إذا بويع للإمام فقام عليه إخوانه ، قوتلوا إن كان الأول عدلاً ، فأما هؤلاء فلا بيعة لهم ، إذا كان بويع لهم على الخوف "[50]. وقد ذكر أبن أبي يعلى في ذيل طبقات الحنابلة عن الإمام أحمد في رواية : " من دعا منهم إلى بدعة فلا تجيبوه ولا كرامــة ، وإن قدرتم على خلعه فافعلوا ".[51] والمشهور من مذهب الإمام أحمد ، تحريم خلع الإمام الجائر ، غير أنه يمكن التوفيق بأن قوله بالتحريم يحمل على عدم القدرة لأنه حينئذ فتترجح المفسدة ويبقى الظلم بل قد يزداد . ومن علماء الحنابلة الذين ذهبوا إلى القول بخلع الجائر ، ابن رزين ، وابن عقيل ، وابن الجوزي ، رحمهم الله .[52] وقد نقل العلامة محمد بن إبراهيم الوزير اليماني - رحمه الله - في هذه المسألة كلاماً نفيساً لأئمة السلف في رده على الروافض في كتابه العواصم والقواصم في الذَّبِّ عن سنَّةِ أبي القاسم. ومن هذه الآراء التي نقلها العلامة محمد بن إبراهيم الوزير اليماني : " قال القاضي عياض : ( لو طَرَأَ عليه كفرٌ ، أو تغييرٌ للشرع ، أو بدعةٌ ، خرج عن حكم الولاية ، وسقطت طاعته ، ووجب على المسلمين القيام عليه ، ونصب إمام عادل إِن أمكنهم ذلك ، فإن لَم يقع ذلك إلا لطائفة ، وجب عليهم القيام بخلع الكافر ، ولا يجب على المبتدع القيام إلا إذا ظنوا القدرةَ عليه ، فإن تحققوا العجز ، لَم يجب القيام ، وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها ، ويفر بدينه .. وقال بعضهم : يجب خلعه إلا أن يترتب عليه فتنةٌ وحرب (صحيح مسلم شرح النووي 12\229) . انتهى وقال ابنُ بطال : وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه ، وأنصف المظلوم غالباً ، وأنَّ طاعته خيرٌ من الخروج عليه لِمَا في ذلك من حقن الدماء و تسكين الدهماء ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها. (الفتح). وفي كلام ابن بطال ما يدل بمفهومه على جواز الخروج وعدمه ، لأنه قال : إن طاعته خيرٌ من الخروج عليه .. ولو كان الخروجُ حراماً قطعاً والطاعةُ واجبةً قطعاً ، لَم يقل : إن الطاعة خيرٌ من الخروج . قال ابن عبد البر- رحمه الله - في ( الاستيعاب ) : واختلفَ الناس في معنى قوله : وأن لا ننازعَ الأمرَ أهلَه . فقال قوم : هم أهل العدل والفضل والدينِ ، وهؤلاء لا ينازَعُون ، لأنهم أهل الأمر على الحقيقة . وقال أهل الفقه : إنما يكون الاختيار في بدء الأمر ، ولكن الجائر من الأئمة إذا أقامَ الجهاد والجمعةَ والأعياد ، سكنت له الدهماء ، وأنصف بعضها من بعض في تظالُمها ، لم تجب منازعته ، ولا الخروج عليه ، لأنَّ في الخروج عليه استبدال الأمن بالخوف ، وإراقةَ الدماء ، وشنَّ الغارات ، والفساد في الأرض ، وهذا أعظم من الصبر على جوره وفسقه ، والنظر يشهد أن أعظم المكروهين أولاهما بالترك ، وأجمع العلماء على أن من أمر بمنكرٍ ، فلا يطاع ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالق ) ، قال اللهُ تعالى : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿المائدة: ٢﴾. انتهى فإذا عرفت هذا ، تبيّن لك أنهم لا يعيبون على مَن خرج على الظلمة ، لأن جوازه منصوص عليه في كتب فقههم ، ولو كان محرماً عندهم قطعاً ، لم يختلفوا فيه ، ويجعلوه أحد الوجوه في مذهبهم الذي يحل للمفتي أن يفتي به ، وللمستفتي أن يعمل به ، كما أنه ليس لهم وجه في جواز شيءٍ من الكبائر ، ولا شك أن كل مسألةٍ لهم فيها قولان أو وجهان أنهم لا يحرمونَ فعل أحدهما ، ولا يجرحون من فعله مستحلاً له ، ولا يفسقونه بذلك ، وهذا يعرفه المبتدئ في العلم ، كيف المنتهي ؟! فصل في بيان أن من منع الخروج على الظلمة استثنى من ذلك من فحش ظلمه ، وعظمت المفسدة بولايته ، مثل يزيد والحجاج ، فلم يقل أحد ممن يعتد به بإمامة من هذا حاله ، وإن ظن ذلك من لم يبحث من ظواهر بعض إطلاقهم ، فقد نصوا على بيان مرادهم ، وخصوا عمومَ الفاظهم ، ويظهر ذلك بذكر ما أمكن من نصوصهم . قال إمام مذهب الشافعية الجويني - وقد ذكر أن الإمامَ لا ينعزل بالفسق - ما لفظه : وهذا في نادر الفسق ، فأما إذا تواصل منه العصيان ، وفشا منه العدوان ، وظهر الفساد ، وزال السداد ، وتعطلت الحقوق ، وارتفعت الصيانةُ ، ووضحَت الخيانةُ ، فلا بدَّ من استدراك هذا الأمر المتفاقم ، فإن أمكن كف يده ، وتولية غيره بالصفات المعتبرة ، فالبدار البدار ، وإن لم يمكن ذلك لاستظهاره بالشوكة إلا بإراقة الدماء ، ومصادمة الأهوال ، فالوجه أن يقاس ما الناس مندفعون إليه ، مبتلونَ به بما يعرض وقوعه ، فإن كانَ الواقع الناجز أكثر مما يتَوقَع ، فيجب احتمال المتوقع ، وإلا فلا يسوغ التشاغل بالدفع ، بل يتعين الصبر والابتهال إلى الله تعالى . انتهى قال ابن حزمٍ في ( الإجماع ) : ورأيت لبعض من نصب نفسه للإمامة والكلام في الدين ، فصولاً ، ذكر فيها الإجماع ، فأتى فيها بكلام ، لو سكت عنه ، لكان أسلمَ له في أخراه ، بل الخرس كانَ أسلمَ له ، وهو ابن مجاهد البصري المتكلم الطائي ، لا المقرئ ، فإنه ادعى فيه الإجماعَ أنهم أجمعوا على أنه لا يُخرج على أئمة الجور ، فاستعظمت ذلك ، ولعمري إنه لعظيم أن يكون قد علمَ أن مخالف الإجماع كافر ، فيلقي هذا إلى الناس ، وقد علمَ أن أفاضل الصحابة وبقية السلف يومَ الحرَّةِ خرجوا على يزيد بن معاوية ، وأن ابن الزبير ومن تابعه من خيار الناس خرجوا عليه ، وأن الحسينَ بن عليٍّ ومن تابعه من خيار المسلمين خرجوا عليه أيضاً ، رضي الله عن الخارجين عليه ، ولعن قَتَلَتَهم ، وأن الحسن البصري وأكابر التابعين خرجوا على الحجاج بسيوفهم ، أترى هؤلاء كفروا ؟ بل واللهِ من كفرهم ، فهو أحق بالكفر منهم ، ولعمري لو كان اختلافاً - يخفى - لعذرناه ، ولكنه مشهور يعرفه أكثر من في الأسواق ، والمخدَّراتُ في خدورهنَّ لاشتهاره ، ولكن يحق على المرء أن يَخطِمَ كلامه ويزُمَّه إلا بعد تحقيق وميزٍ ، ويعلم أن الله تعالى بالمرصاد ، وأن كلام المرء محسوب مكتوب مسؤول عنه يومَ القيامة مقلداً أجر من اتبعه عليه أو وزرَه . انتهى وممن أنكر على ابنِ المجاهدِ دعوى الإجماع في هذه المسألة : القاضي عياض المالكي ، فقال : وردَّ عليه بعضهم هذا بقيام الحسين بن علي رضي الله عنه ، وابن الزبير ، وأهل المدينة على بني أُميَّة ، وقيام جماعةٍ عظيمةٍ من التابعين ، والصدرِ الأول على الحجاج مع ابن الأشعث .. وتأول هذا القائل قولَه : ( ألا ننازع الأمرَ أهلَه ) على أئمة العدل .. وحجة الجمهور أن قيامهم على الحجّاج ليس بمجرد الفسق ، بل لما غير من الشرع ، وأظهر من الكفر . انتهى احتج البعض على جواز الخروج على الظَّلَمة مطلقاً ، وقصره الآخرون على من فحش ظلمه وغير الشرعَ ، ولَم يقل أحد منهم : إن يزيد مصيب ، والحسين باغٍ .. ولا أعلم لأحدٍ من المسلمين كلاماً في تحسين قتل الحسين رضي الله عنه ، ومن ادّعى ذلك على مسلم ، لَم يصدق ، ومَن صح ذلك عنه ، فليس من الإسلام في شيءٍ " [53]. انتهى وكما هو واضح جلي كلام العلامة محمد بن إبراهيم الوزير اليماني - رحمه الله – أن الخروج على الظلمة من أقوال أهل السنة لأنه منصوص عليه في كتب الفقه وقال به كبار الأئمة والفقهاء من المذاهب الأربعة. فالعجب كل العجب من كهنة حكام عصرنا أن يشنعوا على من يقول بالخروج على أولياء نعمتهم المبدلين للشرع ويصنفونه في خانة الخوارج والبغاة، وها هم أئمة السلف يقولون بالخروج على الحاكم المسلم الجائر. فما أصعب قول الحق والأستقامة عليه. قال الإمام ابن حزم - رحمه الله - : " وهذا قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكل من معه من الصحابة، وقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وطلحة، والزبير، وكل من كان معهم من الصحابة. وقول معاوية وعمرو، والنعمان بن بشير، وغيرهم ممن معهم من الصحابة، رضي الله عنهم أجمعين، وهو قول عبد الله بن الزبير، ومحمد والحسن بن علي، وبقية الصحابة من المهاجرين والأنصار القائمين يوم الحرة، رضي الله عن جميعهم أجمعين، وقول كل من أقام على الفاسق الحجاج ومن والاه من الصحابة رضي الله عن جميعهم كأنس بن مالك وكل من كان ممن ذكرنا من أفاضل التابعين، كعبد الرحمن ابن أبي ليلى، وسعيد بن جبير، وابن البحتري الطائي، وعطاء السلمي الأزدي، والحسن البصري، ومالك بن دينار، ومسلم بن بشار، وأبي الحوراء، والشعبي وعبد الله بن غالب، وعقبة بن عبد الغافر بن صهبان، وماهان، والمطرف بن المغيرة، ابن شعبة، وأبي المعدو حنظلة بن عبد الله، وأبي سح الهنائي، وطلق بن حبيب، والمطرف بن عبد الله ابن الشخير، والنصر بن أنس، وعطاء بن السائب، وإبراهيم بن يزيد التيمي، وأبي الحوسا، وجبلة بن زحر وغيرهم، ثم من بعد هؤلاء من تابعي التابعين ومن بعدهم كعبد الله بن عبد العزيز ابن عبد الله بن عمر، وكعبيد الله بن عمر، ومحمد بن عجلان، ومن خرج مع محمد بن عبد الله بن الحسن وهاشم بن بشر، ومطر الوراق، ومن خرج مع إبراهيم بن عبد الله، وهو الذي تدل عليه أقوال الفقهاء كأبي حنيفة، والحسن بن حي، وشريك، ومالك، والشافعي، وداود، وأصحابهم. فإن كل من ذكرنا من قديم وحديث، إما ناطق بذلك في فتواه وإما فاعل لذلك بسل سيفه في إنكار ما رأوه منكراً. قال أبو محمد: احتجت الطائفة المذكورة أولاً بأحاديث منها: انقاتلهم يا رسول الله؟ قال: "لا ما صلوا". وفي بعضها: " إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان". وفي بعضها وجوب الضرب وإن ضرب ظهر أحدنا وأخذ ماله. وفي بعضها: " فإن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فاطرح ثوبك على وجهك وقل: إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار". وفي بعضها: " كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل". وبقول الله تعالى : وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴿المائدة: ٢٧﴾ . قال أبو محمد: كل هذا لا حجة لهم فيه لما قد تقصيناه غاية التقصي خبراً خبراً بأسانيدها ومعانيها في كتابنا الموسوم بالاتصال إلى فهم معرفة الخصال، ونذكر منه إن شاء الله هاهنا جملاً كافية وبالله تعالى نتأيد. أما أمره عليه السلام بالصبر على أخذ المال وضرب الظهر، فإنما ذلك بلا شك إذا تولى الإمام ذلك بحق، وهذا ما لا شك فيه أنه فرض علينا الصبر له. فإن امتنع من ذلك بل من ضرب رقبته إن وجب عليه فهو فاسق عاص لله عز وجل، وإما إن كان ذلك بباطل فمعاذ الله أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر على ذلك، برهان هذا قول الله عز وجل: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿المائدة: ٢﴾. وقد علمنا أن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخالف كلام ربه تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ﴿النجم: ٣، ٤﴾ . وقال تعالى : وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴿النساء: ٨٢﴾. فصح أن كل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه وحي من عند الله عز وجل لا اختلاف فيه ولا تعارض ولا تناقض، فإذا كان هذا كذلك فبيقين لا شك فيه يدري كل مسلم أن من أخذ مال مسلم أو ذمي بغير حق وضرب ظهره بغير حق إثم وعدوان وحرام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم".فإذ لا شك في هذا ولا اختلاف من أحد من المسلمين فالمسلم ماله للأخذ ظلماً، وظهره للضرب ظلماً، وهو يقدر على الامتناع من ذلك بأي وجه أمكنه معاون لظالمه على الإثم والعدوان، وهذا حرام بنص القرآن. وأما سائر الأحاديث التي ذكرنا، وقصة ابني آدم فلا حجة في شيء منها، أما قصة ابني آدم فتلك شريعة أخرى غير شريعتنا، قال الله عز وجل : لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴿المائدة: ٤٨﴾ . وأما الأحاديث: فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده إن استطاع، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان، ليس وراء ذلك من الإيمان شيء". وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف، وعلى أحدكم السمع والطاعة ما لم يؤمر بمعصية، فإن أمربمعصية فلا سمع ولا طاعة". وإنه عليه السلام قال: " من قتل دون ماله فهو شهيد، والمقتول دون دينه شهيد، والمقتول دون مظلمة شهيد ".وقال عليه السلام: " لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليعمنكم الله بعذاب من عنده ". فكان ظاهر هذه الأخبار معارضاً للآخر، فصح أن إحدى هاتين الجملتين ناسخة للأخرى، لا يمكن غير ذلك، فوجب النظر في أيهما هو الناسخ، فوجدنا تلك الأحاديث التي منها النهي عن القتال موافقة لمعهود الأصل، ولما كانت الحال عليه في أول الإسلام بلا شك، وكانت هذه الأحاديث الأخر واردة بشريعة زايدة وهي القتال، هذا ما لا يشك فيه، فقد صح نسخ معنى تلك الأحاديث ورفع حكمها حين نطقه عليه السلام بهذه الأخر بلا شك، فمن المحال المحرم أن يؤخذ بالمنسوخ ويترك الناسخ، وأن يؤخذ الشك ويترك اليقين. ومن ادعى أن هذه الأخبار بعد أن كانت هي الناسخة فعادت منسوخة فقد ادعى الباطل، وقفا ما لا علم له به فقال على الله ما لم يعلم، وهذا لا يحل. ولو كان هذا لما أخلى الله عز وجل هذا الحكيم عن دليل وبرهان يبين به رجوع المنسوخ ناسخاً، لقوله تعالى في القرآن: تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴿النحل: ٨٩﴾ .وبرهان آخر: وهو أن الله عز وجل قال: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ﴿الحجرات: ٩﴾ . لم يختلف مسلمان في أن هذه الآية التي فيها فرض قتال الفئة الباغية محكمة غير منسوخة، فصح أنها الحاكمة في تلك الأحاديث، فما كان موافقاً لهذه الآية فهو الناسخ الثابت، وما كان مخالفاً لها فهو المنسوخ المرفوع. وقد ادعى قوم أن هذه الآية وهذه الأحاديث في اللصوص دون السلطان. قال أبو محمد: وهذا باطل متيقن، لأنه قول بلا برهان، وما يعجز مدع عن أن يدعي في تلك الأحاديث أنها في قوم دون قوم، وفي زمان دون زمان، والدعوى دون برهان لا تصح، وتخصيص النصوص بالدعوى لا يجوز، لأنه قول على الله تعالى بلا علم، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سائلاً سأله عمن من طلب ماله بغير حق فقال عليه السلام: "لا تعطه" قال: فإن قاتلني؟ قال: " قاتله" قال: فإن قتلته، قال: "إلى النار" قال: فإن قتلني؟ قال: "فأنت في الجنة". أو كلاماً هذا معناه.وصح عنه عليه السلام: " أنه قال المسلم أخو المسلم، لا يسلمه، ولا يظلمه". وقد صح أنه عليه السلام قال في الزكاة: " من سألها على وجهها فليعطها، ومن سألها على غير وجهها فلا يعطها". وهذا خبر ثابت رويناه عن طريق الثقات عن أنس بن مالك، عن أبي بكر الصديق، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا يبطل تأويل من تأول أحاديث القتال عن المال على اللصوص، لأن اللصوص لا يطلبون الزكاة، وإنما يطلبها السلطان، فافترض عليه السلام منعها إذا سئلها على غير ما أمر به عليه السلام، ولو اجتمع أهل الحق ما قاومهم أهل الباطل، نسأل الله المعونة والتوفيق. قال أبو محمد: وأما ما اعترضوا به من فعل عثمان فما علم قط أنه يقتل، وإنما كان يراهم يحاصرونه فقط، وهم لا يرون هذا اليوم للإمام العدل، بل يرون القتال معه ودونه فرضاً، فلا حجة لهم في أمر عثمان رضي الله عنه.وقال بعضهم: إن في القيام إباحة الحريم وسفك الدماء، وأخذ الأموال، وهتك الأستار، وانتثار الأمر. فقال لهم الآخرون: كلا لأنه لا يحل لمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر أن يهتك حريماً، ولا أن يأخذ مالاً بغير حق، ولا أن يتعرض من لا يقاتله، فإن فعل شيئاً من هذا فهو الذي فعل ما ينبغي أن يغير عليه، وأما قتله أهل المنكر قلوا أو كثروا فهذا فرض عليه.وأما قتل أهل المنكر الناس، وأخذهم أموالهم، وهتكهم حريمهم فهذا كله من المنكر الذي يلزم الناس تغييره. وأيضاً: فلو كان خوف ما ذكروا مانعاً من تغيير المنكر ومن الأمر بالمعروف، لكان هذا بعينه مانعاً من جهاد أهل الحرب، وهذا ما لا يقوله مسلم، وإن أدى ذلك إلى سبي النصارى نساء المسلمين وأولادهم، وأخذ أموالهم، وسفك دمائهم، وهتك حريمهم. ولا خلاف بين المسلمين في أن الجهاد واجب مع وجود هذا كله، ولا فرق بين الأمرين، وكل ذلك جهاد ودعاء إلى القرآن والسنة. قال أبو محمد: ويقال لهم ما تقولون في سلطان جعل اليهود أصحاب أمره، والنصارى جنده، وألزم المسلمين الجزية، وحمل السيف على أطفال المسلمين، وأباح المسلمات للزنا، وحمل السيف على كل من وجد من المسلمين، وملك نساءهم وأطفالهم، وأعلن العبث بهم، وهو في كل ذلك مقر بالإسلام، معلن به، لا يدع الصلاة؟ فإن قالوا: لا يجوز القيام عليه. قيل لهم: أنه لا يدع مسلماً إلا قتله جملة وهذا أن ترك أوجب ضرورة ألا يبقى إلا هو وحده وأهل الكفر معه. فإن أجازوا الصبر على هذا خالفوا الإسلام جملة، وانسلخوا منه. وإن قالوا: بل يقام عليه ويقاتل وهو قولهم. قلنا لهم: فإن قتل تسعة أعشار المسلمين أو جميعهم إلا واحداً، وسبي من نسائهم كذلك، وأخذ من أموالهم كذلك، فإن منعوا من القيام عليه تناقضوا. وإن أوجبوا سألناهم عن أقل من ذلك، ولا نزال نحطهم إلى أن نقف بهم على قتل مسلم واحد، أوعلى الغلبة امرأة واحدة، أو على أخذ مال أو على انتهاك نسوة بظلم، فإن فرقوا بين شيء من ذلك تناقضوا وتحكموا بلا دليل، وهذا ما لا يجوز، وإن أوجبوا إنكار كل ذلك رجعوا إلى الحق. ونسألهم عمن قصد سلطانه الجائر الفاجر زوجته، وابنته، وابنه، ليفسق بهم، أو ليفسق به بنفسه، أهو في سعة من إسلام نفسه، وامرأته، وولده، وابنته، للفاحشة، أم فرض عليه أن يدفع من أراد ذلك منهم؟ فإن قالوا: فرض عليه إسلام نفسه وأهله، أتوا بعظيمة لا يقولها مسلم. وإن قالوا: بل فرض عليه أن يمتنع من ذلك ويقاتل رجعوا إلى الحق، ولزم ذلك كل مسلم في كل مسلم وفي المال كذلك. قال أبو محمد: والواجب أن وقع شيء من الجور وإن قل أن يكلم الإمام في ذلك ويمنع منه، فإن امتنع وراجع الحق، وأذعن للقود من البشرة، أو من الأعضاء، ولإقامة حد الزنا والقذف والخمر عليه فلا سبيل إلى خلعه وهو إمام كما كان لا يحل خلعه. فإن امتنع من إنفاذ شيء من هذه الواجبات عليه ولم يراجع وجب خلعه وإقامة غيره، ممن يقوم بالحق لقوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿المائدة: ٢﴾. ولا يجوز تضييع شيء من واجبات الشرائع. وبالله التوفيق " [54]. انتهى كلام ابن حزم - رحمه الله - . والواضح الجلي من كلام ابن حزم ( لله دره من عالم جهبذ) جواز الخروج على الحاكم الجائر وقتاله. وقد كان استدلاله قوياُ جداً بقول أن السلطان قد يكون الطائفة الباغية التي يجب قتالها حتى تفيء لأمر الله، لأن الله تعالى قد أمر بقتال الطائفة الباغية وقد علق الحكم على وصف البغي ، وهو دليل بيـّن على أن السلطة إن تحقق فيها هذا الوصف ، يجــب أن تقاتل حتى تفيء إلى أمر الله . والسلطة المنتمي لها البغاة، فهي طائفة باغية بدون شك داخلة في عموم الآية، فالواجب قتالها امتثالاً لأمر الله كما هو بين واضح جلي من ظاهر القرآن. وأما الذين قالوا إن قول الله تعالى : ( فإنْ بَغَتْ إِحْداهما عَلىَ الأُخْرَى فقَاتِلُوا التي تبْغي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) يدل على وجوب قتال الباغين من غير السلطـة حتى يرجعوا إلى أمر الله وحكم الشرع ، ألا يدل كذلك على قتال السلطة الباغية للغاية نفسها، هي الرجوع إلى أمر الله وحكم الشرع ؟ ومن المسلمات أن بغي السلطة أشد ضرراً ، وأكثر فساداً . قال الحافظ ابن حجر في ترجمة الحسن بن صالح بن حي رحمه الله : "وقولهم : كان يرى السيف، يعني كان يرى الخروج بالسيف على أئمة الجور، وهذا مذهب للسلف قديم، لكن استقر الأمر على ترك ذلك لما رأوه قد أفضى إلى أشد منه".[55] فهذا ابن حجر – رحمه الله – يصرح بأن الخروج هو مذهب السلف قديماً، ومما لا شك فيه أن السلف قالوا بالخروج مستندين إلى دليل من الكتاب أو السنة، وهم أكثر الناس اتباعاً للسنة . فبأي دليل تغير مذهب السلف، إذا كان بالإجماع، فالإجماع مشكوك فيه بعد الصحابة، وإذا كان بالمصالح والمفاسد، فهذه مسألة نسبية تختلف من شخص لأخر.وبهذا يكون القول بالخروج على الحاكم الجائر من مذهب أهل السنة والجماعة ولا يعتبر قولاً شاذاً او من أقوال الخوارج. ومن العلماء الذين خرجوا: أحمد بن نصر الخزاعي الذي ساءه ما رآه من انحراف الخلافة وإظهار الفسق فقام بدعوة سرية إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والخروج على الخليفة لبدعته وفسقه. وقد قال الإمام أحمد في ابن نصر بعد مقتله: (رحمه الله.. ما أسخاه لقد جاد بنفسه له).[56] قال الشوكاني: نقل ابن التين عن الداودي قال الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب وإلا فالواجب الصبر وعن بعضهم لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء فإن أحدث جوراً بعد أن كان عدلاً فاختلفوا في جواز الخروج عليه والصحيح المنع إلا أن يكفر فيجب الخروج عليه [57]. فكما هو واضح من كلام الشوكاني، بأن الخروج على الحاكم إذا أحدث جوراً بعد أن كان عدلاً، مسألة خلافية اختلاف فيها العلماء مع ترجيحه لمنع الخروج وهذا من اجتهاد الشوكاني - رحمه الله - لا يلزم الأمة الأخذ به. قال شيخنا محمد مصطفى المقرئ [58] – حفظه الله - " مسألة الخروج على الحاكم الفاسق او الجائر هي برأيي مسألة جدلية هي اليوم أشبه بالمسائل الفقهية الفرضية ، ذلك أنها لا تطابق واقع حكام المسلمين الماثل بين أيدينا ، وإسقاطها على هذا الواقع مغالطة كبيرة ، إذ لا سبيل إلى نفي تحقق الكفر و ظهوره في طرق الحكم المهيمنة على بلادنا ، وهذا هو مناط مشروعية الخروج على الحاكم كفر أو لم يكفر [خروجاً من جدلية تكفيره ] ونص الحديث النبوي واضح صريح في ذلك : " إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه ىبرهان " وقد يقع الكفر ولا يقتضي تكفير فاعله أو قائله – كما هو مذهب أهل الحق – والله أعلم. أما الإجماع المنقول بحرمة الخروج على الحاكم الفاسق أو الجائر فهو منتقض بموقف الإمامين مالك وأبي حنيفة ، وبكلام بعض من نقله كالإمام النووي ـ كما في شرح صحيح مسلم – حيث نص على جواز الخروج على الحاكم الفاسق بعد أن نقل الإجماع المذكور. وأيما كان الأمر فإن هذا الإجماع يخالف واقعة الحال عصراً وتكييفاً ، فإنه منعقد في عصر تالٍ لعصر كان عامة الفقهاء فيه على القول بالجواز ، بل تأكد ذلك بفعل كثير منهم [ ابن الأشعث ومعه من كبار التابعين ابن المسيب والشعبي وابن جبير – وقبلهم عبد الله ابن الزبير – والإمام الحسين – وبعدهم ذو النفس الزكية ] ." قال الشيخ حامد العلي – حفظه الله - : " أن الله تعالى أمر بإنكار الظلم وإزالته ، وشرع ذلك أولاَ باليد ، ولأنّ الجور سبب لفساد البلاد والعباد ، وفي دفعه تحقيق الصلاح والمصالح العامّة التي ماجاءت الشريعة إلاّ لتوفيرها للناس، وما مبنى هذه الشريعة ـ أصـلا ـ إلاّ على هذا الأساس . وإنها لجناية على دين الإسلام أعظم جناية ، وتشويه يصدّ عن سبيله أيّ تشويه ، أن يقال في هذا الزمان الذي تثور فيه الشعوب مطالبة بحقوقها فتحصل عليها ، وتكف يد الظالمين عن الأموال ، والأعراض ، والدماء ، وعن العبث بمقدرات الأمة ، أن يقال : إن شريعة الله تعالى تأمر المسلمين أن يكونوا عونا للظلم بسكوتهم عليه ، وإقرارهــم له . وكيف يحقّ لكم ـ أيها المحرمون خلع السلطات الجائرة بالقوة ـ لــوم الشعوب أن تطلب الخَلاَصات السياسية ، في غير هذه الشريعة ، إن كنتم تقولون لهم إنّ فقهها السياسي قائم على إقرار الظلم ، بل تشريع أسباب بقاءه بتحريم تغييره ؟!! إذا تبيّن أن القول بتحريم خلع السلطة الجائرة، ، معارض لمقاصد الشريعة ، وهو ذريعة لصدّ الناس عن اتباعها فيما هو من أعظم حاجاتهم الحياتية ، علم بطلان هذا المذهب وفساده ، وتناقضه ". الخاتمة : الترجيح بين المذهبين، وواقع حكام عصرنا كان من قيم العرب قديماً العيش بحرية وعزة وكرامة، وبذلوا النفوس رخيصة في سبيل هذه القيم، ولم يعدلوا عنها بشيء مهما كان الثمن، وهذا واضح متجل في شعرهم : لا تسقني ماء الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنظل ماء الحياة بذلة كجهنم وجهنم بالعز أطيب منزل وعندما جاء الإسلام زاد هذه القيم تعظيماً ودعى إلى التمسك بها، ويحض الإسلام المسلمين على عدم قبول الدنية في دينهم وعلى دفع الظلم وإزالته. فالواضح الجلي من النقول التي ذكرت في هذا البحث حول حكم الخروج على الحاكم الجائر، أن أهل والسنة والجماعة قد ذهبوا إلى مذهبين، الأول: يقول بعدم الخروج على الحاكم الجائر إلا إذا كفر. والثاني: يقول بالخروج على الحاكم الجائر لظلمه وفسقه. وقد ذكرت في هذا البحث آنفاً الأدلة التي استدل به أهل المذهبين، وكنت شديد الحرص على نقل أكثر عدد ممكن من أقوال العلماء لتعطى هذه المسألة الحساسة حقها في البحث ، وليكون الترجيح بين القولين مبنياً على مستوى عال من الوضوح، ومستنداً إلى الأدلة الشرعية وآراء جهابذة العلماء من السلف والخلف. بعد ذكر أقوال العلماء في هذه المسألة ومنافشة أدلة كل من المذهبين، فالمذهب الراجح والله أعلم هو المذهب القائل بالخروج على الحاكم الجائر، لقوة استدلال أهل هذا المذهب ورجحان أدلتهم. ولأن القول بالخروج يتماشى مع مقاصد الشريعة ويوافق روح دين الإسلام ، لأنه دين الحرية والعزة والكرامة، وقد جاء لنشر الحرية وتحرير الناس من الأستعباد، وترسيخ العدل وإرجاع الحقوق لأهلها. وكذلك دعى الإسلام إلى رفض الظلم ومحاربة الظالمين وكفهم عن ظلمهم، وقد حرم الله الظلم على نفسه وجعله محرماً بين عباده كما في الحديث القدسي ، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله، تبارك وتعالى أنه قال : " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ..." [59] . وهناك آيات وأحاديث كثيرة تحض على الآخذ على آيدي الظالمين ونفي العهد عنهم ونذكر منها: قول الله تعالى: وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴿البقرة: ١٢٤﴾. وفي هذه الآية قد نفى الله تعالى العهد عن الظالمين، فكيف نعطيهم العهد وندعوا إلى طاعتهم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم أخوف ما يتخوف على أمته الأئمة المضلين ، فكيف لا يكون من شريعته ما يدعي إلى إزالة ما يخاف على أمته منه؟ قال صلى الله عليه وسلم: " إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين : خرجه الترمذي ،وقال: " وإنما أتخوف على أمتي أئمة مضلين " خرجه أحمد أبو داود وابن ماجـــة ، وقال: " أشد الناس عذابا يوم القيامة ، رجل قتله نبي ، أو قتل نبيا ، وإمام ضلالة ". خرجه أحمد وقد قال أبي بكرالصديق رضي الله عنه بعد أن بايعه الناسُ بالخلافة، مبيّنا سنة هذه الأمة في تحقيق العدل وترسيخه، وإزالة الظلم والطغيان : " أما بعد، أَيُّها الناس فَإِني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإِن أَحسنت فَأَعينوني وإِن أَسأْت فَقوموني. الصدق أمانةٌ والكذب خيانة . والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع إليه حقه إن شاء اللّه، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء اللّه. لا يدع قوم الجهاد في سبيل اللّه إلا خذلهم اللَّه بالذل ولا تَشيع الفاحشةُ في قوم إلا عمهم اللَّه بالبلاء. أَطيعوني ما أَطعت اللَّه ورسوله فإِذا عصيت اللّه ورسوله فلا طاعة لي عليكم." [60]. رضي الله عنه رضاً واسعاً، لقد قال وأوجز، وحدد سياسته الشرعية في كلمات قليلة تدل على حدود طاعته التي قيدها بطاعة الله ورسوله. ومن الأسباب التي ترجح المذهب القائل بالخروج على الحاكم الجائر: • أن النصوص المحكمة من الكتاب والسنة في وجوب طاعة أولي الأمر والصبر عليهم والدعاء لهم، تتعلق بأئمة العدل لا بأئمة الجور، فقد يستساغ الصبر على إمام يُؤثر نفسه بشيء من الأمور الدنيوية الخاصة ( أو يفسق على نفسه) وهو مقيم للدين، حاكماً بالشرع، لا يظلم الناس ولا يأكل أموالهم ويهدر دمائهم بالباطل، أما تنزيل تلك النصوص على أئمة الجور فبعيد عن الحق. قال ابن حزم: أما أمره عليه السلام بالصبر على أخذ المال وضرب الظهر، فإنما ذلك بلا شك إذا تولى الإمام ذلك بحق، وهذا ما لا شك فيه أنه فرض علينا الصبر له. فإن امتنع من ذلك بل من ضرب رقبته إن وجب عليه فهو فاسق عاص لله عز وجل، وإما إن كان ذلك بباطل فمعاذ الله أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر على ذلك، برهان هذا قول الله عز وجل: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿المائدة: ٢﴾. أخذ مال مسلم أو ذمي بغير حق وضرب ظهره بغير حق إثم وعدوان وحرام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم".فإذ لا شك في هذا ولا اختلاف من أحد من المسلمين فالمسلم ماله للأخذ ظلماً، وظهره للضرب ظلماً، وهو يقدر على الامتناع
--
على الخراشى
الثلاثاء، 2 أغسطس 2011
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)